ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الاثنين 2 يونيو في بداية التعاملات بالبورصة العالمية    تراجع غير مسبوق في أسعار الدواجن اليوم الإثنين 2-6-2025 في محافظة الفيوم    تراجع جديد في سعر الفراخ البيضاء الآن.. أسعار الدواجن اليوم الإثنين 2-6-2025 صباحًا    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصي تحت حماية شرطة الاحتلال    فوز المرشح القومي كارول ناوروتسكي بالانتخابات الرئاسية في بولندا    رسميا، ثلاث أندية تحجز مقعدها في كأس العالم 2029    النيابة تعاين مصنع ملابس نشب به حريق في المرج    ما هي خطوات إنشاء حساب إلكترونيا للتقديم لأولى ابتدائى للعام الدراسى 2026 ؟ اعرف التفاصيل    شاب ينهي حياة والده بطعنة زجاج بسبب خلاف على «توك توك» في شبرا الخيمة    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    الجيش الروسى يسيطر على بلدة جديدة بسومى    ارتفاع أسعار النفط بعد قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج    مقتل 12 جراء حريق اندلع بمنشأة لإعادة تأهيل مدمني المخدرات في المكسيك    رفع درجة الاستعداد القصوى في الأقصر لاستقبال عيد الأضحى    رئيس تشيلي: فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. تحذير جوى بشأن حالة الطقس: «ترقبوا الطرق»    أرملة إبراهيم شيكا ترد على أنباء مساعدة سعد الصغير للأسرة    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    نصائح من وزارة الصحة للحجاج قبل يوم عرفة    «هنقطع في هدومنا عشان زيزو!».. طارق يحيى يفتح النار على مجلس الزمالك    وزير التجارة الأمريكي: ترامب لن يمدد تعليق سريان الرسوم الجمركية    هزة أرضية تضرب الجيزة.. وبيان عاجل من الهلال الأحمر المصري    وزير الخارجية الإيراني يزور القاهرة لبحث قضايا ثنائية وإقليمية    تعاون مصري إسباني لتطوير محاصيل الأعلاف المبتكرة في الوادي الجديد    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    المتهم الثاني في قضية انفجار خط الغاز بالواحات: «اتخضينا وهربنا» (خاص)    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    "غير كده معتقدش".. أكرم توفيق يعلق على انضمام زيزو إلى الأهلي    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    4 إصابات في تصادم دراجة نارية بسيارة ربع نقل في الوادي الجديد    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    بدء التقديم الكترونيًا بمرحلة رياض الأطفال للعام الدراسي 2025 - 2026 بالجيزة    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الاثنين 2 يونيو 2025    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    هل يحرم قص الشعر والأظافر لمن سيضحي؟.. الأوقاف توضح    شريف عبد الفضيل: رحيل علي معلول طبيعي    رئيس قسم النحل بمركز البحوث الزراعية ينفي تداول منتجات مغشوشة: العسل المصري بخير    قد تسبب الوفاة.. تجنب تناول الماء المثلج    أستاذ تغذية: السلطة والخضروات "سلاح" وقائي لمواجهة أضرار اللحوم    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    عماد الدين حسين: إسرائيل تستغل ورقة الأسرى لإطالة أمد الحرب    غلق مطلع محور حسب الله الكفراوى.. اعرف التحويلات المرورية    مين فين؟    أحمد زاهر: تعرضنا لضغط كبير ضد صن داونز وهذه البطولة تعب موسم كامل    يورتشيتش: بيراميدز أصبح كبير القارة والتتويج بدوري أبطال أفريقيا معجزة    محافظ كفر الشيخ: إنهاء مشكلة تراكم القمامة خلف المحكمة القديمة ببلطيم    هل صلاة العيد تسقط صلاة الجمعة؟ أمين الفتوى يكشف الحكم الشرعي (فيديو)    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    شروط التقديم لوظائف شركة مصر للطيران للخدمات الجوية    عدد أيام الإجازات الرسمية في شهر يونيو 2025.. تصل ل13 يوما (تفاصيل)    أخبار × 24 ساعة.. إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص من 5 ل9 يونيو    قبل العيد.. 7 خطوات لتنظيف الثلاجة بفعالية للحفاظ على الطعام والصحة    وزير العمل يعلن موعد إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص    هل يمكن إخراج المال بدلا من الذبح للأضحية؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلة غناء عبدالحليم
نشر في صباح الخير يوم 22 - 04 - 2014

