عندما تمتزج الأسطورة بالسياسة والمجتمع فى عمل واحد، لابد أن نتوقف عندها قليلا ونتريث، ثم نسأل أنفسنا: هل من الممكن أن تعبر الأساطير التى طالما اقترن اسمها بالعالم الخيالي؛ عن الواقع والعالم الحقيقى الذى يعج بالقضايا السياسية سواء أكانت حرية، عدالة، ثورة وسلام، أو العالم نفسه الذى ينشغل بقضايا اجتماعية طوال الوقت؟! كتبت - والإجابة: نعم، من الممكن أن يحدث ذلك، وهذا ما حققه د.تامر فايز - مدرس الأدب الحديث المقارن بكلية الآداب، جامعة القاهرة فى كتابه «الأسطورة فى المسرح المصرى المعاصر»، الذى جمع فيه بين الروحية والواقعية. يعنى هذا الكتاب بدراسة الأسطورة فى المسرح المصرى المعاصر فى الفترة من سنة (1971 - 2005) بما فى هذه الفترة من قضايا سياسية واجتماعية، وقد تناول العمل مجموعة من الأعمال المسرحية يرى د.تامر فايز أن مبدعيها استمدوا عناصر مسرحياتهم من ينابيع أسطورية أصيلة، تتراوح بين الأساطير المصرية والأساطير الغربية، ولاسيما اليونانية، وهى بترتيب ظهورها الزمنى: العائد، الفارس والأسيرة لفوزى فهمى، الناس فى طيبة - عبد العزيز حمودة.. حورس والصمت - أوديب والقربان المقدس عصام عبدالعزيز، طريق الخلاص - حسن سعد السيد، المجد من العار - جورجى كامل، قبل صدور الحكم - سامح عبدالرءوف. والحقيقة أنه بالنظر إلى ماهية هذه الأعمال المسرحية نجد أن الكاتب قد اختارهم لأسس مشتركة، أولا: إن هذه الأعمال جميعها تستلهم الأسطورة بشكل يقترب من المباشرة، ثانيا: جميعها مسرحيات نثرية مكتوبة بالفصحى، ثالثا: اشتراك هذه المسرحيات فى عدم وفرة الدراسات العلمية التى تناولتها من قبل، رابعا: تعتبر هذه المسرحيات من النصوص الطويلة، خامسا: استخدام الأسطورة قناعا لمناقشة قضايا سياسية واجتماعية مشتركة كقضايا الحكم، والحرية والعدالة والثورة والسلام، وأيضا الحب والموت. يحتوى كتاب «الأسطورة فى المسرح المصرى المعاصر» على بابين يسبقهما تقديم نقدى للعالم الجليل - شيخ النقاد: أ.د أحمد شمس الدين الحجاجى، فيكون هذا التقديم بمثابة تذكرة مرور، وختم لنجاح هذا الكتاب المهم، وشهادة حق لاجتهاد الكاتب. يتناول الباب الأول ثلاثة فصول تناقش مصادر الأسطورة، فنجد أن الفصل الأول يتحدث عن المصادر الفرعونية - أسطورة إيزيس وأزوريس، الفصل الثانى: يتناول المصادر اليونانية للأسطورة، والثالث عن أساطير طروادة. ويتناول الكتاب فى بابه الثانى الوظيفة والموقف داخل هذه المسرحيات، فنجد فصله الأول يتحدث عن القضايا السياسية، التى تمثلت فى الحكم، العدالة، الحرية، الثورة، والسلام، وذلك عبر الكشف عن طرق وأساليب كل مسرحية فى مناقشة هذه القضايا، مع إبراز موقف كل كاتب من القضية التى يناقشها فى مسرحيته. ويتحدث الفصل الثانى عن القضايا الاجتماعية المهمة، وتحديدا: الحب والموت، حيث كان لهما دور بارز فى إظهار رؤية كل كاتب داخل عمله المسرحى، وموقفه من الحب أو الموت عبر عدة أشكال للحب، هى: الحب الأسرى (المشروع)، الحب المدنس (غير المشروع)، وحب الوطن. كما ظهر موقف الكتاب من عدة أشكال للموت هى: الموت القسرى عبر القتل أو الانتحار، وبعث الموتى، وهى الفكرة التى تميزت بها تلك المسرحيات دون غيرها. الحقيقة أن الكاتب وفق فى دراسته إلى حد جعل الأسطورة قناعا وستارا لمناقشة قضايا سياسية واجتماعية فى غاية الأهمية ارتبطت بهذه الفترة الزمنية، كما أنه نجح فى تطوير المفهوم الشائع للأسطورة عند البعض، فضلا عن قيامه بمجهود جلى فى البحث عن مصادر الأسطورة المتنوعة، فلم يكتف بالأساطير الفرعونية فقط، بل اهتم بالبحث عن المصادر الأخرى كالأساطير اليونانية، وأساطير طروادة مما أثرى الدراسة بمعلومات جديدة وزوايا مختلفة ارتكز إليها المؤلف تؤهل هذا العمل؛ ليكون وجبة معلوماتية نقدية جديرة بالقراءة والاهتمام. نجح الكاتب أيضا فى ربط الإبداع المسرحى بالمواقف السياسية، حيث إن حركة المسرح على علاقة وثيقة بالحركة السياسية طوال الوقت، ولم يكتف بذلك بل أدرك بحسه النقدى أن للمسرح وظيفة اجتماعية مهمة للغاية، مما يجعلنا أمام جيل جديد من الكتاب والنقاد الشباب الذين لا يعيشون فى برجهم العاجى، بل يعيشون بين أفراد المجتمع، ويعكسون ما يعانونه من مشكلات سياسية، وما يحتاجون إليه من متطلبات مجتمعية، ويرصدون ذلك من خلال الأدب وأشكاله المختلفة.•