حين تقع عيناك على العنوان قد يتراءى لك للوهلة الأولى أنه عنوان قصة أو قد يكون خطأ مطبعيا، وقد أكون أمكر من هذا وأريد لفت انتباهك وإجبارك على قراءة سطورى القادمة وبالفعل هذا هو هدفى الأساسى أن تقرأ ما سأكتبه... لأنها بقدر ما هى تجربة شخصية إلا أننى أراهن على أنها داخل عقل كل فتاة محجبة أو غير محجبة... أنها رحلة تزيد على عام تطرقت فيها ما بين إيمان كامل بالحجاب ونكران شديد له.. بين فخرى وأنا أخرج من بيتى محجبة وبين ضيقى من مظهرى المحجب المحتشم.. أنها رحلة بدأت بفكرة داخل رأسى وانتهت بسؤال دار الإفتاء.. قد تكون أصعب رحلات حياتى وأطولها وأكثرها أهمية. ولتسألنى عن كوب الشاى.. أخبرك.. ومع أنها نهاية الرحلة نسبيا إلا أنها بداية المعرفة الحقيقية لى.. سأبدأ الحكاية من نهايتها حتى أجذبك لقراءتها حتى البداية مثلى كمثل من يقرا الجريدة بداية من الصفحة الأخيرة.
تبدأ القصة حين كنت أمسك بكوب شاى ساخن وأخبر زوجى أننى سأخلع الحجاب غدا وهذا هو قرارى الأخير وفى لحظة فطت ونطتت كوب الشاى من يدى.. وقعت علىَّ وحرقت ساقى.. وقتها بالطبع تذكرت عذاب النار وأنها رسالة من الله لى حتى أتراجع عن موقفى وكأنه يقول لى إذا تحملتى حرق هذا الكوب الصغير.. تحملى عذابى فى جهنم.. ولأننى ملأت الدنيا صريخا وآهات وقضيت يومى فى السرير مع كمدات الثلج تراجعت تماما عن قرارى وصليت ركعتين واستغفرت الله تعالى ونسيت أمر الحجاب .. قد تظن أن الموضوع انتهى إلى هذا الحد .. إلا أننى وبعد شفاء الحرق عاودت التفكير مرة أخرى وقلت لنفسى ألم أمرض أو ألسع من قبل وأنا غير محجبة أنها مجرد صدفة لا أكثر، وعلمت جيدا أن أسلوب الصدمة هذا لن يوقف عقلى عن التفكير وأننى بحاجة إلى إجابات على أسئلة عقلى المتكررة حتى أستعيد إحساسى القديم بالحجاب وأخرج من بيتى فخورة بنفسى واثقة من مظهرى.
∎ لماذا ارتديت الحجاب من البداية
كانت بداية اتخاذى القرار أننى سمعت جملة من الداعية مصطفى حسنى يقول: أننا نستخدم نعم الله فى معصيته، فعلى سبيل المثال إذا أعطى الله أحدنا المال قد يصرفه فيما لا يرضى الله، وإذا أعطى الله المرأة شكلا جميلا استخدمته فى فتنة الرجال وأثرت فى تلك الجملة بشكل كبير ولأننى كنت أدرك أننى على قدر من الجمال فقد فضلت أن أستخدم تلك النعمة فى شكره وأن أحفظها لمن يستحقها.. وارتديت الحجاب ومن هنا يأتى الخطأ الذى أحذرك من الوقوع فيه إذا كنت ممن لم يرتد الحجاب بعد.. حين تتخذين القرار اقرئى كثيرا وتحدثى مع شيوخ.. خذى القرار بعقلك ليس بقلبك حتى يصبح دائم المفعول مدى الحياة.
∎ مرت ثمانى سنوات
مرت ثمانى سنوات واحساسى بالحجاب تغير لم أعد تلك الفتاة الفخورة بمظهرها الملتزم أصبحت أتوق إلى نظرات الإعجاب بشكلى وشعرى.. أصبحت أشعر أننى أكبر سنا أصبح شراء الإيشارب بالنسبة لى كابوساً.. وأصبحت أتخيل وأجرب جميع ملابسى بدون حجاب وأتخيلنى وأنا أسير هكذا فى الشارع وأحظى بإعجاب كل من يعرفنى.. أصبح الخروج بالنسبة لى ضيقا وأصبحت ثقتى بمظهرى منعدمة.. وهنا بدأت الرد على نفسى هل انتهت أسباب إعجاب الناس بى وثقتى بمظهرى.. هل نفذت كل الطرق والأسباب ولم يتبق غير خلع الحجاب.. ألا أملك داخلى أسبابا للفت الانتباه غير تلك الخصلات المتناثرة على رأسى وكم من فتاة غير محجبة قابلتها ودام إعجابى بها لجمال شعرها.. أنه ليس سبب على الإطلاق وإن ينم عن شىء فهو ينم عن ضعف وقلة حيلة وعدم إدراك كامل لقدراتى كإنسانة.
