تحت شعار أغنية وطنية لكل مواطن.. عفوا لكل حدث كانت موجة «هوجة» الأغانى الوطنية والتى بدأت منذ اندلاع ثورة يناير فى التاريخ أو التمجيد لحدث ما أو فى شخص بعينه وسواء عاشت هذه الأغانى أو ماتت فلا يحق لنا أن نغفل مدى الصدى الذى حققته كل أغنية وقت إذاعتها لأول مرة. سواء تحدثنا عن «ازاى» للكينج محمد منير. ضحكة المساجين للفنان على الحجار، «يا مصريين» لامال ماهر وغيرها من الأغانى الوطنية التى اشعلت حماس كل فرد على أرض هذا الوطن منذ اندلاع ثورة يناير حتى ثورة 30 يونيه أو تحدثنا عن الأغنية الأشهر «تسلم الأيادى» والتى جاءت كلماتها امتنانا من الشعب المصرى لموقف جيشه المصرى وصولا إلى أغنية «بشرة خير» التى أذيعت مؤخرا لتشعل الأجواء وترسم الابتسامة على وجوه كل المصريين على أمل أن يصبح القادم خيرا والباقية فى الطريق الينا خاصة فى ظل سيل الأحداث السياسية الذى بدأ منذ اندلاع ثورة يناير حتى لحظتنا هذه ومتوقع استمراره إلى أن تعود الحياة إلى مجراها وتستقر أحوال هذا الشعب.
السؤال الآن هل ستنجح الأغانى فى فرض نفسها حتى يظل أثرها كما هو مع مرور الوقت؟! أم أن أثرها وصداها مقتصر على انفجار حدث ما وأن اختفاء هذا الصدى وارد بمرور هذا الحدث كالعادة تباينت آراء مبدعينا وفنانينا الكبار خاصة فى ظل وجود هذا الموروث الغنائى الثرى لكبار مبدعينا الذين أحسوا الكلمة واستشعروا أفضل الألحان لتكن النتيجة سلسلة طويلة الأمد، قوية المفعول على كل من ينصت إليها من الأغانى الوطنية فى حب مصر والتى مازالت راسخة فى وجداننا حتى هذه اللحظة.
∎ ثلاثون أغنية
فى البداية كان حوارنا مع النجم على الحجار الذى أكد: «بمجرد أن تستقر البلاد سيعود كل شىء إلى سابق عهده، فى هذه الحالة نستطيع فقط الالتفات إلى هذه الأمور فإذا نظرنا إلى جميع الأغانى الوطنية العظيمة التى نشأنا جميعا عليها فقد كانت «نتاج الإذاعة المصرية»، أما الآن فالإذاعة لم تعد تنتج ولا التليفزيون فى حين أن شركات الإنتاج أغلقت أبوابها كنتيجة حتمية لما تسبب فيه الإنترنت من أضرار خاصة بعد أن أصبحت أى أغنية موجودة من خلاله «ببلاش» لذا لم تجد هذه الشركات أمامها حل سوى أن توقف نشاطها.
ففى عام 2000 كان هناك أكثر من 380 شركة انتاج كاسيت اليوم لم يعد هناك سوى اثنين أو ثلاثة على الأكثر وكل دورهم هو توزيع الألبومات بعد أن يقوم المطرب نفسه بإنتاجه لتقتصر مهمتهم على عملية التوزيع فأنا وغيرى من المطربين والملحنين لم نجد أمامنا سوى أن نقوم بإنتاج أغانينا على حسابنا ورغم ذلك هناك محاولات عديدة من قبلنا حتى نظل مع الحدث بكلمات وألحان معبرة عنه فمنذ 25 يناير مرورا ب 30 يونيه حتى هذه اللحظة أنا لم أتوقف عن تقديم أعمالى حتى يظل الغناء لغة حال المجتمع المصرى لذا إذا تحدثنا لن أتحدث عن غيرى بل سأتحدث عن نفسى لذلك فحسابى منذ 25 يناير هو ما يقرب من الثلاثين أغنية بما فيهما أغانٍ لأشخاص بعينها مثل مينا دانيال وأحمد حرارة وخالد سعيد وفى ذكرى 25 يناير 2012 قدمت ضحكة المساجين وقدمت الميدان وغيرهما من الأعمال التى أشعر بالرضا التام تجاهها ولا اشعر بأى تقصير تجاه وطنى الذى يستحق منا الكثير أما فكرة أن هذه الأعمال أذيعت أم لا فهى ليست مسئوليتى فهى مسئولية الإذاعة المصرية التى نعلم جميعا أنها فى حال كانت هذه الأعمال من إنتاجها لكان الوضع مختلفا الآن لأنها وقتها ستكون مجبرة على إذاعتها».
