بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد النصر بالعريش    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين بمُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة Thinqi    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    رئيس قناة السويس: ندرس تنفيذ مشروع للتحول لمركز إقليمي لتوزيع قطع الغيار وتقديم خدمات الإصلاح والصيانة السريعة    حماية العمالة غير المنتظمة.. "العمل": آلاف فرص العمل ل"الشباب السيناوي"    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    بالفيديو والصور- ردم حمام سباحة مخالف والتحفظ على مواد البناء في الإسكندرية    الاتصالات الفلسطينية: عودة خدمات الإنترنت بمناطق وسط وجنوب قطاع غزة    معلق مباراة الأهلي ومازيمبي في دوري أبطال أفريقيا    فانتازي يلا كورة.. جدول مباريات الجولة 35 "المزدوجة"    مصرع شخص في حادث تصادم ببني سويف    انتداب الطب الشرعي لمعاينة جثث 4 أشخاص قتلوا على يد مسجل خطر في أسيوط    25 مليونًا في يوم واحد.. سقوط تجار العُملة في قبضة الداخلية    "المكون الثقافي وتأثيره في السياسات الخارجية المصرية" ندوة بمكتبة الإسكندرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا    خبير دولي: مصر رفضت مخطط التهجير الخبيث منذ اليوم الأول للعدوان على غزة    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    أسعار البيض والدواجن اليوم الجمعة.. البلدي ب 117 جنيهًا    المندوه: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة دريمز    تواجد مصطفى محمد| تشكيل نانت المتوقع أمام مونبلييه في الدوري الفرنسي    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    11 مساء ومد ساعة بالإجازات.. اعرف المواعيد الصيفية لغلق المحلات اليوم    كاتب صحفي: الدولة المصرية غيرت شكل الحياة في سيناء بالكامل    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    وزير الخارجية الأمريكي يلتقي مع الرئيس الصيني في بكين    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    شاهد البوسترات الدعائية لفيلم السرب قبل طرحه في السينمات (صور)    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    احتجت على سياسة بايدن.. أسباب استقالة هالة غريط المتحدثة العربية باسم البيت الأبيض    موضوع خطبة الجمعة اليوم: تطبيقات حسن الخلق    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    الصحة: إجراء الفحص الطبي ل مليون و688 ألف شاب وفتاة ضمن مبادرة «فحص المقبلين على الزواج»    تنظيم قافلة طبية مجانية ضمن «حياة كريمة» في بسيون بالغربية    طريقة عمل هريسة الشطة بمكونات بسيطة.. مش هتشتريها تاني    نائب وزير خارجية اليونان يزور تركيا اليوم    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء الأسنان بالشرقية    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبع جنات الحلقة 16
نشر في صباح الخير يوم 28 - 07 - 2015

«سلطان» فى الغيبوبة، لكنه لأول مرة يحس بما يدور حوله.. وبالتطورات المهمة التى تحدث فى البلد.. والحراك السياسى الذى تعيشه مصر، هل سيكون لى شرف المشاركة فيه؟!
«هدى» و«جنات» و«أمير» يناقشون سفرى للعلاج فى لندن.. ويتوصلون إلى بعض الحلول.
أما الدكتور «مجد» فيزور «سلطان» ويقول له إن مشكلتك سببها تداخل عواطفك الشخصية مع عواطفك نحو مصر.. وإنك فى غيبوبة وهى أيضا!.. حدث انسداد فى مسارات الطاقة.. والعلاج هو فتحها، تحريك طاقة الأمة.. إطلاق روح مصر لتخرج من قوقعة الغيبوبة.
34
«هدى»
لم يخطر بخيالى أبدا أن يحدث ما حدث طوال يوم أمس..
استطعت بمساعدة «جنّات» و«ماشالله» أن نحقّق المعجزة الصغرى، اجتمعنا جميعا نحن «حريم سلطان».. فى وقت واحد ومكان واحد.. عندى فى الزمالك!
