تأتى مشكلة الزيادة السكانية فى مصر على رأس المشكلات الاجتماعية التى تواجه المصريين، لما لها من آثار سلبية تواجه الدولة حاليا بسبب ارتباطها الشديد بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة، ولما لها من تأثير على جهود المجتمع فى مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بعد أن أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وصول تعداد السكان بمصر رسميا إلى 90 مليون نسمة، بمعدل نمو يعتبر أكبر منه فى الدول المتقدمة بخمسة أضعاف. كما أعلن الجهاز فى التقرير الصادر عنه أن معدل الزيادة الطبيعية تطور خلال الفترة ما بين (2000 2014)، لترتفع إلى 2.52، بعد أن بلغت عام 2000 نسبة 2.11، وأن محافظة القاهرة هى أكثر المحافظات المصرية فى معدلات الزيادة بنسبة بلغت 10.6، وبعدد سكان 9.5 مليون نسمة، تليها محافظة الجيزة بتعداد 7.8 مليون نسمة، ثم محافظة الشرقية بتعداد 6.6 مليون نسمة، والدقهلية 6 ملايين و98 ألفا، وتأتى محافظة الإسكندرية فى المركز الثامن لتصل إلى 4 ملايين و936 ألفا، وفى المركز العاشر سوهاج 4 ملايين و704 آلاف نسمة، وأسوان تحتل المركز السابع عشر بمليون و465 ألفا، وبورسعيد فى المركز الحادى والعشرين وتصل إلى 684 ألف نسمة، وشمال سيناء فى المركز الرابع والعشرين ويصل تعداد السكان إلى 444 ألف نسمة، والبحر الأحمر 354 ألفا، تليها محافظة الوادى الجديد ب230 ألف نسمة، وتأتى جنوبسيناء فى المركز السابع والعشرين ب 173 ألف نسمة، وتعد أقل المحافظات سكانا ويبلغ عدد سكانها نحو 173 ألف نسمة، وكان عدد السكان قد بلغ 89 مليون نسمة فى شهر يونيو الماضى، وهو ما يعنى أن زيادة المليون الأخيرة قد تمت فى نحو 6 أشهر، وحسب المعدلات الجديدة فإن مصر تستقبل مولودا جديدا كل 15 ثانية، أى أربعة مواليد فى الدقيقة الواحدة. وبعد أن أعلن المركزى للمحاسبات ذلك الرقم الخطير، تعالت الأصوات مرددة أن الزيادة السكانية قضية تهدد الأمن القومى تسببت العادات والتقاليد الخاطئة فى وجودها، خاصة فى الريف المصرى، حيث «يلح» أهل الزوجين عليهما مطالبين بسرعة الإنجاب عقب الزواج مباشرة دون تأنٍ. وهو ما يجعلنا نتساءل عن أسباب هذه الزيادة؟ وهل تعد عائقا أمام عملية التنمية فى بلد نام كمصر؟ أم فرصة لتحسين الأحوال؟ وما هو الحل للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة. • الفقر والجهل وعن أسباب تلك الزيادة تقول د.هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، إن مشكلة الزيادة السكانية بلا حل منذ أكثر من 30 عاما، وذلك ناجم عن الصدام بين الرؤية الرسمية للدولة والرؤية الشعبية للناس، لأن النسبة الفقيرة للشعب هى الأكثر إنجابا من غيرها، نظرا لاستخدامهم للأولاد كأدوات إنتاج ومصدر للرزق، ذلك بالإضافة إلى مشكلة الزواج المبكر. أما بالنسبة للطبقات المتعلمة، فهم يتبعون طرق تحديد النسل ليكونوا قادرين على رعاية أبنائهم بطريقة مناسبة، فهم على عكس الفئة الأولى، يعتبرون الأولاد مصدرا للاستهلاك وليس للإنتاج.. كما أضافت زكريا إن حل مشكلة الزيادة السكانية يأتى فى الأساس من خلال زيادة نسبة التعليم والالتحاق بالمدارس فى القرى، التى تساعد فى التقليل من ظاهرة الزواج المبكر، فتقل حينها سنوات الخصوبة لدى المرأة. • تدهور العلاقات فى سياق متصل، قالت الدكتورة سامية الساعاتى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: الزيادة السكانية فى مصر تؤثر بشكل كبير على المصريين فى أفعالهم وأعمالهم ومزاجهم أيضا، ورغم أننا فى الوقت الحالى لم نصل إلى 100 مليون نسمة، لكن لدينا الكثير من الجرائم، وأيضا نقع فى ترتيب الدول النامية، ومن كبرى الدول التى بها نسبة مواطنين ممن هم تحت خط الفقر، فضلا عن البطالة والأزمات الاقتصادية. وأوضحت أن مزاج الشعب المصرى تغير تماما فى السنوات الأخيرة بعد الزيادة السكانية المهولة، مستدلة على الأمر بوجود أزمات وحوادث كبيرة وانتشار السرقة