أزمة كبيرة تلوح فى الأفق ظهرت بوادرها بعد قرار وزير الزراعة د.عصام فايد، بنقل رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعى من منصبه، وتعيين رئيس البحوث بمعهد بحوث أمراض النباتات بمركز البحوث الزراعية خلفا له، ما أدى إلى إشاعة الفوضى فى أسواق الحبوب مع انسحاب التجار من المناقصات، خشية أن يتم رفض قبول السفن المحملة بشحنات القمح فى الموانئ المصرية. وفى الداخل، أثارت الخطوة ذاتها هلعًا على الصحة العامة من فطر «الأرجوت» الذى يتكاثر بصورة طبيعية وربما يصبح ساما عند استهلاكه بكميات كبيرة على فترات طويلة. وقد وصل مخزون الغلال بميناء الإسكندرية إلى 958 ألف طن، بينها 328 ألف طن قمح بعد وصول 4 سفن من: روسيا، وأوكرانيا، ورومانيا، واليونان تحمل 193 ألف طن ذرة، وقمح، وفول صويا. وكشف مصدر بالحجر الزراعى بالإسكندرية، عن وجود شحنة قمح مستوردة 24 ألف طن، قادمة من أوكرانيا وموجودة بالموانئ، مصابة بفطر «الأرجوت»، وأنه قد تم فحص الشحنة، والتأكد من إصابتها، إلا أن صاحب الشحنة تظلم، ويقوم معهد أمراض النبات بوزارة الزراعة، بإعادة فحص عينات الشحنة للتأكد من إصابتها أو من عدمها. فى الوقت الذى تشير التقديرات إلى ارتفاع قيمة استهلاك المواطن المصرى من القمح إلى 180 كجم سنويا بالمقارنة ب90 كجم فى الدول الأخرى المتقدمة والنامية.. كما يعد الخبز أساسيًا لحياة المصريين وكان أحد المطالب التى نادى بها ثوار 25يناير 2011. • بمواصفات عالمية مسئولو التموين يرون أن المواصفات القياسية العالمية تنص على أن الحد المقبول للموافقة على تداول القمح هو 0.05% بينما اشترط الحجر الزراعى أن تكون نسبة الأرجوت أصفر استنادا على مواصفة قياسية كانت موجودة سنة 2001 وهذه المواصفات تحدث كل 5 سنوات من قبل لجنة سلامة الغذاء، وإن لم يكن هناك أى جديد فى التشريعات يتم إقرارها مرة أخرى فى ما يسمى ببرنامج تحديث المواصفات، والمواصفة المعمول بها حاليا هى مواصفة عام 2010 وهى التى تقول: إن الحد المسموح به هو 0.05% وهنا لا يجوز العمل بالتشريع القديم فى ظل تحديث المواصفات عالميا.. وأشار بعض الخبراء إلى أن هناك «مافيا» تسيطر على استيراد القمح وتمثل جماعات ضغط كبيرة على الحكومة لتمرير شحنات القمح المستوردة للسوق. وكل ذلك يؤكد الحكمة الشهيرة: من لا يملك قوته لا يملك حريته، فتراب مصر يمكن أن يتحول إلى ذهب إذا نجحنا فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من منتجاتنا الزراعية وانطلقنا نحو التصدير. • ماهو الأرجوت فما هو «الأرجوت».. وما تأثيره على الإنسان والحيوان والنبات؟.. وأسئلة أخرى عديدة حول هذه القضية، نجيب عليها فى السطور التالية. بداية قالت سامية محمود، موظفة: أخشى أن أطعم أولادنا الصغار الخبز، وذلك بعد تداول معلومات تقول إن ما تبيعه المخابز الحكومية ربما يسبب الأمراض كالفشل الكلوى والإجهاض والسرطان وغير ذلك.. ونحن ننتظر تأكيدات قاطعة من الحكومة أنها لن تسمح بدخول القمح المسرطن إلى البلاد، واستخدامه فى تلك المخابز. واشترك معها فى تلك المخاوف عدد كبير من المواطنين، لوجود قوانين غامضة ومتناقضة تم تمريرها فى ال15 عاما