تصوّر؟!
كان لابد من تحرّك سريع لجمع المليون جنيه، ووضع الترتيبات كلها، حتى تسافر بأسرع ما يمكن إلى لندن للعلاج.. لنحقق المعجزة الكبرى، خروجك من الغيبوبة وعودتك لنا.
قلت إن الحلّ هو أن نجتمع كلّنا ونعتبر أنفسنا فى حالة طوارئ..
واستجابت كل الموجودات فى مصر، لأن «لحظة» كانت فى «برلين» مع معرض جديد لأعمالها الفنية.. جاءت «راجية» أولا.. ولم نكن قد تعارفنا أو تقابلنا، فقط نسمع عن بعضنا بعضا، وأقرأ لها كثيرا كتاباتها المتميزة فى «الوعد»... لاحظت انبهارها بالفيللا.. واهتمامها بالتجوّل فيها لمشاهدة اللوحات.. لوحاتك التى رسمتها لى، وغيرها.
وحضرت «جنّات» بعد نصف ساعة تقريبا، وقالت إنها تمكّنت من الاعتذار عن عدم القيام بإحدى المهام الروتينية، وانتدبت لذلك أحد مساعديها.
وروت لنا- «راجية» وأنا- ذكرياتها مع الفيللا!.. قالت إنها من سنين طويلة، كانت تأتى إلى الزمالك، وتحوم حول هذه الفيللا «فيللا فخرى» وهى فى حال من الحقد والاضطراب العاطفى والنفسى، وكادت أكثر من مرة، تهاجمنا - أنا وانت يا «سلطان»- وتقتحم علينا المكان، لأنك كنت تأتى وتبقى هنا أوقاتا طويلة لترسم لى البورتريه..
واتجهت فورا نحو الصالون الرئيسى عندما علمت أن اللوحة التى رسمتها لى وقتها، معلّقة هناك.. وتركناها وبقينا فى غرفة المعيشة الرئيسية .. اخترتها لتكون مكان اللقاء، بعيدا عن الجناح الشرقى، والسفرة، وجناح الضيوف، وغرف النوم، وطبعا بعيدا عن غرفتى المفضّلة التى أسمّيها، بينى وبينك، «استراحة العاشقين» وهى - كما تعلم أنت وحدك- مرتع لقاءاتنا الدافئة المثيرة.
مضت دقائق قليلة سمعنا بعدها صوت الجرس، وجاءت «ماشالله».. والغريب أنها لم تكن مبهورة بالمكان!.. أدهشنى ذلك، وضايقنى لدرجة ما..
ولاحظت أنها أيضا اهتمّت بمشاهدة لوحاتك المعلّقة على جدران الفيللا.. وقالت بسعادة غامرة إنها كانت الموديل لكل هذه اللوحات.. وعديد غيرها. ودعتنا للمرور عليها لأنها أول أعمال فنان شاب تنبأت هى له بالمستقبل.. وتحقّقت نبوءتها.
وجاءت الدكتورة «سماء».. كنت التقيتها من قبل، والحقيقة أنها لم تدخل قلبى، لا أعرف لماذا بالضبط؟..
عصبيتها؟.. تعاليها؟.. صفاقة حديثها أحيانا؟.. لا أدرى.
لم تسأل عن لوحاتك، ولم تبد أى علامة إعجاب، أو حتى ارتياح للمكان.
كل ما كان يهمها هو أن تتحرّى، بطريقة أو بأخرى، كيف تيسّر لى كل هذا الثراء..
وحاولت أنا تجاوز أسئلتها، بحديث عام، لكنها كانت تراوغنى وتعود لتسأل بدقة، عن عائلتى وثروتى.. ووجدت كلامها عن المال فرصة للدخول فى الموضوع الذى اجتمعنا من أجله.
لكنها غيّرت اتجاه الحديث عندما تساءلت عن سر دعوتى ل«حريم سلطان» فقط؟..