ويضيف النجم على الحجار لوما بسيطا لكل الفنانين الذين تحدثوا من خلال أغانيهم لصالح شخص ما لأن الغناء لا يكون غناء إلا إذا كان للوطن ومن أجل الوطن».
∎ الفوضوية. العشوائية
أما النجم هشام عباس فقد صرح عن وجهة نظره فى إيجاز قائلا: «على حسب كل أغنية كلماتها، مضمونها باختصار بتقول إيه؟! فعلى سبيل المثال أغنية (أزاى) للكينج محمد منير والتى تم تصنيفها من أغانى الثورة على الرغم أنها لم تكن تعبر عن الإحساس المصرى بقدر ما كانت تعبر عن إحساس الشاب المتمرد الذى تركته البلد وإصراره على أن يراها فى يوم ما كما حلم وتمنى لها والحقيقة أنها حققت صدى كبيرا وقت عرضها، أغنية أخرى (فى كل شارع فى بلادى) لفريق كايروكى، هذه الأغنية أيضا حققت صدى ومازالت متمسكة بهذا الصدى، (أه يا غالية) هذه الأغنية عندما قدمتها كانت تعبر عن مصر وفى حب مصر، على عكس أغنية على سبيل المثال مقدمة خصيصا لحدث معين مثل شهداء 25 يناير فهى مقدمة لكل شهيد وأعتقد أنها قدمت هدفها وبعد فترة ستنتهى، ولكن وسط كل هذا هناك سبب رئيسى وراء ذلك ألا وهو حالة الفوضوية والعشوائية التى أصبحنا عليها الآن فكل منا يشعر بإحساس مختلف عن الآخر وبما أن الفن جزء لا يتجزأ من المجتمع فهذه الحالة ستنعكس شئنا أم أبينا على المزاج والحالة الغنائية فى مصر ليصبح من الطبيعى أن تبدو أحيانا متخبطة وأحيانا بها شجن إلا أنه وبمجرد أن تستقر البلد حتى نبدأ فى الغناء للبلد سيبدو الفارق حيث تبدأ فى الظهور العديد الأغانى الصحية الباقية على سبيل المثال أغنية (تسلم الأيادى) فهذه الأغنية ترجمت حالة عامة لكل المصريين حبهم وامتنانهم لجيش بلادهم الذى لطالما وأبداً سيظل هو المدافع عن أرض هذا الوطن فى أشد المحن تجده صامداً لديه الحل أما فيما يخص أغانى الثورة فهى أغانٍ نابعة من إحساس مبدعيها من الشباب ممن قاموا بثورة يناير فيها ستجد رغبتهم وأحلامهم ووجهة نظرهم أيضا هناك (بشرة خير) أغنية حلوة جمعت شمل المصريين قد نتساءل لماذا من يقوم بلم الشمل خليجى وليس مصريا ولكن من الممكن التغاضى عن هذه الجزئية خاصة أننا جميعا نعشق صوت الجسمى وأنا شخصيا احب صوته ونشعر به واحدا منا دائما».
∎ استنكار
ومن جهته فقد عبر الفنان الكبير محمد ثروت عن رأيه قائلا: «كل عصر وله عطاؤه وبالتأكيد هناك أغانٍ خالدة وموجودة حتى وقتنا هذا سواء كانت خاصة بى أو بغيرى من أبناء جيلى والأجيال السابقة ولكن بالتأكيد هناك أعمال جيدة خاصة بهذا العصر من أبرزها يا مصريين، الشهيد والتى تغنى بها الطفل ففى جميع الأحيان كان المصريون وسيظلون قادرين على خلق تيمات وألحان جديدة وجيدة بأنفسهم، فالأغانى فى كل الأحوال تعبر عن حالة نفسية ودرامية للمجتمع وبالتالى دعونا نترك الناس تعبر بالشكل المناسب عن تلك الحالة فأنا بدأت استشعر حالة من الاستنكار للمشاعر والأحاسيس فمن حق الشباب التعبير عن أنفسهم دون أدنى مقارنة».
