أطل علينا عيد مريم البتول، والمصريون ينسجون حياة فيها من التضحيات من أجل كرامتنا ما يندهش له الكون. وحين عمد المتأسلمون إلى حرق الكنائس كى يزرعوا الخوف فى قلوب عموم المصريين، ودعوة لأقباط مصر كى يستغيثوا بالخارج، جاء الرد واضحا'' إن حرقتم الكنائس سنشارك إخوتنا المسلمين الصلاة بالمساجد، وإن حرقتم المساجد فلسوف يصلى المصريون - مسلمين وأقباط - فى الشوارع؛ فنحن نعبد إلها واحدا.
وطبعا كانت تلك الكلمات هى السهم القاتل لمحاولات تمزيق النسيج الوطنى المصرى.
وكان صدور تلك المعانى من القيادات الكنسية الكبيرة يكشف عن طبيعة تفكير تواضروس البطريرك الجليل حقا وصدقا. فهو ابن مزيج مشترك من اثنين شرفت بمعرفة جوهر أفكارهما، وهما ''متى المسكين'' الذى حول عشرة آلاف فدان إلى واحة خضراء بإنتاج زراعى وحيوانى يقوم به الرهبان الذين يشرفون على ثمانمائة عامل أغلبهم من المسلمين، والرجل الثانى هو البابا شنودة الذى رفض تمزيق الوطن بأى فتنة مهما كبرت، فمصر تسكن فينا قبل أن نسكن نحن فيها.
وعموم المصريين يحبون مريم البتول بما يفوق خيال أى شعب من شعوب الأرض، وتجمعهم سورة مريم التى تتوسط القرآن الكريم ليجدوا فيها خلاصة النبل الأنثوى المتحمل للآلام الصعبة.
وقد لا ينتبه المصرى فى يومه العادى إلى هذا الترابط الذى يقترب من التطابق، بين حكاية إيزيس وأوزيريس وابنهما حورس الذى هزم الشرير ست بالمحبة والسلاح فى آن واحد.
فجذور كل مصرى تحمل من الفراعنة أساطيرهم، وأهمها حكاية الأم التى تلد دون إخصاب أرضى لتهدى البشرية طفلا سماويا، هكذا كانت إيزيس.
ولكن التطبيق العملى فى التاريخ البشرى لميلاد الطفل المقدس كان ليسوع المسيح عيسى بن مريم .
وعندما جاء عيد مريم البتول، تبادل المصريون التهنئة، وفى نفس الوقت كان المتأسلمون ينشرون إعلانات بالصحف الأمريكية طالبين من الولاياتالمتحدة أن تتدخل باحتلال مصر.
وطبعا كانت السخرية من تلك الإعلانات هى نفس السخرية من محاولة وضع المتأسلمين لقنبلة تحت المصحف حين استخدموا آيات الله ضد البشر، وحاولوا وضع القنبلة تحت الإنجيل حين قاموا بحرق الكنائس.
لكن عموم المصريين سخروا من التجار بالدين والوطن، وتبادلوا التهنئة بعيد العذراء البتول، وليقولوا الكلمات الفاصلة '' إن فجر المتأسلمون الكنائس فلسوف يصلى الأقباط مع أشقائهم المسلمين فى المساجد، وإن فجر تجار الدين المساجد، فلسوف يصلى المسلمون والأقباط معا فى الشوارع، فعبادة الله تصلح فى أى مكان ولن يمنعنا أحد منها مهما كان جبروت الضعف الذى يحياه.