كلما تلد النتيجة أمامى بليلة شم النسيم حتى أجد القلب يسافر بالخيال إلى ليلة غناء عبدالحليم حافظ.. وغناء هذا الفنان هو رحلة لتنقية الأعماق من أوحال اليوم المجنون، ولنعترف أن معظم أيامنا مجنونة، لا أنسى أبداً حكايات عبدالحليم عن الخالة نعيمة، تلك التى كانت تسكن الحلوات وتمت بقرابة ما لعبد الحليم ابن بهانة عماشة التى ولدت عبدالحليم ثم سافرت إلى خالقها، ليرضع عبد الحليم حافظ من أى ثدى به قطرات من لبن، فهو اليتيم الذى تتصدق الفقيرات بوضعه على ثديها لعله يكف عن صراخ الجوع، وكأنهم كان يعلمون أن صراخه هذا، هو النداء الأول لأى امرأة كى تضمه لصدرها، فلم يكن صراخه عادياً، بل يبدو كهمس ونداء أن تنظر العيون الأنثوية إلى المصدر الذى يأتى منه، لتكتشف هالة قبول تجعل عيونك تنطق قبل شفتيك «تبارك الخلاق»، كانت الخالة نعيمة تقسم لى بأن ما تقوله هو الحق.

وكنا نجلس فى القسم الأيمن من الدور الذى شغله عبدالحليم حافظ بالعمارة المملوكة لصندوق معاشات ضباط القوات المسلحة وتطل على حديقة الأسماك، فقد أمر جمال عبدالناصر بتخصيص سكن يليق بمطرب 23 يوليو فكان له هذا الدور فى تلك العمارة الرائعة، وحين تدخل من باب شقة عبدالحليم تكتشف أنك أمام حضارتين مختلفتين، فالدور مقسم إلى شقتين، الجانب الأيسر له باب يقودك إلى مناخ الحلوات، حيث الكنب البلدى والطبلية والجو شديد الشعبية، أما الجانب الأيمن فهو يخص عبدالحليم، وهو القسم الذى أشرف على تأثيثه فؤاد سراج الدين مؤسس حزب الوفد المعاصر وسكرتير حزب الوفد أثناء رئاسة مصطفى النحاس، وليغفر لى أصدقائى من عشاق الوفد من موقفى الشخصى الكاره لفؤاد سراج الدين، وأتذكر أنى ناقشت عبدالحليم فى تلك الكراهية، فطالبنى بالنسيان، تماماً كما نسى هو حكاية تبرع بعض من أثرياء الزقازيق بملابس الفريق الموسيقى للملجأ، وكيف كانت المعارك تدور بين أبناء الملجأ حول البنطلونات المتسعة أو الضيقة، فالكل يكره البنطلونات الضيقة حتى لا تبرز ملامح الجسد بما يشكك فى رجولة الصبى، وكانت لعبة الكومى تدور حول البنطلونات، وكيف كان يتعمد الخسارة للشرسين القادرين على الانتصار عليه إن دخل فى معركة معهم، وكان عبدالحليم يضحك وهو ينظر إلى السجادة الشينواه الزرقاء التى تفرش الأنتريه بأكمله، ويؤكد أن غرفة المكتب اشتراها من مزاد أحد أفراد الأسرة المالكة، أما السرير فقد اختاره فؤاد باشا سراج الدين، ولكن الدكتور يسى عبدالغفار مؤسس دراسات الكبد فى مصر فهو الذى أصر على أن يكون السرير مرتفعاً من ناحية الرأس كى لا يسمح للنزيف بأن يسبب له «شرقة» لو هاجمه ليليا أثناء النوم، وينظر إلى المرآة، ويذكرنى كيف اشتراها بعدة مئات من الجنيهات فهى صناعة بلجيكية كاملة، ومعلقة على الحائط أمام السرير مباشرة، ويمكن أن يرى فيها صورته وهو راقد، وقد حاول فؤاد سراج الدين أن يستعيدها بأضعاف أضعاف ثمنها بدعوى أن هناك صاحبتها الأصلية باعت شبيهة لها لأسرة كبيرة، والأسرة الكبيرة تريد أن تكون لديها المرآتان، وهنا قال عبدالحليم لفؤاد باشا «أنا على استعداد لشراء المرآة الشبيهة لها مهما كان ثمنها».