ويضيف محمد ثروت: «من وجهة نظرى وتحديدا فيما يخص أغنية بشرة خير أحدث تلك الأغانى الوطنية محور حديثنا فهى بمثابة حالة من البهجة فمن حيث الألحان والكلمات فهى ممتازة أدت رسالتها فمن خلال مدتها الزمنية كانت مخاطبة مباشرة للمواطن المصرى من أجل التعبير عن صوته دون التهاون فى حق من حقوقه وعبر عن ذلك عمرو مصطفى بجملة بسيطة بوضوح تام فى الرؤية،الحقيقة أن حسين الجسمى كان موفقا بتقديم الأغنية برشاقة وخفة دم صوته، معبرا عن الكلمات واللحن وتحية لمخرج العمل الذى رصد أمنية البهجة عند الشعب المصرى فسواق الأتوبيس بيرقص والسيدة المسنة ترقص فهذا الرقص نابع من أمنية لديهم بالسير دون الشعور بالخطر القادم والرغبة القوية فى الشعور بالأمان، فهم لم يرتدوا بدلة رقص بالمناسبة فهم فقط حركوا أجسامهم فقط، فعلى سبيل المثال عندما أغنى (بلدى) بدار الأوبرا أسعد كثيرا عندما أشاهد الجمهور يرقص على أنغامها، حقيقى غنوة حلوة وغيرها من الأغانى الحلوة قد لا تكون أغانى العمر لا يجوز الوقوف عند هذه النقطة خاصة أننا سعدنا بها وحققت الهدف منها.
∎ غناء كثير وعمل
وهكذا كان رأى المؤلف الموسيقى «تامر كروان» الذى أكد: «لست مندهشا ولا داعى للاندهاش فنحن مؤخرا كنا نغنى كثيرا وفى المقابل نعمل قليلا ومع كثرة الغناء تصبح النتيجة اختفاء تأثير الأغنية تدريجيا بمرور الوقت فمع مطلع الخمسينيات والستينيات حدثت الطفرة فى الغناء الوطنى فقد كان بالأمر الجيد على المجتمع لذا كان تأثيره قوياً للغاية، فالغناء دائما وأبدا مرتبط بحالة المجتمع لذلك ونظرا لتغير الذوق العام وربما أننا أصبحنا فى عصر السرعة، حيث سرعة الأحداث وبالاضافة إلى تشتت الإحساس الوطنى فإذا بالعديد من الاتجاهات المختلفة المعبرة عن وجهة نظر وإحساس صاحبها مترجمة فى كلمات وألحان على مر الأجيال سواء من الشباب أو الجيل الذى يسبق نجومنا الكبار، هذا على عكس الماضى فالمشروع بين أبناء هذا الوطن كان مشروعا قوميا صاحب اتجاه واحد ومحدد لكل أبناء الشعب وهذا بالتأكيد ظهر جليا من خلال كلمات أغانى تلك الفترة الزمنية فعندما سألت لماذا لم أقدم موسيقى عن الثورة طوال الفترة الماضية أجبت فالثورة مازالت قائمة لذا فلابد من التشبع الجيد منها إلى أن يحين الوقت لتقديم العمل المناسب الذى يليق به هو الوقت نفسه الذى يصبح فيه الجميع بحاجة إلى الاستماع لعمل موسيقى وغنائى يؤرخ لكل ما مر علينا من أحداث».
∎ فى المطلق
أما الملحن والموزع الموسيقى «هانى شنودة» فقد جاءت وجهة نظره كالاتى: «بشكل عام فالأغنية الوطنية لا تقتصر على مدح مصر والمصريين بل لابد أن تمتد إلى المحافظة على النيل وعدم الإصراف فى استخدام الكهرباء وحث المصريين على التمسك بالأخلاق القويمة فى الشارع المصرى فالعيب الاساسى لدينا هو اقتصار الأغانى الوطنية على محادثة مصر والمصريين فأنا على سبيل المثال أقوم حاليا بالتجهيز لأغنية جيدة تحمل اسم (قسم النيل) والتى من خلالها أرسل رسالة مباشرة للحكومة لحل مشكلة سد النهضة وحث الشعب على عدم تلويث مياه النيل والإسراف فيها، فهناك العديد من الأغانى الوطنية التى قدمت وقد يبدو فى مضمونها نوع من النقد وإن كان بالنقد الفعال للحث على حل مشكلة بعينها حتى تصبح مصر الأفضل فمثلا أغنية مثل أغنية (زحمة) لعدوية فأنا أجدها أغنية وطنية لسبب بسيط ألا وهو أن الحكومة عقب إذاعتها بخمسة عشر يوما وعقب الصدى الذى حققته اضطرت لفرض الانضباط فى الشارع المصرى فالحقيقة أن أزمة مصر فى الزحمة والتى على أثرها أحجمنا عن الكثير من الأشياء فهذه الأغنية كانت بالتنويه لحل الأزمة التى كادت أن تفسد علينا الكثير من الأمور».
