كان لي صديق فيلسوف بأقوال الحكماء شغوف, سألته يوما عن.. لم تكن العبارة السابقة مجرد مقدمة لبرنامج إذاعي, وإنما جو خاص لأولئك الذين تربوا علي الإذاعة المصرية في السبعينيات وما بعدها, ففي الثانية إلا عشر دقائق صباحا يستمع المغرمون بالإذاعة والسهر إلي برنامج وقال الفيلسوف, وهو حوار افتراضي بين فتاة تحب الفلسفة وهذا الفيلسوف. ونزعم أن هؤلاء المغرمين لم يكونوا مهتمين بمضمون الفلسفة بقدر ما كانوا مبهورين بالأداء الصوتي الساحر للممثل الإذاعي الذي كان يؤدي دور الفيلسوف( سعد الغزاوي) وصديقته( سميرة عبد العزيز) التي تقول عن هذا البرنامج: عندما قدمت إلي القاهرة قدمني للإذاعة الراحل حافظ عبد الوهاب, حيث أرسلني لبابا شارو وعملت في أول برنامج لي هو أماكن لها تاريخ لمدة سنة, وكنت سعيدة جدا وكان من اخراج الراحل حسني عبد العزيز الذي رشحني للعمل في برنامج قال الفيلسوف عام1973, والذي لاقي صدي غير عادي من الناس, وكان هناك برنامج إذاعي أسبوعي لتقييم برامج الإذاعة بعنوان برامجنا في الميزان ظل يتحدث عن هذا البرنامج لمدة عام وفجأة توقف البرنامج بعد عشر سنوات من تقديمه عام1983 دون أسباب أعرفها, لكن أخذته علي الفور إذاعة أبو ظبي لمدة تزيد علي أربعة أشهر ثم رجع للإذاعة المصرية بقرار من الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي قال عنه إنه من علامات الإذاعة المصرية. وسميرة مرتبطة في حياتها باثنين من أكثر أهل الفن جدية واصرار, ولو أن الوسط الفني مثلهما لكان مثالا للفضيلة ورمزا للشرف( بغض النظر عن القيمة الفنية), وهما زوجها المؤلف محفوظ عبد الرحمن وصديقة عمرها المخرجة انعام محمد علي, وقد التقي الثلاثة في عمل أسري يعتبره المصريون من أفضل أعمال التليفزيون في تاريخه, وهو مسلسل أم كلثوم الذي لعبت فيه دور أم أم كلثوم, مما أهلها لتصبح أم العظماء في مختلف المسلسلات التي تتناول سير المشاهير, حتي عبد الحليم اليتيم لعبت سميرة دور شقيقته الكبري التي كانت بمثابة أمه, بل إنهم عندما فكروا في عمل مسلسل الشيماء فإنهم لم يختاروا غيرها, لأداء دور حليمة السعدية, والدة الشيماء ووالدة الرسول في الرضاعة. وتقريبا لا وجود لسميرة عبد العزيز في السينما, فالأم في السينما دورها هامشي, لا يزيد علي مشهدين أو ثلاثة بعكس المسلسلات التي تبدأ بخطوبة والد البطل ووالدته مما يعطي الأم مساحة كبيرة للغاية. كانت تأشيرة دخول سميرة إلي عالم الفن مختومة بختم اللغة العربية, فقد كان اتقانها لها سببا في اختيارها لبعض الأعمال التي كانت تحتاج لهذه الميزة في بداية عملها بالدراما, ولكن المخرجة انعام محمد علي كانت صاحبة الفضل عليها في انطلاقها للأعمال التي لا تحتاج إلي فصحي, فعملت معها في مسلسل سيداتي آنساتي وعلمتها كيف تقف أمام الكاميرا بدون افتعال الأداء المسرحي, بحسب شهادتها في نفسها. تلي ذلك مسلسل الباحثة ثم أم مثالية والذي حصلت من خلاله علي جائزة أحسن ممثلة من مهرجان الإذاعة والتليفزيون في دورته الثانية, وكانت هذه التجربة بدايتها الحقيقية في الدراما التليفزيونية, أما سلم الشهرة بالنسبة لها فقد بدأ بعودة فاتن حمامة للتليفزيون بعد غياب طويل بمسلسلها الناجح ضمير أبلة حكمت الذي حصل علي أعلي نسبة مشاهدة في مصر والعالم العربي, وكان دورها فيه كبيرا وموازيا لدور سيدة الشاشة العربية, بالاضافة إلي مسلسل بوابة الحلواني وكذلك مسلسل أم كلثوم, تحتفل الإذاعية سميرة عبد العزيز اليوم بعيد ميلادها, ونحن نحتفل معها ومع الفيلسوف.