هى من أوائل النساء اللاتى اخترقن مجال الإخراج التليفزيونى ثم فتحت المجال للأخريات من بعدها، إنعام محمد على صاحبة أكثر التجارب الدرامية رقة وعذوبية، حرصت طوال سنوات عمرها على اختيار الموضوعات التى تلعب على الأوتار الاجتماعية لتصل إلى قلوب المشاهدين. فالمجتمع هو همها الأول والأخير، كانت إنعام محمد على أول من حصل على جائزة الدولة التقديرية عن مجمل مشوارها كمخرج تليفزيونى، من قبلها كانوا ثلاثة مخرجين فى مجال السينما وهم: كمال الشيخ، صلاح أبو سيف ويوسف شاهين، صاحبة «ضمير أبلة حكمت» و«أم كلثوم» و«قصة الأمس» و«الطريق إلى إيلات» وغيرها من الأعمال. تتحدث إلى «صباح الخير» عن مشوارها، كيف كانت البداية وكان يجب أن نتوجه لها بالسؤال عن رأيها فى المشهد الدرامى الآن، وعن مشروعها المؤجل عن قصة حياة «طلعت حرب» لأن الميزانية لا تكفى. •.. البداية! - البداية كانت بالصدفة البحتة فكنت قرأت فى الجورنال أن التليفزيون يطلب مساعدين ومساعدات إخراج من مختلف الجامعات ودون تحديد تخصص معين، وساوى بين الرجل والمرأة وهذا كان أمراً جديداً من نوعه، وخبرًا غريبًا على مهنة لم تجمع فى تاريخها بين الرجال والنساء فى هذه المرحلة، تقدمنا للاختبار الذى لم يكن يحتوى على أسئلة فنية، بل اختبار للترجمة من العربية للإنجليزية والعكس، وأسئلة فى المعلومات العامة ومن 1600 متقدم نجح 63 منهم 11 فتاة أنا من ضمنهم قاموا بتوزيعنا على إدارات فى مبنى التليفزيون وأنا كان من نصيبى إدارة تسمى «إدارة التمثيليات».. اهتموا بنا جدا كباكورة العاملين فى التليفزيون وأتوا لنا بخبراء من bbc للتدريس لنا، بالإضافة إلى بعثات تم إرسالنا إليها، افتُتح بعد ذلك المعهد العالى للإعلام الذى كان يتيح للعاملين فى المجال الإعلامى سواء صحافة أو إذاعة وتليفزيون الحصول على الماجيستير والدكتوراة وفعلا حصلت على الماجيستير وقدمت رسالة تحت عنوان «الدراما التليفزيونية ودورها فى التطوير الاجتماعي». • محطات مهمة عملت مع العديد من المخرجين ولكن استفادتى الحقيقية كانت من عملى مع الفنان محمود مرسى، وما لا يعرفه الكثيرون أن الفنان محمود مرسى بدأ حياته كمخرج فى البرنامج الثانى فى الإذاعة وقبل افتتاح التليفزيون أرسلوه فى بعثة إلى إيطاليا ليكون من أوائل المخرجين العاملين بالتليفزيون، كان منظما جدا فى عمله ويعمل بالنظام الأوروبى عملت معه كسكرتيرة إخراج وقدمنا تمثيليات للسهرة أتذكر منها «الحب الكبير» بطولة ليلى طاهر ويوسف شعبان، محمود مرسى كان يهتم جدا بأداء الممثل وكنا نقوم ببروفة السهرة لمدة شهرين، ويعلم الممثلين الأداء بحرفية شديدة جدا تتسم بالأسلوب العلمى، وهذا ما اكتسبته منه واهتمامى بالممثل وأداء الممثل. أما المخرج الكبير نور الدمرداش الذى استفدت منه الكثير أيضا، فكان مميزا جدا بحركة كاميراته وهى الحركة الواسعة داخل الكادر الواحد وهذا لخبراته كمخرج مسرح وهذا أفادنى جدا فى بداياتى، إلى أن أخذت أول فرصة إخراج لى وكانت حلقات متصلة منفصلة هى «من عيادة دكتور نفسي» وكان يكتبها بالفعل طبيب نفسى وأول حلقاتها قدمها الفنان صلاح قابيل.. وفى هذه المرحلة كانت تجاربى الإنسانية أهم من تجاربى الفنية، فكان المبنى أشبه بالمجتمع الصغير وغالبيته العظمى من الرجال وأن تتولى القيادة امرأة فبالتأكيد كانت المهمة ليست سهلة بالمرة، وأنا تحسبت هذا الموقف وقررت أن اكون تلميذة وأسعى جاهدة فى التعلم لكى أكون على قدر المسئولية. وخرجت باستنتاج أن القيادة ليست بالضرورة قيادة عضلية، ولكنها فى المقام الأول قيادة عقلية فمن يمتلك أدوات عمله يملك القيادة، ومع الوقت والخبرة قبل دخول أى ستوديو أصبح العاملون معى يتحسبون جدا لعلمهم أننى دقيقة ولن أمرر أى خطأ. كانت رسالة الماجيستير التى قدمتها وعنوانها «الدراما التليفزيونية ودورها فى التطوير الاجتماعي» هى ركيزتى الأساسية فى اختيار موضوعاتى التى قدمتها فيما بعد فمن منتصف السبعينيات حتى الآن إذا تابعت ستشعرين أنها سلسلة متصلة الحلقات تعالج قضايا مجتمعية تحقق رسائل تنويرية، وكيف أساهم بالدراما فى تقدم المجتمع حتى أعمال السيرة الذاتية ركزت فيها على الشخصيات التى كان لها دور تنويرى ووطنى مثل «أم كلثوم وقاسم أمين». • استعانت الدولة بخبراء لتدريبكم ككوادر وإرسالكم فى بعثات للخارج.. وخرج لنا جيل كامل من المبدعين . لماذا رفعت الدولة يدها عن الاهتمام بالكوادر الشابة وتدريبها؟ - بالفعل هذا ما حدث إضافة إلى هذا أننا دخلنا المبنى بدون أى واسطة أو وصاية من أحد، فى حين أن المبنى أصبح الآن أسر وعائلات، كان هذا أسلوب البلد وقتها بتكافؤ الفرص وبدون أى محسوبية، الدولة رفعت يدها عن هذه المؤسسات، فإذا نظرنا إلى مراكز الشباب على مستوى مصر ومحافظاتها وكذلك الثقافة الجماهيرية فإنها أخرجت جيلاً واعيًا ومثقفًا لأقصى درجة، كل هذا انتهى وهناك مخطط لهدمه ومازلنا نعانى من أثره حتى الآن وعلى الدولة أن تنتبه لهذا الفخ. ونفتقد كذلك التوجه والأيديولوجية التى تؤمن بالمشاركة وتكافؤ الفرص والجهد وقيمة العمل. • رؤيتك للمشهد الدرامى الحالى خاصة أمام تلك الحالة من التدنى فى لغة الحوار بحجة أنها تعكس الواقع؟ - هناك تطور تقنى وتكنولوجى واضح فى الأعوام الأخيرة، الصورة تطورت بشكل جيد، أما بالنسبة للناحية الفنية، فهناك تطور كبير أيضا وهناك مجموعة كبيرة من المخرجين يجيدون حرفتهم ولديهم رؤية بصرية، ولكنهم مفتقدون للرؤية المجتمعية، وأضعف ما فى الدراما الآن هو الموضوع، فهم لا يؤمنون برسالة الدراما ودورها المجتمعى، وخاصة بعد 2001 حيث دخل مجال الدراما فريق من الشباب العاملين فى السينما أو خريجى معاهد السينما ومخهم مبرمج على شباك التذاكر، وبالتالى فالموضوعات التى يقومون باختيارها مكتوبة فقط للجمهور لكى يقطع التذاكر، دون أن يلمسوا الفرق المهم باختلاف ما يقدم فى التليفزيون وما يقدم فى السينما، فأنت تدخل البيوت ويشاهدك الأسر والأطفال على عكس السينما.. تسود الآن حالة من الأشكال الميلودرامية الفاقعة والصوت العالى التى انتهت موضتها منذ زمن. • الفن فى مصر كان دوره مساويًا إن لم يكن أقوى من السياسة، فهل مازال قادرا ومؤهلا أن يقدم دورًا موازيًا لدور السياسة وهل هو قادر على الإصلاح كما كان يحدث فى الستينيات مثلا؟ - بالعكس تماما.. فهناك حالة واضحة من التردى، فنحن نشتكى من السلوكيات والعنف والدم والألفاظ الخارجة ونحن نكرس هذا على الشاشة، الدراما دورها أقوى من المدرسة ومن البيت نفسه وهناك سلوكيات يكتسبها الأطفال من الدراما، أما المنتشر الآن فهو السواد والكآبة والنماذج السلبية لبلطجى أو عاهرة وكم عنف غير مبرر، فالفن اختيار واستشراف لمستقبل أفضل وسعى للتقدم من خلال العمل وليس تكريس التخلف وهذا ما يحدث الآن، فقدت الدراما المصرية دورها وأصبحت تخصم من المشاهد بدلا من أن تضيف له، لم تصبح قوة ناعمة بل أصبحت قوة خشنة تسهم فى تدعيم الإرهاب. • قدمت تجارب ناجحة فى أعمال السيرة الذاتية، ما تفسيرك أن هذه الأعمال فقدت بريقها الآن رغم كثافة إنتاجها مؤخرا؟ -أى عمل لو تم تقديمه بصدق وشعر الناس أن الزمن يرجع بهم إلى الوراء، سيجذبهم وسيصدقونه، مثل ما حدث فى مسلسل أم كلثوم تعلق الناس بالأبطال على أنهم الشخصيات الحقيقية رغم معرفتهم لكل ممثل شارك فى العمل ولكنهم استمتعوا بالأداء لدرجة جعلتهم يتناسون هذا، الإعداد الجيد هو سر النجاح والإعداد كأنه إعداد لدراسة درجة علمية واستحضار كل التفاصيل الخاصة بالعصر. • كلمينى عن مسلسل طلعت حرب.. - أُعد لهذا العمل من فترة ويفترض أن يكون آخر تجربة سيرة ذاتية أقدمها، فأعمال السيرة الذاتية تسرق العمُر أثناء الإعداد لها ووقتًا طويلاً فى قراءة المراجع لمناقشة المؤلف وتحضير المادة لكل ممثل التى تساعده فى تقمص الشخصية، والعمل مُعطل كل هذا الوقت لأننا بحاجة إلى منتج مشارك لأن مدينة الإنتاج الإعلامى لا تقوم بإنتاج مباشر كما أن القطاع الخاص لا ينتج مثل هذه الأعمال وإذا أنتجها فإنها تخرج بشكل هزيل.•