ويضيف شنودة: أما فيما يخص جزئية استمرار تأثير الأغنية الوطنية من رحيلها فدعونا نتفق أن كل معنى مطلق هو سبب رئيسى وراء بقاء أى أغنية وطنية على العكس عندما نقدم أغنية لحث المواطنين على المشاركة فى الانتخابات أو لأى هدف آخر أو تأريخا لحدث بعينه بمجرد أن ينتهى زمن هذا الحدث بمجرد أن ينتهى تأثير أى أغنية وطنية وتنسى تدريجيا فمثلا عندما نتحدث عن معنى عام على سبيل المثال (مصر تتحدث عن نفسها) هذا المعنى كان وسيظل باقيا إلى الأبد « احلف بسماها وبترابها» للعندليب خالدة حتى هذه اللحظة على عكس أغانٍ أخرى أعتقد أن ترددها لم يعد كما كان من قبل، أيضا أغنية (يا بوى يا مصر) للفنان محمد الحلو باقية حتى الآن أما إذا قلنا ولا يهمك يا ريس من الأمريكان انتهى».
∎ أغانٍ ملتوية..
ويؤكد على حديث هانى شنودة الملحن الكبير صلاح الشرنوبى: «كل أغنية كان الهدف منها التعبير عن حالة معينة فهى أغنية ستأخذ حالتها ووقتها وتنتهى فالأغانى التى تعيش هى الأغانى المطلقة فى حب الوطن، كما أن اللحن من أهم عوامل بقاء الأغنية الوطنية أيضا الكلمات فمثلا أغنية (يا حبيبتى يا مصر) أغنية فوق كل الثورات وكل الأحداث أيضا (مصر التى فى خاطرى، يا أغلى اسم فى الوجود «مصر هى أمى» وغيرها من الأغانى الخاصة بالوطن جملتها الموسيقية لا استفزازية فكل ما نشهده الآن وننصت إليه من أغانٍ ما هو إلا حالة من البهجة لن تحمل اسم ثورة يناير أو 30 يونيه على مدى الدهر لأن بعضها وليس جميعها قائم على الحالة العصرية السريعة البعيدة كل البعد عن القوام الطبيعى أو الكلاسيكى للأغنية الوطنية صحيح رقصت الشباب لكنها تفتقد للقوام الطبيعى للأغنية الوطنية فهى أغانٍ ملتوية الجملة الموسيقية لذلك لن تصبح موسيقى حقيقية راكزة باقية وللأسف فمن الصعب أن تعيش».
ويواصل حديثه قائلا: «ولكن هذا لا يمنع وجود أغانى جيدة وعلى المستوى أذكر منها (يا مصريين) لآمال ماهر وأغنية الشهيد فهى أغانٍ مميزة أيضا (تسلم الأيادى) فهى أغنية كانت مهمة ومناسبة للظرف الذى قدمت من خلاله لرسم البسمه على وجوه المصريين رغم أنها كانت موجهة لشخص بعينه إلا أنها لمست قلوب المصريين أما إذا جئنا إلى أغنية (بشرة خير) فاعتراضى الوحيد أن يقوم غير مصرى بالغناء ومشاركة المصريين فرحتهم فأين هم أبناء الوطن؟! فهذه الفرحة كان يحق لها أن تأتى من قبل أحد مطربينا المصريين للتعبير عن فرحته بوطنيته وشعبه وبلده وأحداث بلده بالتأكيد كانت الفرحة ستختلف وصداها وتأثيرها سيكون أقوى بالتأكيد».