لم يكن مقتل القاضى أحمد الخازندار أمام منزله فى 22 مارس 1948 أول حوادث اغتيال القضاة، ولن يكون مقتل الشهداء الثلاثة الذين راحوا ضحية الإرهاب الغاشم فى مدينة العريش بشمال سيناء السبت قبل الماضى، آخر الاغتيالات التى يقوم بها عناصر جماعة الإخوان الإرهابية وتابعوهم، فتاريخ الجماعة الإرهابية ملوث بالدماء منذ أربعينيات القرن الماضى، وما حدث بعد ثورة الثلاثين من يونيو ما هو إلا عملية إحياء لنظام العمل السرى داخل الجماعة، والموكل له القيام بأعمال تخريبية وإجرامية، انتقاما من مؤسسات الدولة المصرية وأبنائها، بعد أن لفظهم الشعب المصرى بجميع فئاته وطوائفه، ولذا ثار أتباع الإخوان كالثور الهائج يحرقون ويدمرون ويقتلون الأبرياء. حادثة العريش التى راح ضحيتها ثلاثة من خيرة شباب القضاة وهم «القاضى محمد مروان عبدالله، والقاضى مجدى محمد رفيق مصطفى، والقاضى عبدالمنعم مصطفى محمد»، سبقتها حوادث ومحاولات لاغتيال قضاة آخرين، فكانت هناك محاولة لاغتيال المستشار «معتز خفاجي» رئيس محكمة جنوبالقاهرة، وقاضى أحداث مكتب الإرشاد، إلا أن المحاولة باءت بالفشل وانفجرت القنبلة التى تم زرعها فى شارع «واحد» بمنطقة حلوان، أمام منزل المستشار خفاجى بواسطة هاتف محمول، وهو ما أسفر عن تحطيم ثلاث سيارات وواجهة منزل المستشار خفاجى. هذا إلى جانب محاولة أخرى لاغتيال المستشار «يوسف نصيف» القاضى بمحكمة الخانكة الجزئية، إلا أنه أصيب إصابات طفيفة بعد محاولة اغتياله من قبل ملثمين أطلقوا الرصاص عليه من أسلحة نارية، وهرب الملثمون دون معرفة هويتهم. أما المستشار «خالد محجوب» رئيس محكمة جنايات الإسماعيلية التى كانت تنظر قضية هروب المساجين من سجن وادى النطرون والمعروفة بقضية «الهروب الكبير» التى يحاكم فيها المعزول «محمد مرسي»، فقد تلقى العديد من التهديدات عقب توليه القضية وصلت إلى درجة تهديده بقتل أبنائه.. كما تعرض المستشار محمد ناجى شحاتة، رئيس محكمة الجنايات والمعروف بين أعضاء الجماعة الإرهابية بقاضى الإعدامات الذى كان مسئولا عن قضية غرفة عمليات اعتصام رابعة، التى حكم فيها بإعدام مرشد الإخوان «محمد بديع» لتهديدات بالقتل هو وأسرته، ولم يقف الأمر عند التهديدات فقط، ولكن تعرض المستشار «ناجى شحاتة» لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة بعد خروجه من آخر جلسات محاكمة غرفة عمليات رابعة، وبعد استقلاله سيارته على الطريق الدائرى، ولكن تأخر انفجار العبوة الناسفة، التى انفجرت عقب مروره مباشرة. • لجنة ثلاثية هذه الحوادث وغيرها تجعلنا نتأكد أن الجماعة الإرهابية لن تتوقف عن أعمالها الإجرامية بالسهولة التى نعتقدها، وتجعلنا أيضا نتساءل: لماذا لا يتم تأمين الهيئات القضائية، والقضاة الذين ينظرون قضايا مهمة تخص قادة الجماعة الإرهابية وأتباعهم؟ ويبدو أن مجلس القضاء الأعلى ومختلف الهيئات القضائية قد وعت جيدا أماكن القصور، والثغرات التى ينفذ منها الإرهاب وأتباعه، للنيل من رجال القضاء القابضين على موازين العدل، وكانت البداية مع القرار الذى أصدره مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار «محمد حسام عبدالرحيم» رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ونص القرار على تشكيل لجنة ثلاثية من القضاة والنيابة العامة لدراسة كيفية تأمين القضاة وأعضاء النيابة العامة تأمينًا اجتماعيًا، وذلك بقيام إحدى شركات التأمين العامة بعملية التأمين، وتدرس اللجنة الثلاثية الآن