الصدفة وحدها قادتنى للتعرف على هذا المصطلح من خلال حوار جمعنى بأحد الاصدقاء يعانى ابنه من ال ADHD، وللأمانة فقد تصورت أنه مجرد اضطراب فى السلوك أو شىء من هذا القبيل، ولم يدر بخلدى أن هناك شعرة تفصل بين العبقرية والإجرام ليتحول إلى مواطن جاهز للتشكيل وتحت الطلب لمن يستفيد به. السطور المقبلة تحاول التعرف على هذه الطاقة المفرطة والحركة الزائدة التى تحتاج إلى الكثير من العناية والتأهيل لعلها تكون ضوءاً مسلطاً على حالات لايزال التخبط فى تشخيصها واعتبارها تخلفاً عقلياً سمة أساسية فى بلادنا. مصطلح ADHD - وهو اختصار ل Attention Defict Hyperactivity Disorder ويعنى فرط الحركة وتشتت الانتباه .. وهو لا يعتبر نوعاً من (التوحد) ولكنه يعد حالة من ضمن حالاته ومن المحتمل تواجد هذا العرض عند ذوى التوحد ولكنه ليس بالضرورة مشكلة سلوكية. ولل ADHD عدة أعراض أبرزها زيادة مفرطة فى الحركة، قلة فى التركيز، ضعف فى الذاكرة، ضعف التحصيل الدراسى وصعوبات فى التعلم، إضافة إلى حالة من الإلهاء الشديد بالأشياء مهما صغر حجمها، كذلك فإن هناك صعوبات فى التواصل الاجتماعى والاندماج مع الآخرين، كما أن هناك مشكلة فى التركيز. وتكتشف حالات هذا المرض - إذا جاز لنا أن نطلق عليه مرضا - منذ الطفولة وتحديداً عند سن سنتين، ومن سماته تأخر الكلام، حتى إن المعالجين اعتقدوا لفترة طويلة أنه مجرد تأخر فى الكلام ولكنه ثبت عملياً أن طفل ال ADHD لديه ذكاء يتجاوز 80% ونسبة معاناته من (التوحد) حوالى 20%، والأغرب أن جلسات تعديل السلوك وتنمية المهارات والتخاطب لم تستمر لفترة طويلة - كما توقع المعالجون - بل على العكس كان الطفل متجاوباً جداً وانعكس ذلك على سلوكه الخارجى. • تجربة علاج فى الإمارات التقيت أحد المصريين الذى يعانى ابنه من ال ADHD وهو مقيم حالياً بدولة الإمارات العربية المتحدة، فكانت فرصة للمعرفة من خلال تجربة حية واقعية. • متى اكتشفت أعراض هذا المرض على ابنك؟ - عند دخوله المدرسة ورفضه دخول الفصل وقيامه بضرب إحدى المدرسات، وفى المدرسة اعتبروا حالته نوعا من التوحد، لكنه ثبت أنه يعانى من ADHD ، يعنى فرط حركة ونقص انتباه. • ماذا كان التشخيص المبدئى لهذا المرض؟ - الطبيب شخص حالته فورا- وهو طبيب أطفال - عندما وجد الولد عصبيا ولا يريد الدخول عنده ولا يتجاوب معه نهائيا، حيث قام بصرف دواء له اسمه (ستراتيرا)، وكان سعره غاليا جدا فى الإمارات بينما سعره فى مصر أقل بكثير، ولكنه بالنسبة لمستوى الدخل المصرى يعتبر دواء غاليا جدا، وعندما جربناه معه لم يحقق نتيجة، ثم قرأت بعد ذلك أن المرض متعلق بقشرة المخ الأمامية cortex وأنها غير كاملة النمو عند الأطفال المصابين به، وعندما يكتمل نموها مع ضبط جهازه العصبى فإن الحالة من الممكن أن تنتهى تماماً، كما عرفت أن هذه الحالة من الممكن أن تكون وراثية. • ما خطة الطبيب المعالج للتعامل مع الحالة؟ - يحتاج المرض لعلاج سلوكى ودوائى وغذائى وبدنى.. بمعنى خطة متكاملة كل عناصرها مهمة. • هل من شرح مبسط لبعض التفاصيل الخاصة بالعلاج؟ - من جهة السلوك لابد من جلسات تعديل سلوك خاصة فى البيت بحيث يتعود على قبول الأوامر وطاعتها وعلى الشغل وعدم التهرب منه، ولابد أن يتعود على فهم رد فعل الآخرين بشكل جيد وعدم مهاجمتهم أو النفور منهم، كما يحتاج لنشاط رياضى لعمل صداقات وتحقيق إنجاز ويفضل السباحة، فالنشاط الرياضى يساعده على النوم الجيد لأنه يستنفد طاقته فلا يرهق أهله، كما يساعد على بناء جسمه، ومن جهة الغذاء يجب التقليل جدا من السكريات والملونات ومنع الكافيين وزيادة الخضار وتقليل اللبن لأنه يقلل التركيز، ويفضل الابتعاد عن اللحوم الحمراء لتقليل العصبية، وهو أمر صعب جدا لأن الطفل لا يقبل أغلب هذه الحاجات، أما من جهة الأدوية فهو يحتاج لما يرفع درجة تركيزه وتقلل نشاطه فى نفس الوقت، وهى تختلف حسب الحالة. • فى أى مرحلة الآن من العلاج؟ وماهى المراحل التى ستليها؟ - أعتقد أنه الآن أفضل كثيراً وبيدخل فصله ومتفوق فى المدرسة وبيتعامل مع الناس بصورة أفضل، والمراحل التالية تعتمد على ما يحدث عند اكتمال جهازه العصبى وهى أمور تأتى مع الوقت، فإذا اكتمل جهازه العصبى بشكل طبيعى فمن الممكن أن نستغنى عن الأدوية ونكتفى بنظام غذائى وسلوكى سليم، وإذا لم يكتمل بشكل طبيعى فإن الاعتماد سيكون على الأدوية التى تتغير حسب السن والحالة. • هل التعافى من المرض يعنى الاستفادة من قدرات الطفل لصالح مستقبله أم مجرد تقليل النشاط الزائد لحد معين؟ - العلاج هدفه أساسا تخفيف أثر المرض، والتعافى منه دون اكتمال نمو الجهاز العصبى قد يكون مستحيلاً، لكن باكتمال الجهاز العصبى سيتعافى الطفل ويكون طبيعياً كأقرانه، أما إذا ظل لديه أثر من المرض بعد اكتمال جهازه العصبى فإن ذلك يعنى التأخر فى حياته، وإذا لم تكن هناك متابعة فالثابت حدوث مشاكل له قد تصل للإدمان أو الإجرام! • كيف تتعامل المؤسسات التعليمية والاجتماعية مع طفل هذا المرض؟ وما هو المفترض اتباعه - وفقاً للطبيب - فى تعامل المجتمع بكل مؤسساته مع هذا النوع من المرض النفسى العصبى؟ - من المفترض وجود مدارس تضم أناسا دارسين لهذا الموضوع ومدربة على اكتشافه واستيعابه مثلما حدث مع ابنى فى المدرسة، ولابد من دمج الطفل فى المدرسة إذا كانت حالته تسمح بذلك لأن ذلك يساعد فى علاجه ويجعله يقترب جدا من الشخص الطبيعى، والأفضل عملياً يبقى لابد إعداد مدارس خاصة تستوعب هذة الحالات، مع وجود مجتمع هادىء ومنظم يراعى احتياجات الطفل والأم حتى لا تتدهور الحالة. • ما الفرق بين العلاج فى مصر والإمارات من وجهة نظرك، ولماذا؟ - فى مصر لم أتعامل مع الحالة بنفسى، لكن لى صديق ابنه يعانى أعراض شبيهة بحالة ابنى وتم تشخيصها فى مصر على أنها (تخلف عقلى) وأن الولد (عبيط) وغير قابل للعلاج الدوائى، أما فى الإمارات فإن ابنى يعالج مجانا بأدوية حديثة وبإشراف طبيب كبير وبياخد جلسات علاج سلوكى مجانية، لكن عموما المدارس والمجتمع فى منطقتنا العربية غير مؤهلين بالشكل الكافى لخدمة الطفل المريض بفرط الحركة ونقص الانتباه، حتى فى المناهج الدراسية لا تجد سيرة المرض النفسى تقريبا فلا يوجد وعى، فقد سمعت لأول مرة عن