الماضية التى تحدد مستويات التلوث الفطرى المسموح بها فى واردات القمح. وقال الدكتور نادر نور الدين، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة: القمح الفرنسى تم استثناؤه منذ عدة أشهر من نسبة الرطوبة فى مواصفات استيراد القمح لمصر ويتم رفع نسبة الرطوبة المسموح بها إلى 14% بدلا من 13% فى المواصفات المعتمدة السابقة. وزيادة نسبة الرطوبة فى القمح المستورد تعنى سرعة تلفه وتعطنه والسماح بنمو فطريات سموم الأفلاتوكسين (27 فطرا) وإفرازاتها السامة والمسرطنة، ويدفع الشعب المصرى الثمن من صحته، ثم تأتى مواصفات القمح الفرنسى الدلوعة ومحاولات منحه الاستثناء الثانى من المواصفات الموضوعة والراسخة فى هيئة السلع التموينة بأن يكون تركيز الحبوب المصابة بفطر الأرجوت 0% لأن مجموعة فطريات سموم الأرجوت غير موجودة فى مصر، وقوانين التجارة العالمية تمنحنا الحق فى الحفاظ على البيئة الزراعية المصرية من دخول أمراض جديدة وغريبة عليها، وبالتالى من حقنا أن نضع مواصفات القمح التى تتناسب مع بيئتنا وحماية منتجنا الوطنى مثلما تضع دول الاتحاد الأوروبى المواصفات الخاصة بسلامة الغذاء وتطبقها على الحاصلات المصرية التى نصدرها إليهم ويتم رفض البطاطس والبصل والخضروات المصرية لعدم مطابقتها للمواصفات القياسية الأوروبية وليست العالمية ولا المصرية. وأضاف «نورالدين»، الواضح أن مصر تتعرض لمؤامر كبيرة لإدخال القمح المصاب بالأرجوت إليها وإبادة أقماحنا المصرية الفاخرة، والمؤامرة الأجنبية لا بد أن يكون لها عملاء فى الداخل من أصحاب الصوت العالى يصرخون ويهددون ويملأون الإعلام بالأكاذيب بالعقاب الأوروبى والدولى ورفع قضايا تعويض على مصر، وجميعها كاذبة لبث الذعر فى قلوب المسئولين المصريين اعتمادا على قلة من يقرأ ومن يعلم فى مصر، ثم تكون النتيجة إدخال القمح الفرنسى الموبوء وليذهب القمح المصرى إلى الجحيم. • مضاعفات سموم الأرجوت وأشار إلى أن الذين يهددون بعقوبات من دول الاتحاد الأوروبى على مصر بسبب رفض القمح الفرنسى لا يعلمون أنه لا توجد دول فى أوروبا تصدر القمح بكميات ملموسة سوى فرنسا وحدها وأن دول الاتحاد الأوروبى مجتمعة (27 دولة) هى خامس أكبر مستورد عالمى للقمح فى قائمة الدول العشر الكبرى الأكثر استيرادا للقمح التى تتربع مصر على قمتها والسؤال المطروح على تجارنا الذين يشتغلون مسئولينا، طالما أنكم تقولون إن نسبة الأرجوت 0.05% هى نسب عالمية متعارف عليها، وطالما أن دول الاتحاد الأوروبى التى تقترب من مليار نسمة تستورد 5 ملايين طن من القمح سنويا، فلماذا لا تشترى دول الاتحاد الأوروبى هذا القمح الفرنسى بالأرجوت لتساعد إحدى دولهم بدلا من أن تطلب من مصر شراء القمح إجبارا؟! وإدخال فطر غير متواجد على أراضينا بحجة المواصفات الأوروبية التى ليس لنا بها شأن وما يلزمنا هو المواصفات المصرية مثلما يلزمهم المواصفات الأوروبية التى يطبقونها علينا عند تصديرنا خضروات وفاكهة والتى أوقفوها منذ حادثة الحلبة المنبتة فى يولية 2010 ولم تحتج مصر ولم تهدد بقوانين التجارة العالمية ولم ترفع قضايا ولا تشكو للأمم المتحدة كما يروج تجارنا الشرفاء للقمح الفرنسى