زياد ابن ال 8 سنوات كثير الحركة، تشتكي منه والدته باستمرار، فهو يرمي كل ما يقع عليه نظره من أغراض ويحطم الألعاب. ويبدأ بلعبة ما ثم يتوقف ليبدأ بأخرى، ومتى وجهت إليه ملاحظة لا ينصاع لها، ولا يصغي لما تقوله. وتخبرنا قصتها قائلةً: "بدأت أقلق أكثر عندما اتصلوا بي من مدرسته وطلبوا لقائي حيث عبروا عن انزعاج الأساتذة والتلامذة في الصف من تصرفات زياد. أخذته عند طبيب صحة عامة وأخبرته عن حاله، وما لبث أن طلب مني زيارة اختصاصي نفسي لعلاج زياد. وبعد جلسات عدَّة أخبرني المعالج النفسي أنَّ ابني يعاني من ال ADHD". حال زياد قد تتشابه مع حالات أطفال آخرين، ومن دون أن يدرك أهلهم أنهم يعانون من الADHD؟ ما هي أسبابه وعوارضه؟ وهل من علاج؟
ADHD...قلة انتباه وحركة مفرطة
تعرِّف المعالجة النفسية رنا حداد الADHD أو ما يعرف بال(Attention deficit Hyper activity disorder)، بأنه "اضطراب سلوكي عصبي. يتميَّز بخاصتين هما قلّة الانتباه والنشاط المفرط. ويمكن تشخيصه عادةً في عمر ال 6 سنوات، على الرغم من أنه يبدأ عند الطفل منذ ولادته. إلا أنَّ عوارضه تبرز بشكل واضح مع دخول الطفل إلى المدرسة تزامناً مع فترة نموه. ولكن قد يظن الأهل أنَّ طفلهم ذا الحركة الزائدة يعاني من ال ADHD، وقد لا يكون كذلك. لذا، كي تعرف الأم ما إذا كانت حركة طفلها طبيعية أو مرضية، عليها بمراقبة تصرفاته حيث تكثر حركته بشكل مفرط".
أنواع ال ADHD!
تلفت حداد إلى أنَّ ال ADHD يقسم إلى 3 أنواع: الأول هو قلة الانتباه واضطراب التركيز (Forme initiative) وهي منتشرة بنسبة أكبر لدى الفتيات، الثاني هو كثرة الحركة (hyperactive impulsive) يرتبط بكثرة الحركة والاندفاع، وينتشر بنسبة أكبر لدى الفتيان، والثالث يتمثل في الاثنين معاً أي قلة الانتباه وكثرة الحركة ويعرف بال(Inactive impulsive) ما يشكل حالاً مرضية يصعب التعامل معها.
العوامل المساهمة في نشوئه
وتتابع حداد أنه "مع دخول الطفل إلى المدرسة تعلو صرخة الأساتذة لانتقاد تصرفاته المزعجة. وتتبلور عوارض ال ADHD من خلال التصرفات التي يقوم بها الطفل في المدرسة، ما يجعل الأهل والأساتذة يدركون أن الطفل يعاني من اضطراب. وتبرز عوارض هذا الاضطراب من خلال فرط في حركة الطفل يرافقه صعوبة في الانتباه وكثرة الارتباك، فيغدو الطفل متنقلاً من نشاط إلى نشاط في اليوم الواحد لأنه يملُّ بسرعة. أما عوامل الإصابة فهي متنوعة، منها: العامل الأول هو العصبية الحيوية (neurologique)، ففي الدماغ منطقة مسؤولة عن الانتباه والتنظيم، والسيطرة وضبط الحركة، وفي حال الإصابة، تعمل هذه المنطقة بطريقة غير سليمة وغير اعتيادية، يرافقها عدم التوازن في عدد الناقل الحيوي العصبي. أما العامل الثاني، فهو وراثي أي إن نسبة 25٪ من الأهالي الذين يعانون من ال ADHD سينقلون المرض إلى أحد أطفالهم. لكن، اللافت أنه لا ينتقل إلى كل أطفال العائلة الواحدة. والعامل الثالث مرتبط بفترة الحمل، في حال كانت الأم تعاني من التوتر، أو التسمم، أو السكري، أو الإدمان على المخدرات، أو من مشاكل قد تتعرض لها خلال الولادة، ومنها نقص الأوكسيجين في الرحم قد يساهم في وجود ال ADHD. والعامل الرابع، هو العامل النفسي - الاجتماعي، الذي تعود أسبابه إلى القلق والتوتر جراء المشاكل العائلية ما يؤثر في تصرفات الطفل خصوصاً إن لم تعطه والدته العاطفة التي يحتاج إليها. لذا، فالطفل المصاب يحتاج إلى إشراف على الصعيد الطبي والنفسي والتربوي والعاطفي.