دون حضور «أمير» و«سمير» مثلا؟..
وقالت إن هذا الحفل يذكّرها بمشهد رهيب فى التاريخ المصرى الحديث هو «مذبحة القلعة».. وضحكت بعصبية شديدة، وهى تسألنى:
- إوعى تكونى مدبّرة لنا حاجة زى كده يا «هدى»؟!..
صدمنى كلامها وتلميحاتها القاسية، ولم أعرف ماذا أقول لها عن عدم دعوة «أمير» و«سمير»..
الحقيقة هى أننى لم أفكّر إلا فى ال«سبع جنّات»، ولو أننى تأكدت أنهن ست فقط.. والسابعة فى خيال الفنان «سلطان» أو عقله الباطن!
ربّما كان عقلى الباطن يدبّر لهن فعلا نوعا من أنواع المؤامرة، لا أدرى.
وأنقذتنى «جنّات» فأجابت بدلا منى، قالت:
- كان لازم نتقابل كلّنا من غير لا «سمير» ولا «أمير».. فالموضوع يخصّنا أساسا.. وعموما همّا عارفين المطلوب منهم وبيعملوه، الدور والباقى علينا.
قالت الدكتورة «سماء» كأنما تسدّد لى ضربات تحت الحزام:
- ياريت كمان كان معانا الدكتور «نور» والدكتور «مجد».
قرّرت أن أقطع عليها طريق العكننة، وقلت متضاحكة:
- عموما فى الأحوال دى اللى تحتاج لطوارئ وحركة سريعة، ما يجيبها إلا ستّاتها.. مش كده ولاّ إيه ياجماعة؟
همهمت معظم الموجودات بالتجاوب والتأييد لكلامى.
وقالت «راجية»:
- على فكرة، المجلة من الأسبوع اللى جاى حتنشر بداية حملة الاكتتاب.. واحنا متوقعين تجاوبا كبيرا جدا.
- وهل نشرتم عن تشكيل لجنة لإقامة معرض شامل لأعمال
«سلطان»؟..
- نشرنا لأن «سمير نور» أخو الدكتورة «سماء» فى اللجنة، ويجمع كل لوحاته وكاريكاتيراته لعرضها فيه..
أجابت «راجية».
وسألتنى «ماشالله»:
- واللوحات اللى هنا حتعرضوها كمان؟..
ارتبكت، فأنا أشتريت هذه اللوحات. والبورتريه الذى رسمه لى، لا يمكن عرضه فى مكان عام.. ولا يمكن أن أستغنى عنه!
وجدت «راجية» حلا، وقالت وهى تكاد تقرأ ما يدور بداخلى:
- طبعا الأمر يرجع ل «هدى» بالنسبة لصورتها الخاصة، لكن ممكن اللوحات الأربع تعرض ونكتب عليها أنها مباعة، أو مستعارة مؤقتا وليست للبيع.
- ياريت!
قالتها «ماشالله» بتوسّل من ترغب فى استعادة شبابها الذى كان.
ولم أجد مفرا من الموافقة على فكرة الاستعارة، فليس فى نيتى الاستغناء عن هذه اللوحات أو غيرها من أعمالك التى بحوزتى،
وطبعا لم أكشف لهن، أو لأى أحد فى الدنيا، عن اللوحات التى رسمتها بالألوان المائية فى دفتر اسكتشات كامل أحتفظ به فى مكان أمين، وفيها ترصد مطارحاتنا الغرامية، أنا وأنت، فى «استراحة العاشقين»!
آه.. كم أسعدتنى، وكم أسعدتك يا «سلطان»..
