مئات المصانع سُجلت أسماؤها فى مركز تحديث الصناعة من أجل الحصول على مساعدة سواء فى حل أزماتها مع البنوك أو توفير العملة الصعبة أو تراكم الديون عليها، ولكن لم يتحرك أحد على أرض الواقع من أجل حل هذه الأزمات.. ولمصلحة من يجرى تدمير الصناعة المصرية؟ وسجل مركز تحديث الصناعة أسماء 871 مصنعا بأنها بحاجة إلى مساعدة بعد أن توقفوا أو تعثروا، ولكن هناك الكثير من المصانع لم تسجل أسماءها خشية تعرضها لإجراءات شديدة من البنوك إذا ما علمت أنهم متعثرون أو يئسوا من حل أزماتهم المتفاقمة. وتضاربت الأرقام حول العدد الحقيقى للمنشآت الصناعية المغلقة فوفقا لرقم صادر من مصلحة الضرائب بأن هناك 4600 حالة توقف عن العمل فيما رأت بعض الجمعيات التى تراقب أداء المصانع فى المناطق الصناعية فقد وصل العدد إلى سبعة آلاف مصنع متوقفة ومتعثرة. وكان طبيعيا أن ترتفع نسبة البطالة إلى 12.9% بناء على رقم صادر من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يؤكد استمرار مردود تعثر المنشآت الصناعية على فرص العمل. • متعثرون لا يحبذ الكثير من المتعثرين الإفصاح عن هويتهم ومدى التراجع المستمر فى معدلات التشغيل لديهم خاصة أن البنوك عادة ما تضع قائمة سوداء بأسماء المتعثرين والمتوقفين حتى يجرى الامتناع عن التعامل معهم. من جهته قال يحيى زنانيرى عضو شعبة الملابس الجاهزة: لا يمكن بأى حال من الأحوال أن أفصح عن أسماء العاملين فى المجال الذين تعثروا أو توقفوا خشية على سمعتهم المالية.. وعن نفسى فأنا أعمل ب30% من الطاقة الإنتاجية، ومع ذلك لم أستغن عن 70% من العاملين. وأضاف زنانيرى: أن الكساد فى موسم الشتاء سيدفع الكثير من العاملين فى المجال لغلق مصانعهم والانضمام إلى قائمة المصانع المغلقة نظرا لأن حركة البيع لم تتجاوز 20 % من المعروض وهو ما يهدد بنشوب أزمة كبيرة لأصحاب المصانع. وأكد سمير علام، نائب رئيس شعبة وسائل النقل أن هناك شركة تعمل فى المجال استطاعت تخفيض نصف عمالتها بسبب عدم وجود عملة صعبة للتعاقد على مستلزمات الإنتاج، وجرى تسريح نصف العمال تقريبا. وأضاف علام أنه من غير المعقول ألا يجد مصنع عملة صعبة من أجل استيراد مستلزمات الإنتاج الخاصة به لاسيما أن هذه المصانع تساعد على تشغيل الكثير من أصحاب الصناعات الصغيرة فى مجال الشاكمانات والزجاج والكراسى، وللأسف فكل هذه الصناعات توقفت وحتى عدد من أصحاب المناصب الكبرى فى الشركة تركوها بسبب ركود خطوط الإنتاج.. واستكمل علام حديثه بأن شركات السيارات الكبرى قد تحتمل الأزمات التى تتعرض لها ولكن أغلب المشاكل تتعرض لها المصانع الصغيرة التى لا يمكنها تحملها لفترات طويلة مما يساهم فى خسائر فادحة لهذه المنشآت. وأكد مجدى شاهين صاحب مصنع «أنكل أميركا» والمتخصص فى إنتاج اللحوم أن مصنعه متوقف منذ سنوات وأنه بحاجة إلى مساعدة من الحكومة من أجل عودة العمالة إليه وتنشيط خطوط الإنتاج، ولكن لم يجر حل الأزمة حتى الآن. أما مجدى البدوى، نائب رئيس اتحاد عمال مصر فأكد أن مصانع القطاع الخاص بعضها يعانى فى الفترة الأخيرة ونفس الأمر بالنسبة للكثير من الشركات التى كانت رائدة فى القطاع العام وتعمل فى المجال الصناعى ومنها شركة الحديد والصلب التى كان يعمل فيها 42 ألف عامل وحاليا يعمل فيها تسعة آلاف عامل تقريبا ومع نهاية العام سيخرج 1250 عاملا للمعاش المبكر كذلك فإن شركة مصر حلون للغزل والنسيج كان يعمل فيها 27 ألف عامل والآن 3200 عامل فقط وسيخرج منها للمعاش المبكر.. وللأسف فإن أزمة القطاع العام ستنضم إلى القطاع الخاص فى معاناة الصناعة فى الوقت الذى لا يوجد فيه أى حصر دقيق للمنشآت الصناعية المتوقفة أو المتعثرة أو التى تعمل بجزء بسيط من طاقتها. وأضاف البدوى أن حكومة المهندس إبراهيم محلب وعدت بحل الكثير من الأزمات المتعلقة بالمنشآت الصناعية، ولكن ذلك لم يحدث لتظل