∎ حتى يعرفن فلا يؤذين
لم أحبذ ذكر الآية الكريمة ليس لشىء، ولكن لأن تلك الجملة فقط هى التى كانت ترن فى أذنى فقط... تلك جملة فى آية كريمة توضح فيما معناه أن الله أمر نساء المسلمين بارتداء الحجاب حتى لا يؤذيهم أحد فى الشارع ... بداية كنت أفسر تلك الآية على أنها تفريق عنصرى يجب ألا يؤذى أى شخص أى امراة على اختلاف الديانة والملة.. والله خالق كل النساء بالتأكيد لم يرد أن تعامل المسلمة باحترام وتنتهك حقوق النساء الآخريات، ولكننى اكتشفت أن كل الديانات السماوية توصى بضرورة التزام المرأة للزى المحتشم حتى لا تؤذى ولا تثير فتنة للرجال ثم جاء التساؤل الآخر المرأة المحجبة والمنتقبة تواجه المعاكسات والمضايقات فى الشارع أيضا، هذا بالإضافة إلى ضيقى من فكرة أننى يجب أن التزم واحتشم واتضايق حتى أعفى الرجال من الفتنة ولهذا القدر هم غير قادرين على ضبط جماح أنفسهم، لماذا لم يأمرهم الله هم بعدم التعرض للنساء ووجدت أن الله فعل، لقد أمرهم بغض البصر وقال العين زانية واليد زانية والأذن زانية، إذا فالله قد وفر لنا الحماية ولوح لهم بالعقاب مثلنا تماما.. فتوصلت إلى أن الله أراد أن يرسى قواعد مجتمع آمن سليم ولكننا نحن البشر من نفسده بأنفسنا.
∎ شخصيتى من الداخل لا تتسق مع شكلى الخارجى
وتلك كانت مشكلتى الكبرى أن شكلى الخارجى لا يخبر الناس بشخصيتى الحقيقية، فأنا أرى نفسى شخصا جريئا متحررا من أى قيد وشكلى بالحجاب يظهرنى كامرأة مستسلمة مستكينة فأصبحت أبذل مجهودا أكبر حتى أصل للناس، كما أن حقيقة وجدت ردا على نفسى إذا كان الله يريد لى خيرا فهو يريد لى أن أظهر سلمى الحقيقية وأن أصل للناس حقيقة لا بشكل ظاهرى.. ألا أخجل من ذاتى وأنا اتخذ الحجاب حجة وأقول عليه كابت لطموحى وقدراتى.
∎ أصلى وأصوم وأتصدق
سؤال لم يتوقف.. هل ينخدع الله بمظهرى الملتزم ولا ينظر إلى أعمالى فأنا أصلى وأصوم وأتصدق وأقوم بالنوافل وأصبحت أتذكر جمل رنانة مثل أن «الدين المعاملة» «وربنا رب قلوب»، ولم أصل إلى الحقيقة الثابتة إلا فى النهاية وهى أن الحجاب ليس مظهرا بل هو قناعة تحتاج إلى جهاد للنفس عظيم وأنها ليست مجرد إيشارب أخبىء به شعرى ولكنه فعل يومى يتكرر طوال سنوات عمرى يحتاج إلى إيمان محله القلب وأصبحت الجملة الأكثر تكرارا فى أذنى الآن أن «الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل».
∎ خايفة من الناس
وكان الأكثر استفزازا لنفسى أننى وجدتنى خائفة من الناس كيف سينظرون لى وماذا سيقولون من خلفى.. هل سيتقبل زوجى ووالدى.. هل سأدخل فى مصادمات ثقيلة مع أقرباء لى.. هل سيأتى عقاب الله فى أولادى وكانت تلك أشد مخاوفى.. لم أخش لقاء الله، ولم أحضر له ردود وإجابات مثل التى حضرتها لمعارفى.
وتوصلت هنا إلى أن نهاية حيرتى ستقطعها دار الإفتاء وأنه فى حالة أن قالوا لى إنه فرض وليس مجرد زى محتشم للمرأة أو عادة عربية قديمة وأننى كنت أريد أن أسمع جملة أنه عليه خلاف وأن فى هذه الحالة من حقى أن أخذ بالأيسر لى.. سأعتبر ما أنا فيه جهاد شديد مع النفس وأنها معركة ضارية مع نفسى وشيطانى وجاء هذا الرد بالمختصر المفيد
«إن الحجاب لم يختلف عليه أى من علماء الجن والإنس وأنه فريضة مؤكدة على الفتاة متى بلغت مبلغ الفتيات» أى «الحيض».
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها غير هذا وذاك وأشار إلى الوجه والكفين».. رواه أبو داوود. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً).
هذا هو الرد المختصر المفيد ولكنه بالشرح والتفسير والأدلة حوالى أربع صفحات تجمع جميعها على فريضة الحجاب.. فإذا كنت ممن تنتوين خلعه أو ارتداءه أو تشكين فيه أو يحاوطك من يشككون به، فعليك السعى والبحث حتى يستنير عقلك وقلبك وتستطيعين الإجابة على نفسك قبل الآخرين.
فى النهاية أود أن أحصنك من عبارة واحدة ستسمعينها كثيرا إذا كنت فى نفس موقفى أن «الأسئلة تفتح الباب للشيطان'' ... ردى انت على تلك الجملة بقوة وبشراسة ولا تتهاونى.. إن عدم توافر الردود وغلق العقل عن التفكير والأخذ والرد هو أحد أبواب الشيطان والإيمان بالمسلمات هى إرادة الشيطان ذاتها وإلا كان الله لم يطلب من المسلمين الأوائل اعمال العقل لمعرفة من هو خالق هذا الكون لنا وبعد استخدام عقلى أولا .. أنا لن أخلع الحجاب.