وكم أضيق بغيابك عنى.. لابد من أن نسرع بعلاجك.. مائدة الغداء التى جمعتنا، كسرت كثيرا من الحواجز بيننا.. أطلقت ألسنة كانت معقودة. وحرّكت مشاعر كانت مكبوتة. ووطدت روابط كانت مهزوزة.. ويبدو أن الطعام هو كما يردّد كثير من المفكرين والفلاسفة ورواد الحركات الاجتماعية، مغناطيس إنسانى واجتماعى وروحى بين البشر، فقد أعدت اكتشاف نفسى وأنا أستضيف ال«سبع جنّات»- وربّما كانت «نادرة» كروح، أو فكرة مثالية خيالية، تشاركنا حفلنا- اكتشفت مثلا، أننى قادرة على مواجهة والتعامل مع غريماتى، قادرة على الاعتداد بنفسى وبما أقدمت عليه، قادرة على تفهّم الأخريات، وتقدير أحوال، ومتطلبات، وظروف، وعقلية، وحتى عقد، كل واحدة.
ومع أننا كنا قد تطرقنا لأحاديث حول الطعام والعطور والديكورات والملابس والموضة والزواج والإنجاب وعمل المرأة وصراعها مع الرجل.. وتكلّمنا حتى فى الفن والدراما والسياسة والمال..
فقد وجدنا وقتا كافيا للسمر والغناء والاستماع للموسيقى، والرقص.. حدثتنا «جنّات» مثلا عن أهمية الرقص وتاريخه وكيف أنه سبق ابتكار الإنسان للغة، وكان لغة وحده، وكيف استخدم فى العبادات..
وكيف أصبح لغة العاشقين والعاشقات..
واكتشفنا أن «جنّات» الهادئة الجادة، تتمتع بموهبة لا تنافسها عليها إلا راقصة محترفة.. وقالت لنا ما معناه إن أمها أفهمتها وهى تعدّها للزواج، أن الزوجة الراقصة لزوجها تكسب حبّه على مدى أطول وأقوى من غير الراقصة!
ولم تكن بيننا من تجيد الرقص بعد «جنّات» سوى «ماشالله».. التى قالت لنا إن ابنتها الوحيدة «لحظة» لو لم تكن موديلا ثم تحوّلت فنانة تشكيلية تلقائية مصرية وعالمية، بفضل معاونتك يا «سلطان» لكانت راقصة من الدرجة الأولى.. تصوّر! .. وبالمناسبة لاحظت طوال اليوم، أنه لم تأت إشارة إلى «لحظة» إلاّ من أمها، وأسرّت لى «جنّات» أن «ماشالله» لا تعلم شيئا - فيما يبدو- عن علاقة ابنتها السرّية معك يا «سلطان»!..
وقالت لنا «راجية» إنها كانت تتمنى أن تجد من يعلّمها الرقص الشرقى، لكن دراستها فى المدارس الفرنسية حوّلتها، على غير رغبتها، إلى برجوازية صغيرة، تتقن الرقص الغربى.. واللغات الفرنسية والإنجليزية، وكشفت لنا أنها كانت ستترك الصحافة وتلتحق بالسلك الدبلوماسى. بسببك، لكنك أنت جعلتها تحبّ الصحافة!
أما الدكتورة «سماء» فقد كان الضيق باديا عليها، رغم محاولاتها المحمومة لإخفائه سواء بالضحك الهستيرى، أو بالتعليقات القاسية..
فعندما كنا نرقص، انسحبت مدعيّة أن الرقص يحتاج لمواهب خاصة، لا تتوافر لها.. ربما كانت تقصد المفاتن الجسدية التى تفتقر إليها، أو أنه لا يليق بإنسانة رفيعة الثقافة والتعليم مثلها أن ترقص!.. لا أدرى.. رقصنا وهيّصنا جميعا، ماعداها، حتى «راجية» الكاتبة المتميّزة، التى لاتجيد الرقص، شاركتنا بسعادة.. وتبدّت لنا كشخصية قوية، ومرنة.
ولا أعرف بالطبع ماذا قالت عنى الباقيات، أما أنا فكنت سعيدة بكل هذا الحبّ والاهتمام الحقيقى لك وبك.. وتحدّثنا تليفونيا مع «أمير» عندما كنا نضع اللمسات الأخيرة للتكاليف والتمويل وترتيب الخطوات.