والبلطجة، وأيضا انتشار الرشاوى وغياب الضمير حتى فى حب الوطن، ما يؤدى إلى تدهور فى العلاقات ما بين المصريين وبعضهم البعض، وعدم تقبلهم الأوضاع الحالية وانتشار البطالة. وأكدت أستاذ علم الاجتماع، أن تأثير الزيادة السكانية يظهر فى عبء الإعانة والضغط على الأراضى الزراعية والهجرة الداخلية، وتضخم المدن والاستهلاك والادخار والاستثمار وقلة فرص العمل، موضحة أنه للتغلب على المشكلة يجب العمل على تنظيم الأسرة والتنمية الاقتصادية. • الجوع المائي أما الدكتور عدلى أنيس، أستاذ الجغرافيا البشرية بكلية الآداب جامعة القاهرة، فيرى أن وصول المصريين الى 90 مليون نسمة أمر يستلزم استحداث طرق جديدة لتوفير وتأمين الغذاء لهذا العدد الهائل من السكان، وأضاف قائلا: يمكن مواجهة هذا الأمر عن طريق التوسع الرأسى والأفقى فى الأراضى الزراعية، ومنها استصلاح 4.5 مليون فدان، بجانب التوقف عن الاعتداء على الأراضى القديمة الخصبة التى تكونت من السهل الفيضى لنهر النيل، ومع اتباع الرش بالتنقيط بدلا من الرى بالغمر. وتابع أستاذ الجغرافيا البشرية قائلا إن مصر دخلت مرحلة الجوع المائى بعد بدء إثيويبا فى بناء سد النهضة، ولابد من مواجهة التفتت فى المساحات الزراعية ومواجهة تغليب محاصيل التصدير على المحاصيل الإستراتيجية؛ لعدم دعم الحكومة للمزارعين بما ترتب عليه أننا نستورد أكثر من 60% من غذائنا خاصة من القمح الذى من المتوقع أن ترتفع نسبة الواردات من 15 مليونا إلى 18 مليونا، خلال 3 سنوات مقبلة لمواجهة الزيادة السكانية، بجانب التخطيط لمواجهة ما شاب الهرم السكانى من تشوهات فى المواجهة بالتوسع فى المشروعات القومية الكبرى للخروج من الوادى الضيق مثل الساحل الشمالى الغربى المخطط له أن يستوعب من 30 إلى 40 مليون نسمة خلال 20 عاما. • تفكيك المركزية ومن جانبه قال أيمن الجندى مدير عام الاتحاد العربى لتنمية الموارد البشرية، إن معدل النمو السكانى فى مصر خمسة أضعاف معدل النمو فى الدول المتقدمة، و6 أضعاف معدل النمو فى الصين، مضيفا إذا كان معدل النمو السكانى فى مصر 2.7% وفى الصين أقل من 0.6% فإن ذلك يتطلب حراكاً مؤسسياً للوقوف فى وجه الزيادة التى تلتهم ناتج التنمية. وطالب الجندى بتفكيك مركزية المدن والحضر والإسراع فى فتح مجتمعات جديدة متكاملة يشترك فى إنشائها القطاع الخاص حتى يتم استيعاب هذه الزيادة، خاصة أن الدولة غير قادرة حاليا على توفير الخدمات والرعاية الكاملة لتلك الأعداد، وفى النهاية طالب الإعلام بالقيام بدوره فى توعية وتحذير الناس من ناتج هذه السياسة السكانية الخطيرة. • فرصة للإصلاح ومن الناحية الاقتصادية يرى الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادى، أن وصول سكان مصر إلى 90 مليون نسمة عبء كبير على الدولة، والاقتصاد المصرى خاصة مع الحالة الاقتصادية السيئة التى تمر بها البلاد، وقال عبده إن هذه النسبة تزايدت بشكل كبير عن عام 2000 ب30 مليون نسمة؛ بسبب عدم وضع الآليات والسياسات الاقتصادية المالية والنقدية للقضاء على الفساد والبيروقراطية الموجودة فى المجتمع. وأكد عبده أن نسبة السكان بالصين تقترب من هذه النسبة، بل وتزيد عليها، ولكنها قامت بتوظيف الطاقات لتحويل المستهلكين إلى منتجين والاستفادة منهم، وهذا لم يحدث فى مصر، مؤكدا أن الزيادة السكانية فى مصر من الممكن استغلالها لتكون فرصة أمام الحكومة فى إصلاح الاقتصاد، وتحسين الأحوال المعيشية، ولكن بالقضاء على المشكلات التى تواجه الاقتصاد والقضاء على البيروقراطية فى شتى مؤسسات الدولة. وأشار عبده إلى غياب دور وزارة الصحة والسكان، وحملات تنظيم الأسرة، والدعوة إلى تحديد النسل داخل المجتمع، موضحا أن حملات تنظيم الأسرة كانت متواجدة فى الزمن القديم ولم ترتفع النسبة بهذا الشكل، لأنها كانت حملات توعوية فى المقام الأول، كما تم تقديمها بصورة تتناسب مع واقع المجتمع، مشددا على أهمية الدور التى تقوم به هذه الحملات وضرورة عودتها من جديد.•