كلما اشتدت سخونة الأحداث كلما اتقدت نار البرامج الفضائية.. بين حماس المذيعين وحمية الضيوف يتنامى صعود إيقاع الحلقة إلى أعلى أسقفها فنجد تارة من يسب بعض الأشخاص بأقسى الألفاظ النابية ونجد فى التارة الأخرى من يقذف أناسا آخرين بصفات سيئة السمعة، وبين هذا وذاك يظل المشاهد هو الضحية للغة الإعلام التى كسرت كل الضوابط والقيود وانحرفت عن الحياد والموضوعية وأصبحت منبرا لتصفية الحسابات الشخصية لمجرد اختلاف فرد مع آخر سياسيا أو فكريا ويبقى السؤال: أين الضوابط الإعلامية التى تسيطر على الإعلاميين وضيوفهم؟! عن لغة الإعلام وترديها كان لنا هذا التحقيق وسط مطالب جادة بإنشاء نقابة للإعلاميين وكيان ينظم العملية الإعلامية.
∎الضيف المنفلت
«من الواضح خلال الفترة الأخيرة أن لغة الإعلام تتسم بالعديد من الظواهر المعيبة»، هكذا قال الدكتور صفوت العالم رئيس لجنة رصد وتقييم الأداء الإعلامى والاستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة ويضيف قائلا: «أولى هذه الظواهر تتجلى فى بعض مقدمى البرامج الذين يطلقون لأنفسهم العنان بقيامهم بتصفية الحسابات مع من يخالفهم فى الرأى أو يكون موضعا للأحداث، خاصة ممن يتحدثون فى بعض القنوات لفترات زمنية مفتوحة وغير مقننة، وبالتالى لا يمكن لأى شخص يتصادف أن يكون معه أموال ويتيح لنفسه فرصة وجود منبر إعلامى أو قناة فضائية ويتحدث بألفاظ وبطريقة غير لائقة أو معيبة داخل هذه القناة؛ ثانى هذه الظواهر هو النموذج الذى نجده فى «الضيف المنفلت» الذى يستغل وجوده فى عدد من البرامج وقد يحرص على هذا التواجد بطرق مختلفة إما عبر لقاءات مباشرة كضيف أو عبر المداخلات التليفونية، وأنا أطلق عليه نموذج «الضيف المنفلت» الذى يصفى حساباته ولا يعطى الفرصة لمن يتهمهم بالدفاع عن أنفسهم.. هناك نماذج أخرى قد نراها من بعض رسائل المراسلين عندما يتم نقل بعض المظاهرات أو ردود الأفعال أو الشتائم التى تمس بعض السياسيين أو بعض الإعلاميين إما مباشرة وإما عبر اللافتات أو الهتافات التى يتم تداولها أثناء الرسائل التى يتم بثها والتى ينتج عنها مبالغات فى استخدام الألفاظ وأنا أتعجب فى الفترة الأخيرة من المبالغات التى تصدر من الضيوف مثل المحامين الذين عندما يتم تداول قضايا قانونية تمس موكليه أو بعض الذين «يتعلقون به أو يخصونه» فيتم تناولهم بألفاظ غير لائقة.
ويستطرد: «ضحية تلك المبالغات تكون الشخص الذى يتم تداوله، فمثلا أثناء دورات عمل لجان تقييم الأداء بعض القنوات تناولتنى بطريقة غير لائقة.. أى سياسى أو أى قائد ابتداء من أكبر رجل فى الدولة نزولا إلى أصغر فرد فيها يكون ضحية لهذه الممارسات، فمثلا بعد استقالة الدكتور محمد البرادعى من منصبه فى الدولة كل الذين كانوا يؤيدونه ماذا قالوا عنه وماذا تم وصفه بأبشع الصفات وبعد استقالته بساعتين ولمدة أسبوع كامل».
وأنا فى هذا الصدد أقول إن هناك نوعا من السب المعيب الذى ليس بالضرورة أن يكون كلاما غير مهذب أو ألفاظا غير لائقة، ولكن عندما يتم التشكيك فى وطنية أحد الأشخاص أو السخرية من شخص بطريقة تقلل من شأنه أو عندما يتم نسب واقعة لأحد بأنه مثلا شاذ جنسيا فهذا فى العرف الشعبى يقال عنهم ألفاظ معينة، فهذا يتسبب مثلا فى الحط من شأنهم أمام المجتمع، وهو ما هو أخطر من شتمه .. وقد يستخدم المتحدث ألفاظا معيبة وغير لائقة بصورة عفوية نتيجة للحماس.. وأود أن أشير إلى أنه أثناء الانتخابات الماضية كرئيس لجنة رصد وتقييم الأداء الإعلامى رصدت و قلت -بنص التقرير- أن هناك أحد المذيعين قام باستخدام 56 نصا معيبا وخارجا، فضلا عن تكراره بوصف السياسيين وكل معارضيه داخل حلقة واحدة من البرنامج وطالبت باتخاذ الإجراءات تجاه هذا المذيع ولم ينتبه أحد وأنا أطالب بتفعيل لجان الرصد والتقييم الإعلامى.