أتذكر أن «الخالة نعيمة دخلت علينا غرفة المكتب حيث نجلس فقام عبد الحليم ليحتضنها ويقبلها، وصحبتنى من يدى لتدعونى على فنجان قهوة من صنع يديها فأنا فى نظرها شرقاوى مادام أبى مولودًا فى أنشاص الرمل، يعنى أقارب الملك، فأضحك لها، لأن كل علاقة عائلة أبى بالخاصة الملكية الموجودة فى أنشاص، هو وجود واحد من فقراء العائلة يعمل كتليفونست فى الخاصة الملكية وهو من جعلنا نشاهد غرفة نوم جلالة الملك فاروق بعد أن تنازل عن العرش.

أضحك وأنا أقول للخالة نعيمة أن عبدالحليم يطالبنى بنسيان كراهيتى لفؤاد سراج الدين، هنا قالت نعيمة: «حد يحب الراجل اللى خلى الفلاحين تبيع هدومها لما دخل بورصة القطن فى سنة من السنين، «عام 1951» ليرفع سعر قنطار القطن لخمسين جنيه»، وبعد ما باع هو والأغنياء اللى زيه وقع سعر قنطار القطن لسبعتاشر جنيه»، قال عبدالحليم: ما هو الرئيس عبدالناصر الله يرحمه أخد من الأغنياء دول كل حاجة».

كانت الخالة نعيمة تنظر لى وكأنها تسألنى عن سر كراهيتى لفؤاد باشا سراج الدين وأمثاله، فحكيت لها ونحن نجلس على الكنبة البلدى وبيننا «السربتاية» بينما عبدالحليم يشرب الشاى «الإيرل جراى» الذى يفضله جالساً على كنبة مقابلة، رويت للاثنين «الخالة نعيمة وعبدالحليم» كيف ذهبت بصحبة أبى إلى مبنى رئاسة الوزراء فى حى بولكلى بالإسكندرية لندفع ما قيل عن «إكرامية» مقسمة فى ثلاثة أظرف، فى كل منها خمسون جنيها، الأول كتبرع من والدى لحزب الوفد، والثانى لمكتب زينب هانم الوكيل حرم النحاس باشا والثالث لمكتب طبيب النحاس الخاص الذى تمت ترقيته لمنصب وكيل وزارة الصحة، وذلك لإلغاء قرار نقل أبى من الإسكندرية إلى قنا عقاباً له لأنه أسقط نائب حزب الوفد فى حى محرم بك بالإسكندرية، وكان ذلك يعنى تشتيت الأسرة، فخلعت أمى أساورها الأربعة الذهبية وتم بيعها على وعد من أبى بتعويضها ، فضلا عن نقود «جمعية» أقامتها أمى على عجل لاستكمال المبلغ، وعندما وصلنا إلى مبنى رئاسة الوزراء، كان فؤاد باشا ينزل من سيارته الكاديلاك رقم مائة وتسعتاشر، ويرتدى جاكيت شراكسكين لونها بمبى، وأنزل طربوشه ليناوله لواحد من السكرتارية ، وتواكبت على يديه الاثنتين أعداد ترغب فى تقبيل اليد، وكنت أسمع صوت أبى وهو يهمس «أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض»، وقالت الخالة نعيمة لو كان الأغنياء دول فضلوا ما كانش عبدالحليم بقى عبدالحليم اللى بيغنى للسد العالى والاشتراكية وجمال عبدالناصر» أقول لها ولكن جمال عبدالناصر مات يا خالة نعيمة.. قالت: لكن اللى عمله خلى الناس تحس بكرامتها، كان عبد الحليم يوافق الخالة نعيمة فقد أحب عبد الناصر كسبب لوجوده على القمة التى اعتلاها، ونظر إلى السادات بكل ريبة لتحاشى غضبه ونقمته، أتذكر كيف أمسك بالجيتار وهو فى انتظار بليغ حمدى ليلحن أغنية «عاش اللى قال الكلمة بحكمة فى الوقت المناسب»، وهى الأغنية التى رفض كمال الطويل تلحينها، وأصر على أغنية «خلى السلاح صاحى .. صاحى».

