خاضت الكثير من المعارك والحروب ضد الظلاميين أصحاب الفكر المتحجر، باحثة عن حرية المرأة كما رسمها الشرع، قدمت العديد من الآراء والاجتهادات الفقهية المعتدلة التى كشفت الأيام صحتها كما كشفت آراؤها وفتاواها ضحالة فكر أدعياء الدين، فكانت صاحبة نظرة ثاقبة فى كل ما يمس المرأة فى المجتمع العربى والإسلامى، إنها الدكتورة «آمنة نصير» رائدة الداعيات وأبرزهن فى العصر الحديث، حتى إنها وصفت عندما تولت عمادة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فرع الإسكندرية بأنها «فلسفة تمشى على قدمين». كانت حياة الدكتورة «آمنة نصير» مليئة بالحروب والمعارك التى انتصرت فيها جميعا، وتمثلت أولى هذه الحروب عندما رفضت طفلة قرية «موشا» بمحافظة أسيوط الاستسلام لتقاليد المجتمع الصعيدى، فى وقت كان فيه الاعتراض على التقاليد أمرا لا يغفره سوى الموت، ولكنها ما هابت الموت، ووقفت فى وجه مجتمع لا يعرف سوى الموت ثمنا لكل عاصٍ أو رافضٍ لتقاليد هذا المجتمع، فواجهت الموت، وأصرت على أن تحيا الفكرة، أو يموت الجسد، وكان لها ما أرادت فعاشت الفكرة ونمت وترعرعت، باستكمال بنت قرية «موشا» تعليمها، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل أصرت على التعليم فى المدارس الأمريكية، ولم تنته معارك الطفلة الصغيرة بالحصول على مراحل التعليم الأساسى، ولكنها خاضت حربا أخرى عندما قررت الالتحاق بالجامعة والسفر إلى القاهرة للدراسة بجامعة عين شمس، وكان المجتمع الصعيدى بعاداته وتقاليده فى ذلك الوقت ينظر للفتاة التى تسافر بعيدا عن أسرتها نظرات سيئة لا تخلو من التشكيك فى سلوكياتها، ولا تنقصها الريبة التى تجعل من أى فتاة عنصرا غير مقبول فى هذا المجتمع العقيم عند إنجاب الأفكار، ولكنها ولجرأتها المعهودة رفضت الانسياق وراء هذه الأفكار البالية، ونسجت لنفسها أفكارا وطموحات وأحلاما، وحاربت من أجل تحقيقها مرة أخرى، فسافرت لتدرس فى الجامعة، ودرست الفلسفة فحصلت على الليسانس ثم الماجستير والدكتوراة. وفى القاهرة عاشت فتاة الصعيدة حياة جديدة بأفكارها هى، عاشت حياة رسمتها لنفسها، زرعت فيها تقاليد الصعيد ومدنية العاصمة، فأخرجت منتجا فكريا نضرا شاركها فى تكوينه زوجها المستشار «الدمرداش العقالى» فغرست فروعه فى عقول وقلوب أبنائها «ابتهال» كبرى بناتها، و«دعاء» ابنتها الوسطى، و«شيماء» أصغر بناتها، وكذلك المستشار «محمد الدمرداش العقالى» أكبر أبنائها على الإطلاق، كما غرست فروع ذلك الفكر الوسطى المعتدل فى عقول أحفادها من بعد، والجميل أن فكر دكتورة «آمنة نصير» لم يقف عند أبنائها وأحفادها فقط، ولكنه تخطاهم جميعا، فاستنشق هواء ذلك الفكر العديد والعديد من الطلاب والطالبات الذين تلقوا العلم على يد تلك المرأة، التى أقل ما يقال عنها أنها «كتيبة أفكار متحركة». تصدت الدكتورة آمنة نصير بحسم لأصوات المتطرفين من التيارات الدينية، وقدمت آراءها واجتهاداتها فى معظم القضايا والمشكلات التى تمس المرأة، فخاضت حربا شرسة ضد «ختان الإناث»، الذى قالت عنه إنه موروث فرعونى لا أساس له فى الدين، كما عالجت قضية «تعدد الزوجات» فأوضحت أن التعدد كان موجودا قبل الإسلام وكان بلا قيود أو ضوابط، إلى أن جاء الإسلام فوضع له الضوابط والقيود، وذلك لعلاج النفوس الإنسانية الضعيفة، ولصيانة المجتمع. وفى سبيل دفاعها عن حقوق المرأة انتقدت «التحرش» مؤكدة أن خطاب السلفيين ووصفهم للمرأة بأنها «وعاء للجنس» هو ما جرأ الأوغاد على النساء، ولم تكتف بذلك، بل طالبت بجلد كل من يؤذى المرأة ومشاعرها أو تمتد يداه إليها فى ميدان عام حتى يكون عبرة للآخرين، وفى نفس السياق رفضت دكتورة «آمنة» النقاب، وقالت إنه لم يرسِ فضيلة فى السنوات الأخيرة، ولكنه ساعد على نشر الإجرام والتستر على المجرمين. وفى سبيل حربها ودفاعها عن الإسلام وقفت «نصير» فى وجه الإخوان وأتباعهم من المنتمين إلى تيار الإسلام السياسى، مؤكدة أن صراع هؤلاء من أجل السلطة والثروة والنفوذ، ولا علاقة لهم بالدين من قريب أو بعيد، ولكنه فكر شيطانى اختلطت فيه السياسة بالدين لتحقيق هدف واحد، هو النصر السياسى، وقالت أيضا: إن الخلاف بين المنتمين لهذا التيار وبعضه البعض ليس خلافا عقائديا ولكنه خلاف سياسى أيضا، ووقفت أيضا فى وجه تلك الجماعة الإرهابية عندما حاولوا إجهاض حق المرأة فى ممارسة الحياة السياسية والبرلمانية، فكانت «آمنة نصير» حقا واحدة من أهم الرائدات اللاتى دافعن عن حقوق المرأة، فحظيت بتقدير الرجال والنساء على حد سواء.•