وكان سعيدا بمبادرتى، ثم سألنى سؤالا صعبا:
- لو فكّرنا فى واحدة تيجى معانا لندن، وتراعى «سلطان»، تفتكرى مين الأنسب؟..
قلت له إننى لا أعرف الردّ على هذا السؤال الآن، ووعدته أن أسأل الباقيات، وأردّ عليه فى نهاية سهرتنا، أو فى الصباح.
لم أفكر فى من سيكون مع «سلطان» فى لندن خلال رحلة العلاج. ولمّا تحدّثنا فى الأمر، استبعدنا «ماشالله» طبعا، بسبب اللغة، فهى لا تعرف أى لغة.. وانسحبت الدكتورة «سماء» لأنها لا تستطيع الحصول على إجازة فى وقت قريب، ولا تعرف المدة المتوقعة للعلاج.. و«جنات» لديها المشكلة ذاتها، لا تستطيع الحصول على إجازة..
واقترحت «راجية» التفكير بطريقة مختلفة، قالت لنا:
- ليه مانقسّمش المدة، على فترات، كل واحدة فترة؟..
- فكرة ممتازة، بالشكل ده كل واحدة مننا ممكن تحصل على إجازة أسبوعين ثلاثة..
قلت بارتياح، لأننى أعرف أن كل واحدة منهن تعمل، ولا أريد أن أجد نفسى منفردة بمصاحبتك على غير رغبة الجميع وبحكم الأمر الواقع.
وذكّرتنا «جنّات»:
- لا تنسوا أن «لحظة» تحبّ تشارك فى المهمة دى كرد جميل لمكتشفها وراعيها الفنى.
ردّت الدكتورة «سماء» متسائلة:
- وهى «لحظة» دى تعرف انجليزى؟
أجابتها أمها «ماشالله»:
- تعرف طبعا، ما هى الأيام دى بيعملوا لها معارض فى العالم كله، فاتعلمت إنجليزى، وكل شوية تلاقيها فى بلد أجنبى.. وآهى الأيام دى فى المانيا. دى وعدتنى أنها تاخدنى معاها مرة علشان تورّينى الدنيا.. كنت الوحيدة التى تجمع بين وفرة الوقت وإتقان اللغة.. والوحيدة أيضا التى زارت لندن أكثر من مرة.. قالت «راجية» إنها زارتها مرة واحدة.
ورسى الأمر على أن أكون برفقتك فى الشهر الأول، ثم رتّبنا الفترة التالية ووزعناها بين الباقيات.. وافترضنا أن العلاج - حسب مابلغنا عن تقديرات الخبراء - سيستغرق 3 شهورعلى الأقل.. شهر لى وشهران بين «جنّات» و»راجية» و»سماء» و»لحظة».
وأبلغت «أمير» بهذا.
قبل أن تغادر «ماشالله».. وكانت أول من طلب ذلك، شكرتنى على الضيافة والكرم، وعلى سماحى بعرض اللوحات فى المعرض.. وقالت إنها ربما استطاعت أن تقنع ابنتها بأن تصحبها معها إلى لندن عندما يأتى دورها فى رعايتك.
كنت أنوى أن أستفسر منها عن سرّ عدم انبهارها بالفيللا.. لكن لم أقو على ذلك، فسألت «جنّات».. وكانت مبهورة بفيللتى من أول مافتحت لها الباب، قلت:
- «ماشالله» دى ست طيبة، لكن عاملة زى ماتكون ساكنة فى قصر، وما بانش عليها الإعجاب بالفيللا.
- ما هى فعلا ساكنة فى قصر!.. عمرك زرتى بيتها فى «الغورية»؟
- لأ.. طبعا.