المرفوض ويطلبون تحكيما دوليا وتعويضات بعد أن هانت عليهم مصرهم من أجل الأرباح ومن أجل محاباة الاتحاد الأوروبى!! وأوضح، أن الاتحاد الأوروبى أيضا اعتمد فى تقدير النسبة المسموح بها من سموم الأرجوت على أن استهلاكه السنوى منخفض ولا يزيد على 60 كجم للفرد سنويا بينما يستهلك المواطن فى مصر ثلاثة أضعاف هذا الرقم بمعدل 182 كجم للفرد فى السنة بسبب الفقر وانخفاض الدخول فى مصر وبالتالى سوف تظهر عليه مضاعفات سموم الأرجوت بثلاثة أضعاف المواطن الأوروبى ومنها الغرغرينا وبتر الأطراف للقدمين والساقين بسبب قصور الدورة الدموية الطرفية وسموم الجهاز العصبى والدورى والأخراجى والهضمى. • عدم استيراده يجنبنا مخاطره وقال الدكتور سعيد سليمان، أستاذ الوراثة بجامعة الزقازيق: الأرجوت فطر يصيب القمح ويجعل حبوبه أكبر وحدث له تحور وراثى مؤخراً بما جعله مثل حجم حبوب القمح السليمة بما يصعب اكتشافه، وهو سام جداً ولو زادت عن حد معين ستصبح كارثة، والأخطر هو أن ينقل إلى القمح فى مصر، ولو انتقلت جرثومة واحدة للمزارع والحقول ستسبب خسائر فادحة، ولا يمكن أن نضمن انتقالها للمزارع حتى لو دخل مصر للطحن لأن بعض المزارعين يزرعون قمحاً من الشونة إذا كانت التقاوى ناقصة، وهنا سينتقل الفطر بالتأكيد حتى لو كانت النسبة ضعيفة جداً. والأفضل منع أى مستوى ضار فهو ليس ضامنا لتجنب هذا المستوى والنسبة بطريقة أو بأخرى، ويجب البحث عن أى مصادر أخرى للقمح خالية من أى نسب من الفطر أو الكائنات الضارة، وليس لدينا الإمكانات التى نقوم بعمل تجارب، على مخاطر النسب الصغيرة من الفطر، والأمثل أن نتجنب استيراد قمح به هذه النسب. أضاف «سليمان»: استيراد القمح تختص به وزاراتى التموين والزراعة وكل منهما تتملص من المسئولية وتلقيها على الأخرى، لأن الفطر ضار جداً بصحة الإنسان، إضافة إلى أنه يسبب السرطان، وعندما يتم طحنه ثم عجنه وخبزه سيأكله الشعب المصرى دون أن نعرفه أو نميزه، وأرى أن هناك مصالح متداخلة مع مافيا المستوردين لمنع الاكتفاء الذاتى من الإنتاج المحلى. وبعض كبار المستوردين يمارسون تلاعبا بالمسئولين من خلال تدوين عبارة قمح «فرز أول» رغم أنه فى الحقيقة يعتبر درجته شديدة التدنى ومن أسوأ وأرخص أنواع القمح، ولا يصلح حتى للحيوانات، وذلك بحثا عن الكسب والربح وأوضح أن بعض المستوردين يستعينون بمراكب نقل متهالكة بها ثقوب وتتعرض للمياه فى الرحلة، ويتم اكتشاف قمح متعفن وشديد السمية حين وصوله إلى مصر. والسماح بدخول قمح مصاب بفطر الأرجوت بنسبة 0.05 % غير مضمون العواقب، خاصة مع طرق النقل البدائية مثل السكك الحديدية التى تخترق القطاع الريفى بطول مصر، ويجب أن تكون النسبة صفراً % حتى لا تتعرض المحاصيل مثل القمح والشعير للدمار. وأضاف: خرج علينا وزير التموين مرة أخرى بقرار عجيب يصب فى مصلحة التجار والمستوردين الذين اعتادوا التربح من أموال الدولة.. فتعاقدت الوزارة على استيراد 60 ألف طن قمح من فرنسا بسعر 190 دولاراً للطن (1800 جنيه) فى ظل أزمة الدولار الطاحنة وسيتم توريده بداية من 25 أبريل لمدة 10 أيام فى ذروة توريد القمح المصرى!! وهو ما يترتب عليه إدخال هذا القمح