هذا (المرض) عندما اكتشفت إصابة ابنى به. • عدم وعى ثم حدثتنى إحدى المعالجات عن حالة الطفل (أدهم أشرف) الذى لم يكن يظهر أى نوع من السلوك السيىء وكان الأمر لايحتاج أكثر من جلسات لتعديل سلوكه وأدائه من خلال نظام أكاديمى محترف وهو ما حدث فعلاً وتجاوب الطفل بنسبة لابأس بها، إلا أنه كان هناك تهاون من جانب معلمى المدرسة فى شق القراءة مما جعل الطفل يتحول إلى (ذوى الاحتياجات الخاصة) نتيجة عدم وعى القائمين على العملية التعليمية ودمج الطفل فى هذا المجتمع المدرسى. والآن فإن (أدهم) فى مرحلة الاحتياج للتخاطب لأن كلامه غير سليم بنسبة 100% ويحتاج لتنمية مهاراته وتأهيله من جديد ، وربما لو أحسن التعامل معه من البداية مع وجود وعى وإدراك لطبيعة هذا (المرض) لكان الأمر تغير واختلف الحال كثيراً، وهذا لا ينفى دور الوالدين فى إدراك مميزات ومواهب كل طفل وأيضاً فإن المعالج الناجح هو الذى يستطيع استخراج كل ما فى جعبة الطفل من مخزون المواهب وتوجيهها لما فيه خدمة المجتمع لأنه لايوجد ما يعوق هؤلاء الأطفال عن الانطلاق والإبداع ومن المهم جداً الوقوف على هذا (المرض) فى وقت مبكر بوضع برنامج لتنمية مهاراتهم التى يفتقدها الكثيرون من الأسوياء وهو أمر يحتاج لإمكانيات مادية كبيرة. وقد أوضحت لى إحدى المعالجات «إننا فى مصر لانزال نتعامل بجهل شديد مع هذة الحالات، لأن هؤلاء الأطفال لديهم طاقات غير محدودة، وإذا تم استغلال هذه الطاقات بشكل صحيح فسوف نخلق جيلاً من الأسوياء يستفيد منه المجتمع والدولة ككل، فهم يتميزون بالجدية عن الأسوياء والالتزام الشديد والصبر». وأضافت: «من الممكن استغلال هذه الطاقات بالعمل الجاد والصبر والمثابرة فى تعليم هؤلاء الأطفال مهارات كالاستقلالية فى القرار والمهارات المعرفية والمهنية والاجتماعية وهى أمور تحدث فى التأهيل المهنى، فيتم مساعدة هؤلاء الأطفال على تعلم هذة المهارات ليصبحوا قادرين على تحمل مسئولية أنفسهم لتحويلهم من عبء ثقيل إلى عنصر فعال فى المجتمع، فياليت ننظر الى هذة الطاقات لاكتشافها ثم استغلالها الاستغلال الأمثل حتى لا نندم على ضياع هذه الطاقات على المجتمع». وأخيراً فللدكتور وليد سرحان.. مستشار الطب النفسى ورئيس تحرير المجلة العربية للطب النفسى، مقال طويل يشرح فيه طبيعة ال ADHD يقول فيه «إن الأب والأم العرب لديهم اهتمام بقراءة النشرات و«الكتالوجات» لأى جهاز هاتف أو كمبيوتر يشتريه، ويقرؤه بعنايه ويبحث عنه عبر الإنترنت، ولكن نادرا ما يقرأ كتابا عن تطور الطفل والمراهق والأساليب الصحيحة للتعامل مع مشاكلهم، بل ويدّعى الكثير من الناس أن أسلوبهم التربوى هو الأسلوب الحديث لأنه يختلف عن أسلوب آبائهم، وليس بالضرورة أن يكون أسلوب الآباء خطأ، كما لا بد من وضوح الأساليب التربوية، إذ إن المدارس فى العالم العربى عموما مهتمة بالتحصيل الأكاديمى أكثر بكثير من التربية والسلوك والتفكير والانضباط وغيرها من أساسيات الفرد المتوازن الناجح فى حياته، وهذا أمر يجب الانتباه إليه وتغييره بحيث تركز المدرسة على جوانب تطور الطفل وشخصيته كافة. •