- ساكنة فى قصر قديم من بتوع المماليك، جار عليه الزمن وبقى بيت مسكون بالإيجار، إيجار قديم، وكانت ساكنة أوضه ولا أوضتين منه زمان، دلوقت هى وبنتها ساكنين القصر كلّه، خمس غرف ونافورة فى الوسط ومشربيات ومخزن وجنينة، وحمام تركى، وخان للضيوف عملته «لحظة» اتيليه ترسم فيه، ومعرض دائم للوحاتها وأشغالها الفنية، بتعمل منحوتات شعبية وأشغال خرز وتطريز وحتى طرق على النحاس وفخاريات، وده بيجيب لها دخل معتبر، ودايما عندها ضيوف وسياح ونقاد مصريون وعرب وأجانب.. ومعينة اثنين من خريجى مدارس اللغات يتعاملوا مع الزباين، ويرتبوا لها مواعيد المعارض والسفريات للخارج واتعلمت إنجليزى مخصوص علشان كده، يعنى بقت أبهّة.. كانت «راجية» تنصت لكلام «جنّات» بإعجاب، بينما «سماء» متشاغلة أو مشغولة بالإعجاب السرّى بالفيللا.
علّقت «راجية»:
- معناها أن «لحظة» دى موهوبة كبيرة.. حقنا نزور قصرها ده، أنا بافكّر أكتب عنها وعن موهبتها، سمعت وقريت عنها وشفت صور لبعض أعمالها، وكنت الحقيقة فاكرة، انها خدعة، أو أنها بتقلّد غيرها.. هل زرتيها يا «جنّات»؟
- أكثر من مرة، وهى فنانة تلقائية موهوبة فعلا..
سألت أنا «جنّات»:
- وما حسيتيش بغيرة منها؟..
- غيرة من إيه؟..
- من واحدة من عمرك وبتنافسك على قلب حبيبك، وموهوبة ومشهورة عالميا.
- لو كنت باغير، كنت غرت من الأستاذة «راجية» أكثر.
- اشمعنى؟
- أولا: هى اصغرنا جميعا، ومعاه فى المجلة كل يوم.
ثانيا: بتسافر معاه فى رحلات جوه وبره مصر.. وبعدين كاتبة صاحبة قلم ورأى وفكر، ولها جمهور قراء.. وطبعا مش عايزة أمدح فى جمالها وذوقها والحاجات دى لأنها باينة لنا كلنا.
أثارنى جدا كلام «جنّات».. شعرت بغيرة قوية أعتقد أننى لم أستطع إخفاءها، فظهرت على وجهى.. مع أننى لم أكن أشعر بذلك من قبل طوال اليوم، ووجدت نفسى أردّد:
- وليه مابتحسيش بالغيرة منها؟
- أنا مش داخلة مسابقة جمال ولا مسابقة ذكاء، ولامنافسة على المواهب.. أنا باحبّ «سلطان» وهو بيحبّنى، من غير منافسة ولا مسابقات، ولامواهب.. الحبّ، حسب فهمى له، مالوش منطق، ومالوش حسابات، اللى بيحبّ مابيعاينش البضاعة، ويقرّر يحبّ ولاّ مايحبّش، على حسب المواصفات اللى هو عايزها أو اللى ترضيه، الحبّ مافيهوش بيع وشرا، مش صفقة يعنى، مش مناقصة ولامزايدة، ولاهو مقاولة ولا مصالح ولا حاجة من دى.. الحبّ بيحصل لنا غصب عننا، بنقع فيه، زى المطبات، زى المفاجآت.. زى حاجات كثيرة مالناش فيها يد.. هو إحنا اختارنا أشكالنا ولا حتى أسامينا، ولا أهالينا، ولا.. ولا..
تكلمت الدكتورة «سماء»:
- مشكلة «جنّات» يا جماعة أنها من أتباع الحبر الصوفى الكبير «فريد الأطرش» ومذهبه العريق:
الحبّ من غير أمل، أسمى معانى الغرام!
وضحكت بعصبية ملحوظة. ولم نضحك، لا أنا ولا «راجية» ولا «جنّات» طبعا.