كان قلب الخالة نعيمة يرقب صعود الأثرياء من جديد ، فنحن فى عام 1974، وكانت تقول لعبدالحليم «لولا الملك الحسن الله يجبر خاطره كان علاجك مش حايتم فى بلاد بره»، وكنت أشك فيما قاله عبدالحليم يوم الثامن عشر من أكتوبر 1973 حين أرسل له الملك الحسن بدلة شمواه تشبه ملابس الصاعقة ليغنى بها، وأمام سيارته المرسيدس التى أرسلها الملك الحسن أيضا قال عبدالحليم «مفاوضات السلام حاتبتدى بعد شوية، ماهو لازم بعد الحرب يبقى فيه تفاوض»، كنت أظن أنه يدعى معرفة ليست له، ولكن يبدو أن حواراته مع الملك الحسن والذى كان جسر تواصل بين السادات وبين إسرائيل كان يعلم بترتيبات تجرى لا نعلم عنها نحن شيئا.

كان عبدالحليم يحضر بروفات أغنية «قارئة الفنجان»، وكنت ألحظ الفجوة التى نشبت بينه وبين كمال الطويل ، فكمال يطلب من الجميع عدم التنازل عن حقوق ثورة 23 يوليو، ويعانى من مرارة تغيير السادات للنشيد الوطنى، وكيف أسند المهمة لمحمد عبد الوهاب، بينما كان النشيد الوطنى منذ عام 1956 هو «والله زمان ياسلاحى.. اشتقت لك فى كفاحى، إضرب وقول أنا صاحى، ياحرب والله زمان. والله زمان على الجنود.. زاحفة برتعد رعود.. حالفة تروح لم تعود إلا بنصر الزمان».. الشعب بيزحف زى النور الشعب جبال الشعب بحور، بركان غضبان بركان بيفور زلزال بيشق لهم فى قبور؟. قال عبدالحليم «السادات غلطان علشان غير النشيد الوطنى، لكن عبد الوهاب لطش كل الجمل اللى فى النشيد وحطها فى نشيد« بلادى.. بلادى»، وكنت أقول «لكن صلاح جاهين تنبأ بما حدث فى أكتوبر، فقد حقق هذا الجيش نبوءة صلاح جاهين، وعلينا ألا ننسى أن هذا الجيش أعاد بناءه جمال عبد الناصر».

كان يضحك ويقول «ماهو ما نقدرش نصحى جمال عبدالناصر من قبره علشان يحكم بعد ما عبر الجيش قناة السويس.. أمريكا صعبة يامنير يا عامر، والروس ما ساندوش السادات زى ما كان بيحلم، والناس تعبت».

