المعمودية.. سر من الأسرار السبعة المقدسة فى الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية، فالشخص الذى يجرى تعميده يصبح تابعا للمسيح عيسى، والعماد فى المسيحية يمثل موت عيسى، وقيامه فى حياته الجديدة، وطالما كانت طريقة المعمودية موضع اختلاف بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية منذ قرون عدة. مع زيارة البابا فرنسيس الأخيرة لمصر وتوقيعه على وثيقة «عدم إعادة سر المعمودية» مع البابا تواضروس، ظن الجميع أن هذا الخلاف قد زال للأبد، لكن التصريحات التى أعقبتها أثارت الكثير من التساؤلات، وأوحت بعكس ذلك. يكون التعميد فى الكنيسة الأرثوذكسية بتغطيس الأطفال ثلاث مرات، والدعاء «باسم الأب والابن والروح القدس»، بينما فى الكاثوليكية يكتفون فقط بسكب المياه ثلاث مرات، مع ذكر نفس الدعاء. وبناء على ذلك، كان لا يجوز انتقال مسيحى من كنيسة لأخرى إلا إذا أعاد معموديته، ونفس الأمر بالنسبة للزواج، فلم يعد مقبولا أن يتزوجوا من بعض إلا بعد إعادة التعميد. • البابا شنودة الراحل كان البابا شنودة المتنيح يرى أن إعادة المعمودية شرط من شروط التحويل للكنيسة، أو الزواج من الكنيسة الأخرى، وعلى الرغم من محاولات التقارب وفك التصادم، فعند زيارة البابا شنودة الثالث للفاتيكان فى عام 1973 أصدرا بيانا مشتركا يفيد بوجود سعى لفهم ما لدى الآخر، لكن الأمر توقف. ثم عاد مرة أخرى مع زيارة البابا تواضروس للفاتيكان 2014، والحديث عن السعى الجاد لإنهاء تلك الخلافات. • وثيقة المعمودية ومع الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس لمصر أبريل 2017 تم التوقيع على وثيقة تنص على الآتى: «طاعة لعمل الروح القدس الذى يقدس الكنيسة، ويحفظها عبر العصور ويقودها لتبليغ الوحدة الكاملة التى صلى المسيح من أجلها، نحن اليوم البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثانى كى نسعد قلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وكذلك قلوب أبنائنا فى الإيمان، نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الممارس فى كنيستنا للشخص الذى يريد الانضمام للكنيسة الأخرى حسب تعاليم الكتاب المقدس وإيمان المجامع المسكونية الثلاث فينيقية والقسطنطينية وأفسس. نطلب من الله الآب أن يقودنا فى الأوقات وبالطرق التى يريدها الروح القدس إلى بلوغ الوحدة التامة لجسد المسيح السرى». وفسر الاتفاق وقتها أنه يتضمن إنهاء الخلاف بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية حول إعادة «سر المعمودية»، ويقضى كذلك باعتراف الكنيسة المصرية بمعمودية الكنائس الأخرى، فقد كانت الكنيسة المصرية لا تعترف بمعمودية الكنائس الأخرى، وتلزم المسيحى الذى يتحول إليها من أى كنيسة أخرى بإعادة التعميد وفقا لطقوسها، حتى لو أصبح شخصا بالغا. لكن على الناحية الأخرى، ثار بعض النشطاء الأقباط على وثيقة التفاهم، فكتب الناشط فادى رمزى على صفحته على تويتر: «لسة بدرى أوى على قبول الآخر، احنا لسة فى مرحلة قبول تحويل أحد اتعمد بره الكنيسة، وإعفائه من ضريبة التعميد التانى، هو الدين لخصتوه فى التعميد والشعائر» يسقط كهنوت السيطرة. • بيان الكنيسة الأرثوذكسية وبعد حالة التساؤلات والاعتراضات التى أحدثتها الوثيقة، قامت الكنيسة الأرثوذكسية بإصدار بيان أوضحت فيه أن ما وقعه الباباوان تواضروس وفرنسيس هو بيان مشترك تضمن عرضا لعلاقة الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية وليس اتفاقية، وذكر البيان أن رصيد الشراكة بين الكنيستين