ويبدو أن الطبيعة الصحفية غلبت «راجية» لأنها سألت «سماء» بطريقة مباغتة:
- وانت يادكتورة من أتباع أى مذهب فى الحبّ؟!
ارتبكت، وخلعت النظارة، ثم ردّتها مكانها، ونظرت حولها، وبدأت تكلّم نفسها:
- أنا إيه اللى خلاّنى أفتح بقى واتحمق وأعلّق على تخاريف «جنونتى» دلوقت.. ماهى عارفة رأيى فى مذهبها.. دلوقت لازم ألاقى جواب للسؤال الصحفى ده.. اتكلمى بقى يا «سمسم» ماتروحيش فى الدهولة بتاعتك كل مرة.. كانت تكلّم نفسها بصوت مسموع.. وأثار هذا المشهد الذى لم يستغرق سوى لحظات، دهشتى وتعجّب «راجية» أما «جنّات» فكان غريبا أنها لم تستغرب!
وصمتنا جميعا فى انتظار انتهاء الحوار الذاتى بين «سماء» ونفسها.
- أنتو عايزين تعرفوا مذهبى فى الحبّ؟..
ياريت أقدر أشرح لكم مذهبى ببساطة، الحكاية أصلها معقّدة شوية، أنا والحبّ، مش واخدين على بعض قوى.. فيه حاجة مش سالكة بيننا، كنت زمان فاكرة أن الحبّ حاجة بسيطة جدا زى شكّة الدبوس، بتحصل فجأة، زى ما قالت»جنّات»..
لكن قعدت مدة طويلة أستناها تحصل فجأة، ماحصلتش، أستنى تانى، ماتحصلش.
شفت أخويا «سمير» لما حصلت له حالة الحبّ دى، وببجاحة سألته عنها، لما وقع فى غرام زميلته فى الكلية «تماضر» اللى بقت رسامة معاه فى المجلة. لقيت أنه كان فيه حاجة غامضة بتخلّيه كل مايشوفها يحس بكهربا فى كل كيانه، مع أنه كان بيشوفها كل يوم فى الكلية..
هو قال لى على حكاية الكهربا دى.. قلت لنفسى طيب يا «سمسم» آديكى عرفتى الحكاية، لما تشوفى ولد وتحسى بكهربا، كل ماتشوفيه، يبقى الحبّ وقع أو تبقى وقعتى فى الحبّ.
أول واحد حسيت بالكهربا كل ما أشوفه، كنت باشوفه قبل كده، وماكانش فيه كهربا خالص.. هو «سلطان»!
حبّيته.. لكن ماحصلش حاجة من ناحيته.. كان عادى، بيعاملنى زى ما أكون أخته.. ليه؟.. لأنى أخت صاحبه اللى بيعتبره زى أخوه.
ولما بقينا أصحاب كان الشعر هو السبب.
ولما رحت له المرسم، وقريت له قصيدة جديدة، اندمج معاى، قلت يبقى وقع فى حبّى، لكن باين عليه ماكانش بيحبّنى.
وبعدين عرفت أنه بيحبّ واحدة اسمها «جنّات».. لكن مصاحب الموديل «ماشالله».. ومصاحبنى؟!
حصل لى ارتباك فى المخ والقلب وكل الأعضاء.. اتجنّنت، مابقيتش عارفة يعنى إيه حبّ!
ولما عملت الكتوراه، كنت فاكرة أنها ممكن تساعدنى فى أنه يحبّنى أنا ويسيب حريمه.. فشلت، حاولت أحاصره، فشلت..
فالحبّ بالنسبة لى هو قصة فشل مستمرة لغاية دلوقت.
أما الحبّ على طريقة «جنّات» فهو لامؤاخذة- كما قلت لها رأيى أكثر من مرّة- «عباطة»!
تنهّدت «سماء» ونظرت إلينا واحدة واحدة من وراء نظارتها، ربّما كانت تقرأ ردود أفعالنا على كلامها، ثم فاجأت «راجية»:
- آدينى جاوبت على سؤالك الصعب، يا ترى أيه تكون إجابتك على سؤال الحبّ ده؟..