فى قارئة الفنجان كان صوته يغنى صعود طبقة ستحاصرنا لنرى جمودا أقرب إلى الموت، ليموت عبدالحليم بعد أن شاهد ميلاد تلك الطبقة التى كانت أكثر شراسة من طبقة فؤاد سراج الدين وأحزاب ما قبل يوليو.

قالت ياولدى لا تحزن هو المكتوب ياولدى.

الحب هو المكتوب ياولدى..

ياولدى قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب
وبقى العدل متضائلا كأنه يصغر تحت سعار القطط السمان التى صارت حيتانا ثم ديناصورات، لينفجر الناس فى الخامس والعشرين من يناير ب «صورة .. صورة» وبلدى يابلدى، والله إحلويت يابلدى . وبأحلف بسماها وبترابها .

حين كتبت مذكرات عبد الحليم على صفحات صباح الخير بكل تفاصيلها، ومن بعد وفاته أنهيت المذكرات بالقسم أن هذا الجميل لم يمت لأنه يولد من كل قصة حب، وهاهو قد ولد عبر أغانى الميدان سواء فى الخامس والعشرين من يناير أو الثلاثين من يونيو، ولكن ما بين رحيله وعودته إلى الحياة، كانت الطبقة التى امتصت ثروات المصريين قد استشرت وسرقت من أعمار أجيال حق الحلم ، وتركت لنا أكثر من «الخالة نعيمة» التى كانت تقول لعبد الحليم أن عليه هالة القبول، كتبها الله له، ولكن الخالة نعيمة التى تجسدت أمامى فى هيئة بائعة الخضروات التى حاصرها العجز عن علاج زوجها بقصر العينى الفرنسى حيث طلبوا منها قرابة اثنين وأربعين ألف جنيه ، وحين تدخلت شخصيا لعلاج الرجل عند الجليل حقا وصدقا أستاذ جراحة المخ محمد محيى الدين الذى عامله كأنه أهم إنسان فى بر مصر المحروسة، لأن مصر لم تفقد أبدا هؤلاء الذين يحلمون بتخليص مصر من أوحال البقاء فى السجن بين الماء وبين النار. ولكن الزوج الطيب غادرنا إلى السماء وبقيت مرارة إعادة تشكيل مجتمع لا يموت فيه الفقراء إن لم يجدوا علاجا.

أبتسم لنفسى قائلاً لعبدالحليم سنفك ضفائر المرأة الحلوة لنولدها مجتمعا لا يسحق الضعاف وسنغنى معك ما غنيته فى ذات يوم «ولا يهمك ياريس من الأمريكان ياريس حواليك أشجع رجال.. ده الصبر قاد حرايق جوا صدور الخلايق.. مايطلع الحقائق إلا عبور المحال».

قد تبدو كلماتى شديدة الحلم بما هو قادم، لكن الواقع عبر الحضارات يؤكد أن على صخرة هذا الوطن تفتت الإمبراطوريات، ففى عصرنا الحديث اندثرت إمبراطوريتان، الإنجليزية والفرنسية، بل كان المفك الذى ضرب أكبر خبطاته فى الإمبراطورية السوفيتية من صناعة «اللوع الإمبراطورى عند موسكو والعجز عن عمق الفهم عند السادات، ولكن موسكو استوعبت الدرس حاليا وهو الدرس الذى مازالت الإمبراطورية الأمريكية ترفض استيعابه منذ خروج المصريين يوم الثلاثين من يونيو، وإن لم تستوعب الدرس فلها فى دروس نهايات من سبقوها الدليل إلى نهايتها، وسيظل عبدالحليم يغنى «أحلف بسماها وبترابها» أحلف بالمدنة وبالمصنع».

وستكون بلدنا حلوة لا تنغصها لصوصية طبقة مهما حاولت استنزافنا بتزوير الدين أو تزوير الحلم بالعدل، لأن بلدنا يعشق النهار ويحب موال النهار.

كل سنة وأنت حى بيننا ياعبدالحليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.