ريشة : هبة عنايت كلهن نساء.. خرجن من بيوتهن للعمل مع اختلاف أهدافهن، فمنهن من يسعين خلف تحقيق استقرار مادى، وأخريات ليشبعن إحساسهن بوجودهن كنساء مؤثرات فى المجتمع.. ومن ثم ارتدت المرأة أثوابا عدة، لتناسب طبيعة كل مهنة اقتحمتها كأنثى، وذلك بعد إضافة بعض الرتوشً الرجولية إليها لتثبت جديتها وجدارتها كامرأة ناجحة بعقلها قبل جمالها.. هؤلاء جميعا مهما تغيرت ثقافتهن أو وظائفهن فهن لا يتخلين أبدا عن «نون النسوة» تلك النون التى قد يخنقها أحيانا تقمص روح الرجل اضطرارا لا اختيارا.. ولكنها جاءت لتؤكد لى، أننى إذا اضطررت لارتداء «كرافت» فدائما ما أضع معه «روچ».
رأيتها وهى تقف أمام أحد البنوك بوسط البلد ، كلتانا فى وضع انتظار . تنظر فى ساعتها كثيرا وتمرر بين الحين والآخر أصابعها بين خصلات شعرها الأسود القصير «جدا». وبينما كنت أقف فى مواجهتها على الرصيف المقابل لا أبالى كثيرا بالمارين حولى، إلا أن شيئا ما دفعنى للنظر إليها تحديدا بين المئات من المارة السائرين والواقفين والمتسكعين بطبيعة الحال. فقد جذبت انتباهى من النظرة الأولى إليها، تلك النظرة التى تأتى عادة صدفة دون انتباه أو تركيز، ولكنى - على غير العادة - أعقبتها بنظرات أخرى متفحصة. فهى امرأة تبدو فى العقد الثالث، أنيقة، ترتدى قميصاً زهرى اللون وفوقه بدلة مكونة من جاكت وبنطلون، حذاؤها أسود لامع بسيط التكوين بلا نتوءات ترفعه ولو قليلا عن الأرض، تحمل بيدها حقيبة جلدية بنية تضفى على مظهرها مزيدا من الجدية. وكانت تلك المواصفات التى اجتمعت معا فى سيدتى الجميلة هى ما لفتت انتباهى إليها، متعجبة من هذه «التوليفة» الإنسانية الشكلية، حيث هيئتها الرجولية التى كسرتها تلك اللمعة الوردية على شفتيها التى تسمى «روچ».. ابتسمت وأنا أرى فى تلك السيدة المرأة «المزدوج». فهى أنثى حقيقية تغلفها قشرة رجولية وقد أضافت لمستها الأنثوية بذلك الروچ الوردى.. تركت مكانى على الرصيف المقابل لها وعبرت الشارع وأنا أحدد خطواتى نحوها واقتربت منها وأنا ابتسم كبداية للتعارف. وكان وجهها البشوش ما شجعنى للحديث معها، وبالفعل سريعا ما اجتزت تلك المرحلة ببضع كلمات انتهت برغبتى فى الحديث عن هيئتها التى جذبتنى ما بين جدية المرأة العاملة التى انعكست على ملابسها وما بين ذلك الطلاء الرقيق اللامع على شفتيها!! أجابتنى وهى تضحك «مظهرى الخارجى لابد أن يتفق مع طبيعة عملى، والبنوك عادة ما تفرض على موظفيها هيئة معينة، من ملابسformal ومظهر يبدو فى الإطار العام محتشما غير متكلف، وأسلوب محدد ودقيق فى التعامل مع العملاء. بينما كل هذه القواعد لم تمنعنى من الشعور أو التعبير عن أنوثتى ولو بلمسة من فرشاة الروچ. ثم أكملت مؤكدة: المرأة المصرية عندما خرجت للعمل لم تتخلّ فى المقابل عن أنوثتها، ولكنها تعرف جيدا كيف توازن بين طبيعتها الأنثوية مهما فرضت عليها من قواعد، وبين احترام تلك القواعد فى ذات الوقت. بل تأكيد إجادتها للعمل فى أكثر من اتجاه . فهى مجازا ليست بروحين وإنما «بسبع أرواح» فهى امرأة عاملة نهارا ثم تعود إلى بيتها لتكون أما وفى نهاية اليوم زوجة لرجل نادرا ما يراعى كل تلك الأدوار. • أنا الدكتورة «التمرجى» وأفتخر! كان لقائى الثانى مع طبيبة أمراض الذكورة الدكتورة سناء عبدالرحمن. التى كانت مهنتها كطبيبة خاصة فى مثل هذا التخصص يفرض عليها بعض التساؤلات التى لابد أن تتقمص فيها دور الرجل فى حزمه وصرامته وتنحى أنوثتها ورقتها جانبا بعض الوقت. وقد بدأت الحديث مع الدكتورة سناء ذات الأربعين عاما التى بدت رقيقة الملامح، هادئة الطباع، على درجة عالية من الذوق فى تناسق ألوان ملابسها. كما أن لديها ابتسامة رائعة. وبسؤالى عن كيفية تعاملها مع تلك المهنة التى تعالج فيها أمراض الرجال؟ وهل تضطر أن تنقلب رجلا أثناء تعاملها مع كل حالة أم تظل امرأة قلبا وقالبا؟ فتقول باسمة: «تعلمت الدرس الأول فى هذه المهنة» وهى أن أخلع عباءتى الأنثوية الخجولة بمجرد دخولى العيادة، وأرتدى سريعا البالطو، الذى أطلق عليه تسمية «التمرجى»، لأتحول إلى طبيبة فقط. فليس هناك مجال للحياء أو الخجل حتى لا أفشل فى عملى. خاصة أن البعض قد يختبر درجة التزامى أو اتزانى بطرح مزيد من الأسئلة أو بعض الاستفسارات التى أرد على جميعها دون أدنى حرج. لأن هذه مهنتى وأحترمها جيدا، كما أن المريض إذا استشعر منى حرجا أو أى تردد فهذا يعنى فشلى فى القيام بوظيفتى، وكونى امرأة لا يتعارض أبدا مع أى وظيفة، حتى إننى شأن كل النساء قد أضع «المانكير» إذا رغبت فى ذلك ولم أتردد أو أفكر فى أن هذا قد يتعارض مع احترامى أو تعاملى مع المرضى باختلاف أعمارهم وأفكارهم، أو مع تقييمهم أو نظرتهم لى، لأن هذا خطأ كبير واعتداء صارخ على حريتى الشخصية ولن أقبل به.. لأن الحقيقة كامنة فى شخصيتى، فهى التى تحدد إطار هذا التعامل وتفرض على من أمامى التعامل معى بنفس الجدية والاحترام. • روب المحاماة لا يسرق منى روح الأنثى الأستاذة منى، إحدى المحاميات الجميلات. فهى أم ناجحة ومحامية دءوبة، تعرفت عليها صدفة فى أحد المؤتمرات وقد أعجبت كثيرا بشخصيتها. فهى الجميلة المثقفة، المتأنقة دائماً، حتى فى روب المحاماة الأسود.. لذلك كانت من الشخصيات التى قفزت إلى ذهنى سريعا عندما بدأت بكتابة موضوعى. فقالت لى وكلها ثقة واعتزاز: قد تكون مهنة المحاماة من المهن التى نعتاد أكثر على رؤية الرجال بها، ولكن كعادة المرأة فقد اقتحمت المحاكم واقتحمت كل الصعاب التى قد تقف حائلا أمام تحقيق هدفها. ودائما ما أدعم نفسى بالثقة فى قدراتى وكفاءتى، كما تعلمت أننى عندما أرتدى روب المحاماة وأقف أمام منصة القضاء لابد أن أكون ثابتة حادة. شديدة التركيز وأنا أقوم بسرد القضية أمام القاضى، ومهما تعاملت بشىء من الجدية فهذا لا يخفى أنوثتى وهم يشاهدوننى أنثى ولكن حازمة قوية.. ولم أقبل يوما أن يضغى عملى بشكله «المسترجل» أحيانا، على طبيعتى كأنثى. فدائما ما أضع البرفان والماكياج قبل خروجى من المنزل وأهتم بتناسق الألوان وأناقة الملابس، بل أحيانا قبل دخولى القاعة مباشرة أهتم بتنسيق حجابى وبمظهرى -حتى لو أخفاه روب المحاماة - كما اهتم بثقافتى وبمرافعتى أمام القاضى. فلن أكون سعيدة بنفسى إذا كنت الجميلة الجاهلة، كما لن أسعد إذا كنت الناجحة عملا، القبيحة مظهرا.. فأنوثة المرأة واهتمامها بنفسها سر قوتها.. كانت هذه نماذج لسيدات فضليات، ممن أتاحت لهن وظائفهن الراقية وضع الكراڤت، فزينّه بلمساتهن النسائية المتعددة الراقية لونا ونوعا. ولكن لا أستطيع أن أغفل سيدات وفتيات أخريات فضليات ممن يعملن بالعديد من المصالح الحكومية والمستشفيات والمدارس والمصانع، قد لا يستخدمن «الكراڤت» ولكنهن حتما يضعن «روچ».. ماركة 2ونص. •