بحث أفضل العروض التأمينية التى تلقتها من شركات التأمين لعمل بوليصة تأمين جماعية على القضاة وأعضاء النيابة العامة. وقال المستشار محمد عيد محجوب الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى: عروض التأمين على القضاة مازالت قيد الدراسة والبحث، مؤكدًا أن اللجنة مازالت تدرس الأمر لاختيار أفضل العروض، وأوضح «محجوب» أنه سيتم اختيار أفضل العروض لعمل بوليصة تأمين على حياة القضاة. ومن ناحيتها قررت وزارة العدل نقل مقر محكمة شمال سيناء إلى مدينة الإسماعيلية بعد حادث العريش المأساوى كإجراء احترازى لتأمين القضاة، وهو ما صرح به المستشار «عزت خميس» مساعد أول وزير العدل. وقال المستشار عبدالعزيز شاهين رئيس نادى قضاة الإسماعيلية، إن قرار نقل محكمة شمال سيناء إلى مدينة الإسماعيلية قرار صائب، وإنه تأخر كثيرًا، مؤكدًا أنه كانت هناك مطالب سابقة من القضاة بنقل العمل بمجمع محاكم شمال سيناء إلى الإسماعيلية، ولكن تأخر النقل بسبب حرص الوزارة على مصالح المتقاضين فى شمال سيناء، وحرصًا على التخفيف عليهم، وأشار إلى أن الوضع الآن أصبح غاية فى الصعوبة والخطورة، خاصة بعد أن أصبحت حياة القضاة فى خطر، ولذلك كان لابد من السرعة فى تنفيذ القرار، مضيفًا أن الحادث الإرهابى لن يؤثر على القضاة بل سيزيدهم إصرارًا على استكمال مسيرتهم من أجل تحقيق العدل. • إجراءات أمنية وتعقيبًا على قرار نقل مقرات المحاكم الموجودة بسيناء إلى مجمع المحاكم بالإسماعيلية، أكد العقيد محمد خالد قائد الحرس بمجمع محاكم الإسماعيلية أنه تم وضع العديد من الإجراءات الأمنية المشددة لتأمين مجمع محاكم الإسماعيلية، وتأمين سير العمل بالمجمع، مؤكدًا أن هناك إجراءات حازمة ورادعة لكل من تسول له نفسه الإخلال بالأمن العام، وأشار إلى أن هناك لجنة مشكلة برئاسة مساعد مدير الأمن للوحدات بالإسماعيلية، ورئيس مباحث المديرية، ومدير الحماية المدنية، وقائد المرور، وقائد الحرس بالمجمع، بالاشتراك مع المكتب الفنى لمحكمتى الاستئناف العالى والمحكمة الابتدائية ورئيس حى ثالث تتابع بدقة الأعمال التأمينية. وأضاف قائد الحرس أنه تم إعداد حرم أمنى للمجمع، الذى يضم محكمة الاستئناف العالى، والمحكمة الابتدائية، ومجمع النيابات ومكتب الشهر العقارى وذلك لسهولة تأمين المجمع، كما أكد أن هناك تأميناً لخطوط سير أعضاء الهيئات القضائية القادمين للمجمع والمغادرين له، هذا إلى جانب أنه تم تعزيز الحراسات الأمنية، وتم الدفع بمجموعات قتالية لصد أى عدوان أو اعتداء خارجى. وتابع قائد الحرس بالمجمع قائلاً: إن هناك إجراءات تضمنت تدعيم البوابات الرئيسية للمجمع ببوابات إلكترونية للكشف عن المفرقعات والأسلحة بمعرفة خبراء متخصصين، وعمل مسح شامل قبل بدء مواعيد العمل الرسمية يوميًا بمعرفة ضباط المفرقعات، ومعه فرد مؤهل بالكلاب البوليسية لعمل مسح شامل بالداخل والخارج. وعلى نطاق أوسع لم يتوقف الأمر عند تأمين مجمع محاكم الإسماعيلية فقط، ولكن أعلنت إدارة العلاقات العامة والإعلام بوزارة الداخلية أن الوزارة وضعت خطة تأمينية محددة تستهدف تأمين المحاكم والهيئات القضائية، وكان اللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية قد أكد خلال اجتماعه مع قيادات الوزارة ضرورة توفير التأمين الكامل للقضاة والعاملين بالمحاكم والهيئات القضائية، وكذلك حماية المنشآت القضائية، إلى جانب تأكيد عمل خطط تأمينية عامة لتأمين جميع الهيئات والمؤسسات فى الدولة.•