كيف تعرفين أنه يعاني من ال ADHD؟
تلفت حداد إلى أنَّ "تشخيص الإصابة بال ADHD يتمُّ بعد مراقبة حركة الطفل خلال 6 أشهر متتالية، فإذا كانت هذه الحركة تصاعدية قد يكون ذلك أحد المؤشرات، ثم يجب الانتباه إلى تركيزه فإن بدا متدنياً من الممكن القول حينها أنَّ هذ الاضطراب موجود لديه، فقلة التركيز تؤثر في تحصيله الأكاديمي وتؤدي إلى تأخر مدرسي. ولكن يمكن الأهل وخصوصاً الأم مراقبة بعض التصرفات التي قد تؤكد لها شكَّها. فمن يعاني من ال ADHD: - يكون لديه صعوبة في الجلوس لوقت طويل في مكان واحد. - يعتدي على الآخرين بالضرب، ويتشابك مع أقرانه لأنه كثير الحركة. - لا يطيع الأوامر ويتخطى الحدود. - لا قدرة لديه على التعلم جيداً، والربط بين الأفكار. - يعاني من مشكلات في النوم. - لا ينتبه للتفاصيل، ويعاني من النسيان. - يكون مندفعاً ولا صبر لديه، وحركته مفرطة. - لا يخاف من الأماكن العالية بل يخاطر بحياته ويقف على ارتفاعات شاهقة. - لا يَتعَب، بل يُتعب من حوله من أهل وأقارب وأصدقاء لفرط حركته. - يجلس لساعات طوال أمام التلفاز أو الكمبيوتر لأنها أشياء غير فعالة أي passive. - يصعب عليه الاندماج داخل مجموعة أو المشاركة في النشاطات الجماعية".
نصائح للأهل
يحاول الأهل أحياناً بحسب المعالجة النفسية رنا حداد تأنيب الطفل ومعاقبته فيشعر برفض الآخرين، وتضعف ثقته بنفسه أمام أهله وفي المدرسة خصوصاً عندما يعاني من قلة تركيز ما يؤثر في تحصيله العلمي، ما يدفع به إلى الجنوح نحو الاكتئاب. ويميل إلى الإدمان مستقبلاً على الكحول والمخدرات بشكل أكثر من غيره. فلكل هذه الأسباب، على الأهل تقبّل الطفل وتفهمه، ومنحه الشعور بالتقدير، والسماح له بإخراج طاقته المفرطة من خلال اللعب معه، وإعادته للمنزل للقراءة وسماع الموسيقى. فهذا ضروري للطفل، ويشعره بالأمان، ومن الضروري أن تكون الأمور واضحة لديه عبر تحديد المسموح والممنوع، من خلال استخدام جمل قصيرة واضحة. ويجب كذلك على الأهل عدم الصراخ في وجه الطفل، بل وضعه في غرفته ريثما يهدأ هو ويهدأ من يتعامل معه أو المحيطون به. ويفضَّل التكلّم معه أو مع الآخرين أمامه، عن حسناته وليس عن سيئاته مع تقدير الجهود التي يبذلها، والأهم من كل ما سبق ذكره هو عدم المقارنة بتاتاً بينه وبين أشقائه.
العلاج النفسي
قد يلجأ الأهل إلى العلاج النفسي حين يواجه الطفل مشاكل، مثل الفشل في المدرسة والتعرض للاستهزاء من أصدقائه، وتالياً يكون العلاج النفسي ضرورياً. ويتمثل بالعلاج السلوكي المعرفي حيث نعمل على تغيير السلوك بحد ذاته. أما الثاني فهو العلاج النفسي البسيكو- ديناميكي الهادف إلى معالجة الطفل بشكل عام، وليس فقط سلوكه، إضافة إلى علاجات أخرى تتمثل في جلسات لإعادة التأهيل النفسي الحركي، التي تساهم في العلاج. وتشير حداد إلى أنَّ "الدواء أساسي ومن دونه لا يكتمل العلاج. إلاَّ أنَّه لا يعالج الاضطراب بل عوارضه. كما أنَّ المصاب بال ADHD تبرز لديه مشاكل في النطق (Dyslexia) إلى جانب مشاكل تعليمية. بالتالي، فهو بحاجة إلى علاج للنطق وعلاج انشغالي بحيث تكون لديه صعوبة في الربط بين صورة جسمه في رأسه أي (ال champ corporel لا يصل للرأس). من هنا، ينصح بالتواصل مع المدرسة والأساتذة إذ إنَّ تصرفات وردود أفعال المعلمة مع الطفل الذي يعاني من ال ADHD، تمثِّل نموذجاً لأقرانه. إذاً، فهو يحتاج إلى متابعة المعالج النفسي والأساتذة، التي يرافقها تحفيز وتشجيع، وتكليفه القيام بمهام ما تشعره بأنه مسؤول ولديه قدرات، إضافة إلى عدم الإضاءة على النقاط السلبية الكامنة في تصرفاته. ولا بدَّ من الإشارة أخيراً إلى أنه إذا لم تتم متابعة الطفل منذ الصغر، سيعاني بوصوله إلى مرحلة النضج من مشاكل اجتماعية وزوجية، ومشاكل في العمل وفي علاقته مع الآخر".