إلى الشون بواسطة بعض الفاسدين بوزارتى التموين والزراعة على أنه قمح مصرى بسعر 420 جنيها للأردب أى 2800 جنيه للطن، بفارق حوالى 1000 جنيه للطن بما يعادل 60 مليون جنيه تخسرها الدولة فى هذه الصفقة فقط!! وتأتى هذه الصفقة بالرغم من مطالبتنا بإعادة القرار الذى كان ينص على غلق الموانئ فى وجه استيراد القمح فى الفترة من 15 إبريل إلى 15 يونيو «فترة توريد القمح المصرى» منعا للتربح والتلاعب.. فلماذا نستورد الآن بالتحديد فى حين أن القمح المصرى يكفى الاستهلاك حتى نهاية العام؟! وطالب سليمان، بتدعيم الفلاح المصرى بشكل كاف لتنمية زراعة القمح، لتحقيق الاكتفاء الذاتى، مؤكداً أن الدول المحترمة، تعطى الفلاح ما يجزى الزراعة الأخرى ويطالبونه بزراعة القمح، ولو أعطينا المزارع المصرى سعراً أعلى من الذى نستورده فهو الأفضل. • فطر قاتل وقال الدكتور حامد عيد، أستاذ أمراض النبات بمركز البحوث الزراعية: الفطر أول الأمراض الحجرية بالجدول رقم 1 للقمح والشعير والذرة والأكثر خطراً وخطورة طبقا لتشريعات الحجر الزراعى رقم 3007 التى تمنع دخولها البلاد. وبدراسة دورة حياة الفطر تأكد أن دخول الأجسام الحجرية للفطر شديد الخطورة على أقماحنا المصرية وكذلك الشعير والذرة الشامية والذرة الرفيعة وبعض الحشائش النجيلية. أضاف «عيد»، أن البلاد المصدرة للقمح يمكنها عدم استخدام الملوث منه كغذاء أو علف للحيوان وبالتالى تستهلك السليم تماما وكذلك استهلاكهم للخبز أقل بكثير لاعتمادهم على البطاطس، بينما اعتمادنا الأكبر على الخبز فى وجباتنا اليومية وبنسبة كبيرة لفرق الظروف الاقتصادية.. والدول الأوروبية تعتمد على البطاطس فى غذائها منذ اكتشافها لفطر الارجوت وخطورته. وأوضح أن خطورة فطر «الأرجوت»، نظراً لقدرته على إصابة الإنسان والماشية معا، حال تناول حبوب مصابة بالفطر، أو بعد طحنها إلى دقيق وإنتاج الخبز منها. وتراكم نسبة بسيطة من القمح الملوث بالفطر بداخل الجسم يؤدى لإصابة خطيرة بعد فترة طويلة، واستهلاكه يصيب الإنسان بالأرجوتيزم حتى تصل الإصابة إلى الغرغرينا يليها تعفن وسقوط الأطراف ثم الموت فى الحالات الخطيرة، ويصاحبها أعراض تسمم مثل تنميل أطراف الأصابع خصوصاً القدم وهذيان واختناق ويسبب حالات تسمم خطيرة تبدأ بظهور الخلل العصبى والارتجاف والهزة والتشنجات للعضلات.. ويزيد من فرص حدوث الإجهاض عند المرأة الحامل، ويجعل أمراض القلب أكثر سوءاً، ويحتوى على مركبات كيميائية تزيد من فرص الإصابة بأمراض الكبد التى تجعله يتكون فى الجسم ويتراكم وهذا يؤدى إلى حالات التسمم. كذلك يصيب الحيوانات التى تتغذى عليه بعديد من الأعراض منها جفاف الضرع وعد إضرار اللبن وتساقط أجزاء من الأذن والذيل والموت فى الإصابة الشديدة. وأكد عيد حواش، المتحدث الإعلامى باسم وزارة الزراعة، أن الحجر الزراعى قام برفض شحنتين فقط بسبب فطر الأرجوت إحداهها كندية بحمولة 8 آلاف طن والشحنة الفرنسية بحمولة 64 ألف طن خلال الفترة الماضية وأضاف «حواش» إن وزارة الزراعة مصرة على تطبيق المعايير الدولية فيما يتعلق بفطر الأرجوت وهى ألا تتخطى نسبة الإصابة ب0.05 % فقط، وذلك للحفاظ على صحة المواطنين.•