الكل يبحث عن سر السعادة فى الحياة، التى تختلف مصادرها وأسبابها من شخص لآخر، فقد يجدها البعض فى التمتع بالمال والثراء، أو الأولاد، أو بمنصب أو سلطة.. وفى سبيلها الكل يسعى لاهثاً! سعادة قوامها الأخذ فقط.. لكن قليلين هم من يستخلصون فلسفة السعادة الحقيقية، حيث يجدون سعادتهم فى العطاء لا الأخذ. من هؤلاء تلك السيدة التى وجدت ضالتها المنشودة بين من احتاروا فى توصيفها ولقبوها بألقاب مختلفة: الأم تريزا المصرية، ماما هبة، ملاك الرحمة، سيدة الثورة، وهى بين كل ذلك ترفض بشدة أى لقب أو شهرة أو أضواء.. لكن صدى أعمالها الخيرية ارتفع وذاع رغماً عنها. إنها هبة هلال السويدى، سيدة الأعمال التى حصلت على لقب الدكتورة شعبياً دون دراسة أو شهادات، لأن من داوتهم وطببت جراحهم وأسهمت بجهودها وتواجدها - وليس فقط فلوسها - فى تغيير مسارهم، سواء مصابين ومعاقين أو حتى ناقمين على ظروف بلد لم يساعدهم.. فقد اعتقدوا من شدة اهتمامها ومصاحبة كل مصاب من مصابى الثورة والاهتمام بتفاصيل علاجه مع الأطباء - أنها فعلاً دكتورة.. ودائماً ما ترد على ذلك بابتسامة.. عمرى ما كنت طبيبة، أنا خريجة آداب إنجليزى. هبة السويدى - سيدة الأعمال التى تملك المال، ولكنها تملك معه حسا إنسانيا ووطنيا عاليا، وهى معادلة قلما توافرت فى كثيرين. فهى ترى أن المتعة فى الزكاة التى فرضها الله علينا ليست فى مجرد إخراج المال، ولكن المتعة فى الشعور بمتعة العطاء بالتواجد بين الناس وبمساندتهم معنوياً لا مادياً فقط، فالعلاقة المادية قد تنتهى بانتهاء الحاجة، ولكن ما يتبقى فعلا هو العلاقة الإنسانية مع البشر. بدأت هبة السويدى - التى تفتخر بكونها من أب مصرى وأم سعودية - تعلمت من كليهما حب الخير والعطاء - مع مجتمعها المحيط بتحفيظ الأطفال الصغار القرآن الكريم وتعاليم الدين الصحيح.. إلى أن قامت ثورة يناير، فشعرت بأن لها دوراً آخر ينبغى أن تقوم به لبلدها وأرسل الله لها الإشارة أو الهدية - كما تقول - فى لقاء الشاب جواد النابلسى مع منى الشاذلى، وهو الشاب الذى فقد عينه فى الثورة، فقرر أن يساعد باقى المصابين من خلال إنشاء الكول سنتر لعلاج مصابى الثورة، فاتصلت به واتفقت على التعاون معه، وكانت البداية ب 20 مصابا على الفور حجزت لهم عند الأطباء، وفى المستشفيات الخاصة، وكانت فى كل مرة تفضل مرافقة المصاب وأهله للطبيب، فهى تكره أسلوب التطوع أو التبرع على طريقة «حسنة وأنا سيدك». والحقيقة أن كل من تابع عن قرب -ميدان المصابين وضحايا الثورة.. يعرف حجم المجهود الذى قامت به هبة السويدى وفريقها، فقد قاموا بما يجب أن تقوم به الدولة دون أى ادعاء أو محاولة ظهور أو وصول إلى أى منصب أو شهرة بل العكس.. وكنت ممن حاولوا معها كثيرا بحكم علاقتى بأولادها المصابين (عادة تقول ولادى حتى لو أكبر منها سناً). حوالى 4000 مصاب ثورة عالجتهم هبة السويدى وفريقها، سواء داخل مصر أو خارجها، ورغم ذلك لم تسلم من حروب نفسية ومحاولات إيقاف مسيرتها وعلى رأسهم الجهة التى كان من المفترض أن تضطلع بمهمة علاج المصابين وهو صندوق رعاية المصابين وأسر الشهداء، لكنها أبداً لم تلتفت لهذه المهاترات ومضت فى طريقها الذى لم يزل ممتداً حتى الآن. بعد انتهاء تلك المهمة قررت استثمار طاقة الحب المتبادل بينها وبين الناس والخبرة التى اكتسبتها وفريقها خلال السنوات الأخيرة، فأنشأت مؤسسة خيرية جديدة هى مؤسسة أهل مصر لعلاج الأطفال فى تخصصات ثلاثة هى: العيون والقلب والحروق، بالإضافة للقوافل الطبية التى تجوب كل محافظات الجمهورية لعلاج الأطفال فى أماكنهم.. وأخيرا قررت إنشاء مستشفى تخصصى لعلاج حروق الأطفال فى التجمع الخامس.. وهو أول مستشفى من نوعه فى مصر، فعدد الحالات سنويا يصل إلى 80 ألف حالة حروق أطفال وعدد الأسرة الموجودة فى مصر 10 آلاف فقط. كتب عنها الحبيب على الجفرى على صفحته بعد لقاء بينهما: قابلت السيدة الفاضلة هبة السويدى فوجدتها قلباً يلازم المصابين وصدرا مثقلا بهمومهم.. فلما تعرضت للبلاء تيقنت صدقها فيما قامت به.. اللهم تقبل بذلها وذلها وكن لها. •