ضحكت «راجية» وهى تقول إنها كانت متوقعة السؤال، وأضافت:
- لو سألتينى السؤال ده من كام شهر، لقلت لك إننى لا أعرف الحبّ، ولا أعتقد فى وجوده، ولم أسمع به إلا فى الروايات والسينما والمسرح والأغانى والمسلسلات، لم أعايش قصة حبّ بين رجل وأمرأة.. أعرف قصص زواج، علاقات بين الجنسين.. لكن حبّ لا.
- وإيه اللى غيّر رأيك؟..
«سماء» تقوم بدور الصحفية، و«راجية» الصحفية، تجيب:
- مش عارفة ح تصدّقونى ولا لأ.. لكن حا قول لكم اللى حصل لى وأمرى لله، إحنا بقينا قريبين قوى من بعض دلوقت، مش كده؟..
تنهّدت تنهيدة طويلة، وبدت أصغر من سنها، مع أنها أصغر ال«سبع جنّات» ثم:
من يوم ماعرفت اللى حصل ل«سلطان» اتهزيت، ولما زرته فى المستشفى، زادت الهزّة. ولما طال غيابه، ولم أعد أراه فى المجلة كل يوم، لقيت نفسى بافكّر فيه، كل يوم.
لما كان معانا كل يوم، ماكنتش حاسّة بالشعور ده.. شوقى إليه وصّلنى لحالة الحبّ.. عرفت الحبّ لأول مرة فى حياتى.
مع أنى عارفه حكاية «جنّات».. وباقى الحكايات، مش كلّها يعنى.
- يعنى عايزه تتجوزيه؟!
- طبعا!
- و«جنّات».. وباقى الحكايات ؟!
- الحبّ يادكتورة - زى ما انت عارفة - واقعة تقع على اثنين، يقع فيه اثنان.. فلو أنا باحبّه، وهو لأ.. إيه الفايدة؟.. لو هو بيحبّنى وأنا مش دريانه، أو ماباحبّوش، إيه الفايدة؟..
وعلى رأى الأستاذة «جنّات» الحبّ مش مسابقة ملكة الجمال.
فالأمر يرجع للقلبين معا.. مافيش حاجة اسمها حبّ من طرف واحد.. ده زى الدائرة الكهربائية، لها قطبان، لازم يكون من طرفين.
- لكن حسب ما نعلم كلّنا دلوقت، هو بيحبّ «جنّات» بس.
وبقية الحكايات.. علاقات بس.
- مش دى المشكلة فى رأيى.
- أمال إيه المشكلة؟
- «سلطان» فى غيبوبة، ولما ننجح بالحبّ، فى إخراجه منها، يمكن يعود لحالته الطبيعية، ويقدر يحبّ، ويحدّد هو بيحبّ مين.. ولو عايز يتجوّز، يتجوّز مين؟
وصل بى الغيظ والضيق أقصى حدوده، مع أننى لست فى المسابقة أو المنافسة.. ولا أعلن حبّى ولا رغبتى فى الزواج.. كل ما أطمح إليه هو أن نبقى معا كما كنا، دون أن أشترط عليك شيئا على الإطلاق.. وطبعا جاء الدور عليّ وسألونى كل الأسئلة وأجبت كما تعرف.
ولم تنته السهرة قبل أن نأتى على سيرة «لحظة» وهل يمكن أن تكون هى «نادرة» التى فى خيالك ؟..
ولم نصل إلى جواب.. وأبدت «راجية» تعجّبها لقدرتك على الجمع بين البنت وأمها.. وكنا سبقناها إلى التعجب، لكن «سماء» قالت بوصفها دكتورة فى التحليل النفسى، إنها حالة نادرة.. فردّدت «جنّات» ساخرة:
- تانى.. بتجيبى سيرة «نادرة» تانى؟! •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.