التى استمرت لقرونٍ قبل الانشقاق، على أمل استثمارها فى دفع الجهود الحالية للحوار اللاهوتى. وأضاف البيان أن الوثيقة كانت بمثابة تسجيل وتأريخ فقط للزيارة الثانية لرأس الكنيسة الكاثوليكية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مؤكدا أنه لم يتضمن أية إضافات على الصعيد الإيمانى أو العقيدى أو غيرهما. • تأكيد البابا فرنسيس وعلى الرغم من بيان الكنيسة الأرثوذكسية، لكن البابا فرنسيس أكد فى أول عظة له - بعد زيارته لمصر- فى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان أن الاتفاق قد تم بالفعل، فقد قال: «أرغب اليوم فى أن أكلّمكم عن الزيارة الرسوليّة التى، وبمساعدة الله، قمت بها خلال الأيام الماضية إلى مصر. لقد زرت ذلك البلد بعد دعوة رباعيّة: من رئيس الجمهوريّة، من قداسة البطريرك القبطى الأرثوذكسى وإمام الأزهر والبطريرك القبطى الكاثوليكى. أشكر كل فرد منهم على الاستقبال الحار الذى قدّموه لي؛ وأشكر الشعب المصرى بأسره على المشاركة والعاطفة اللتين عشت من خلالهما هذه الزيارة كخليفة بطرس. وقد تمكّنا، بنعمة الله، من أن نعطى علامة قويّة للشراكة مع أخى العزيز البابا تواضروس الثانى بطريرك الأقباط الأرثوذكس، إذ جددنا الالتزام، من خلال توقيع إعلان مشترك، لنسير معًا ونسعى كى لا نعيد منح سرّ المعموديّة الممنوح فى كلتا الكنيستين». • معدة من قبل من ناحية أخرى كشف الأنبا إبراهيم إسحاق بطريرك الكنيسة الكاثوليكية تفاصيل وثيقة عدم إعادة المعمودية الموقعة من الباباوين (فرنسيس الأول-بابا الفاتيكان، ونظيره تواضروس الثاني- بابا الإسكندرية) بالمقر البابوى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لافتًا إلى أنها معدة منذ فترة طويلة، قبل سنوات من زيارة بابا الفاتيكان للقاهرة. وقال: إن الوثيقة المشتركة جاءت على خلفية عمل لجان الحوار المنعقدة بعضوية أساقفة الكنيستين، معرجًا على أنها لم تأت مصادفة، لكنها صدمت البعض، نظير اختلاف الأهواء، والأفهام. وأضاف أن الوثيقة - المختلف عليها حاليًا بعد بيان صادر عن الكنيسة الأرثوذكسية ينفى اتفاق عدم إعادة المعمودية - تعد محاولة لتقريب الفوارق الموجودة بين الكنيستين، واصفًا مضمونها بأنه بسيط وواضح، غير أن مرور وقت طويل على صياغتها، أحدث مخاوف لدى البعض من التقارب. وأشار إسحاق إلى أن تغيير النص فى بيان الكنيسة الأرثوذكسية يعد محاولة لامتصاص الخوف، والقلق. وأردف قائلًا: (هناك أناس يصلون من أجل الوحدة، وهناك أيضًا مصالح، وتدخلات، والأشخاص مختلفون). ونفى بطريرك الكاثوليك غضبه من نفى «الأرثوذكسية» لاتفاق عدم إعادة المعمودية، مؤكدًا أن الخلاف بين الكنيستين ليس عميقًا كما يصوره البعض، كما أنه ليس منطقيًا صياغة بيان كهذا دون توصيات من لجان الحوار. ولفت إسحاق إلى أن التقارب الكنسى لا يعنى فرض الاعتراف بالعقائد، وإنما يتلخص فى التوافق على أصول الأشياء ذاتها، والالتقاء على ما يجمع، ولايفرق. من ناحية أخرى، قال الأب رفيق جريش- المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية: إن الوثيقة التاريخية التى وقَّعها البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، والبابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، خطوة مهمة فى سبيل الوحدة بين الكنيستين والاعتراف بالمعمودية الواحدة لكل منهما، وهى سر التأسيس فى المسيحية، كما أنه وفقا للوثيقة يمكن للأرثوذكسى أن يتزوج من كاثوليكية، دون أن يضطر أحدهما لتغيير ملته والعماد مرة أخرى.•