∎الجمهور الواعى
«حياد الإعلام لم يعد موجودا».. هكذا علقت الدكتورة ماجدة مراد رئيس قسم الإعلام بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة وتضيف: «ينبغى أن يتسم الإعلام - إلى جانب الحيادية التى نفتقدها مؤخرا- بالموضوعية أى أن يعرض الرأى والرأى الآخر، ولكن ما يعرض الآن ما هو إلا التركيز على جزئية واحدة واللغة أصبح فيها اختيارات متحيزة مثلا عندما نقول «فض» ليس مثلما يقال «مجازر»، وهو المصطلح الذى استخدمته إحدى القنوات «المنحازة» إلى فصيل الإخوان عندما كتبت على شريط الأخبار جملة: «يقوم الإخوان بمسيرات أسموها يوم الشهيد احتجاجا على «مجازر الجيش» وهو الذى، اعتبره مصطلحا تحريضيا.. وعندما يقال تحذيرات مسبقة غير «ما يقال حرق للخيام.. وهذا تحيز مرفوض».
وعن الفضائيات تحدثت الدكتورة ماجدة مراد قائلة: «الفضائيات المصرية بها كل لون، ولكن أنا ضد استخدام اللغة استخداما سيئا.. فاللغة العربية بها كل أشكال التعبير لكن دون فجاجة فلماذا كنا نحن نعارض القنوات الدينية لأنها كانت تتداول ألفاظا لا يصح أن يتم تداولها على الشاشة، غير أنهم كانوا ينسبون إلى الرسول أحاديث مغلوطة وبها شتائم وكانوا يقولون لا تتنابذوا بالألقاب وهم من كانوا يطلقون الألقاب.
وعن الضيوف الذين تتم استضافتهم فى الحلقات تقول: «نحن لدينا تصنيفات من الضيوف نعلمها جيدا فى الإعلام فمثلا هناك الشخصية الكتومة التى لا يفضل استضافتها لأنها لن تدلى بالمعلومات ويوجد أيضا الشخصية الثرثارة التى لا تكف عن الحديث، ولكن المفضل أن تستضيف الشخصية التى تمدك بالمعلومات، ولكن من تتم استضافتهم فى الحلقات هم لديهم حالات معينة ومصابون بحالات هيستيرية وحالات هوس إعلامى يلهثون على الإعلام ومتواجدون فى كل العصور وأغلب كلامهم فرقعة ونحن نعرفهم كلهم، ولكن يستعين بهم المذيعون من أجل زيادة نسبة المشاهدة والإعلانات وستكون الحلقة حديث الناس.. أنا أتصور أن الإعلامى الجيد من المفروض أن يبتعد عن ذلك لأنه من المفترض أن يقوم بإعداد برنامجه صح ويستضيف المتخصص الفاهم والمتعمق فى القضية المطروحة.
وتختتم كلامها قائلة: «مشكلتنا أنه ليست لدينا ضوابط إعلامية وحتى ليست لدينا نقابة للإعلاميين وكيان إعلامى قوى يستطيع محاسبة المتجاوزين.. إذا كان الجمهور يحاسب الإعلاميين بعدم مشاهدة برامجهم».
∎اختلاف
أما دكتورة ليلى عبد المجيد - عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة سابقا - فتختلف مع أساتذة الإعلام السابقين حيث تقول: «أنا أتابع جيدا الفضائيات والبرامج وأجد ما يقدم فى الإعلام ما لا يمثل ظاهرة فى تبادل السباب أو استخدام الألفاظ النابية، بل إننى أجد أن بعض الإعلاميين إذا وجدوا من الضيوف من تجاوز الحدود المسموح بها يحاولون إيقافه مع الاعتذار للمشاهد.
ولكن بشكل عام لا يليق بالإعلاميين أو الضيوف استخدام ألفاظ نابية أو ما تحمله من سب أو قذف لأشخاص بأعينهم، لأن من المفترض أن المذيع هنا يلعب دور الكنترول على الضيف إذا تجاوز، وهذا أصلا سلوك مرفوض لأنه ليس من المفروض أن تصل الأمور بيننننا وبين الآخرين للشتيمة والسباب والشماتة
وتستطرد: «كثير من المؤسسات تكون هى سبب مشكلة ما أو قضية ما وتترك كل القضايا المهمة والمؤرقة فى المجتمع وتقوم باتهام الإعلام وتعتبره هو الشماعة التى تعلق عليها أخطاءها، وفى نفس الوقت تنظر هذه المؤسسات للإعلام على أنه الذى سيحل المشكلة نظرا لأهميته وتأثيره وهنا تكمن المعضلة.. وفى النهاية ليس الإعلام وحده من يحل المشاكل لأن تأثيره محسوب فهو مرآة الواقع ويقدم ما يحدث من حولنا.. قد يحدث أحيانا ممارسات غير مسئولة أو مبالغة أو تهويل أو تهوين أو تزييف للوعى لبعض المعالجات، ولكن هذا لا يعنى أن الإعلام يخلق شيئا من فراغ، قد ينطوى الإعلام فى جزء بسيط منه على الأقل مما يحدث فى الواقع إلا إذا استخدم الإعلام فى الدعاية السوداء التى تزيف تماما الواقع وهى الممارسات التى يتم كشفها بسهولة، والناس إذا خدعت لفترة لن تنخدع طول الوقت، لكن فى نفس الوقت الإعلام له دور ولكن ليسبمفرده ويجب أن تعاونه المؤسسات الأخرى..