الصناعة تعانى حتى الآن ونأمل حل الأزمة. • تغيير السياسات أكد محمد البهى نائب عضو المكتب التنفيذى لاتحاد الصناعات أنه عمل لفترة طويلة على ملف المصانع المغلقة والمتعثرة وأنه لكى يجرى حل الأزمة يجب تغيير السياسات المتبعة من الحكومة خاصة ما يتعلق بالتعامل مع البنوك. وأضاف البهى أن أصحاب المصانع الذين يحصلون على قروض لا يمكن لهم أن يتركوا المنشأة ويرحلون وأن البنوك تضمن بأى حال من الأحوال الحصول على أموالها لذا فهناك ضرورة مهمة للتعامل مع الأمر بمرونة خاصة أن الجميع يتعرض للضرر كلما توقف المصنع. وأوضح البهى أنه كلما مر الوقت والمصانع المتوقفة لا تعمل فإن الآلات والمعدات تفقد الكثير من قيمتها وسط المنافسة القوية من المنتجات الخارجية والتقدم التكنولوجى الذى يطرأ على المجال الصناعى كل يوم. وكشف البهى خلال حديثه لصباح الخير بأن عدد المصانع المتوقفة بناء على إحصاء من الجمعيات العاملة فى المناطق الصناعية زاد على سبعة آلاف مصنع، وأن الأرقام التى جرى الإعلان عنها من جانب مركز تحديث الصناعة هى بناء على من تقدم فقط واعترف أنه متعثر ولكن الحقيقة تؤكد أن الكثير من المصانع تخشى أن يتخذ ضدها إجراءات من البنوك. وقال البهى إنه أحيانا يملك بعض رجال الأعمال أكثر من مصنع وإذا ما تعرض إحدها لمشاكل فإنه يفضل الصمت وإغلاق منشأته عن إعلان تعثره لأنه بذلك يضر بقية المنشآت الصناعية التى تعمل بنجاح، وفى النهاية يكون العمال والإنتاج هم الضحايا. وأضاف البهى أن المصانع قائمة على الأرض ويمكنها أن تعمل من الغد بشرط ضخ سيولة فيها وهى قادرة على توفير 2.5 مليون فرصة عمل فى لحظات بشرط الاهتمام بهذه المصانع لاسيما أنه كلما تأخرت مساعدة هذه المصانع فإنها تتعرض لخسائر بشأن تهالك الآلات والمعدات بداخلها. واستكمل البهى حديثه بأنه على اتصال بطبيب يملك مصنعا للغزل والنسيج وتعثر فى الفترة الأخيرة وعجز عن سداد ما عليه وقام العمال برفع دعوى قضائية عليه وحصلوا على أحكام نهائية وجرى بيع الآلات أمام عينه وهناك آلة يتجاوز سعرها مليونى جنيه جرى بيعها بأقل من 10 % من قيمتها من أجل سداد الديون وكل ذلك بسبب تعثره وعدم القدرة على العمل. واختتم البهى حديثه بالتشديد على أن البنوك يجب أن تحل أزمة أصحاب المصانع ولن يحدث ذلك إلا من خلال إرادة قوية تجبرهم على السير فى هذا الاتجاه خاصة أن المصارف تلجأ إلى سندات الخزانة وقروض السيارات لتحقيق أرباح ثابتة دون مخاطرة فى الوقت الذى يجرى الإعلان فيه عن توفر السيولة الكبيرة لديهم خاصة أن الكثير من رجال الأعمال العرب الذين يرغبون فى ضخ استثمارات فى مصر حين يعلمون عن حجم السيولة المرتفعة فى البنوك يندهشون من عزوف البنوك عن مد يد العون لرجال الأعمال. • تفعيل التنسيق أكد الدكتور فخرى الفقى أستاذ الاقتصاد ومساعد المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى السابق أن المصانع المتوقفة والمتعثرة تمثل أزمة على الدولة السعى بكل قوة لحلها من أجل زيادة مؤشرات الإنتاج وخفض معدلات البطالة. وأوضح الفقى أنه فى الفترة الماضية كان هناك تنسيق غائب بين المجموعة الاقتصادية خاصة فيما يتعلق بالسياسات المالية والنقدية، ولكن مع إدراك أهمية التنسيق بشأن حل الأزمات الصناعية فإنه من المتوقع إيجاد صيغة تفاهم لحل الأزمات. وأضاف الفقى إنه إذا ما أردنا حل المشكلة فإن الوقت سيستغرق على الأقل ستة أشهر بشرط أن تبدأ الآن فى بحث عدد المصانع المغلقة والأسباب التى أدت إلى تعثرها. وقال الفقى إن أسباب تعثر المصانع كثيرة منها ما يتعلق بعدم توفر الطاقة أو توفير العملة الصعبة أو المشاكل بين أصحاب المصانع والبنوك بشأن جدولة القروض التى حصلوا عليها أو أزمات فى التسويق لذا فإنه يجب فصل كل هذه المشاكل والبحث عن حلول لها من أجل العمل على رفع معدلات التشغيل والقضاء على البطالة.•