بالرغم من وصول الإخوان للسلطة لم يكن ليتحقق لولا رفض الملايين للنظام السابق وخروجهم لإسقاطه، مما أعطى هذا الفصيل الذى طالما عاش فى الظل مهمشا فى الحياة السياسية حرية دخول هذا المعترك بهدف بناء دولة ديمقراطية حديثة .. وبالرغم من تمسكهم مثل أى مصرى بشرعية الميدان ودفاعهم عنه حتى إن الدكتور محمد مرسى نزل ميدان التحرير ليحلف فيه القسم عند توليه الرئاسة وهناك فتح صدره فى حركته المشهورة بعد أن حلف أمام المحكمة لدستورية. وذلك إقرارا بالشرعية التى يمنحها الشعب مصدر السلطات لحاكمه إلا أن الوضع انعكس تماما عندما أرادت جموع المصريين والذين بلغ عددهم 33 مليونا سحب الثقة وخرجوا يطالبونه بانتخابات رئاسية مبكرة بسبب فشله فى إدارة البلاد وأخونة الدولة التى جعلت منه مجرد رئيس لعشيرته وليس رئيسا لشعب مصر.
هنا انقلب الحالوتناسى شرعية الميدان التى جعلته على كرسى الرئاسة فتعالت أصوات مناصريه بالشرعية وخرجوا يحملون شعارات «نحن مع الشرعية وسنحميها» وفى خطابه الأخير جاء بكلمة الشرعية 75 مرة متجاهلا شرعية الشعب وشرعية الميدان أمام شرعية الصندوق التى يتمسك بها وأحدث هذا الرئيس انقساما بين الشعب المصرى لأول مرة .. فما هى الشرعية التى تقسم الشعب وما هى الشرعية التى تلزمنا بالوقوف لمشاهدة البلد وهو ينهار؟ ومتى تجُب شرعية الشعب شرعية الصندوق ؟)
الدكتور سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس يجيب عن سؤال متى تجُب شرعية الشارع شرعية الصندوق؟ بقوله: «يجب أن نفهم أن الشرعية الدستورية هى انتخاب الرئيس الأسبق مبارك الذى جاء بالصندوق وفقا لقوانين وضعها مجلس الشعب المنتخب وفاز بأغلبية الأصوات ضد من ترشح أمامه وفقا للتعريف الدستورى للشرعية وأصبح الرئيس الشرعى للبلاد، بالرغم وبغض النظر عن التزوير، وعندما قامت الثورة وطالبت بإزاحة مبارك تم إجباره على التنحى من المنصب وأوكل هو ادارة البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وفقا للشرعية «الثورية»، وهى ما ترتب عليها إسقاط الدستور وعمل استفتاء على تعديلات دستورية وانتهى بانتخابات مجلس شعب وشورى وانتخابات جمهورية فجاء محمد مرسى العياط بشرعية «دستورية» والتى كان من المستحيل أن تتواجد بدون «الشرعية الثورية».
∎وهل 30 يونيو ومطالبتها برحيل مرسى تندرج تحت الشرعية الثورية التى تجُب الشرعية الدستورية؟
- فى الأساس الفرق بين الشرعيتين يأتى نتيجة صندوق الانتخاب فعندما يقوم الشعب ممن لهم حق التصويت فى الصندوق بتوكيل رسمى لشخص بأن يقوم برئاسة السلطة التنفيذية لمدة 4 سنوات، وعندما يقرر الشعب مصدر السلطات سحب هذا التوكيل كما فى 25 يناير و30 يونيو التى خرج فيها أكثر من نصف سكان مصر إذا حسبنا عدد المصريين البالغين الذين يستطيعون الخروج إذا استثنينا من الشعب الأطفال وكبار السن والقوات المسلحة التى لا يستقيم أن تترك ثكناتها سيكون بالفعل أكثر من النصف 33 مليونا حسب حسابات «جوجل إيرث» وطالبوا بسحب التوكيل وطالبوه بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ولك الحق فى الترشح ثانية ولو اختارك الشعب فهذه شرعيتك، ولكنه رفض وأمهله الجيش مهلة، ولكنه تمسك برأيه، وذلك يذكرنا بموقف شارل ديجول مؤسس الجمهورية الخامسة فى فرنسا عندما خرج عليه بعض الناس وشعر بأنه غير مرغوب فيه قدم استقالته فوراً.
∎ولكن يحاول الإخوان إظهار ما حدث من تدخل للجيش لحماية الشعب بأنه انقلاب فما الفرق بين ما هو على أرض الواقع والانقلاب من وجهة نظر علم السياسة؟
- وفقا للتعريفات العلمية والاجتماعية للانقلاب العسكرى وللثورة والتمرد فإن ما حدث يوم 30 يونيو موجة ثانية من الثورة لأن الشعب خرج ضد النظام وأراد عملية انتخابية مبكرة، وهنا كان أمامه سبيلان أولهما العنف والهجوم على الرئيس ونزعه بالقوة وأما الطريق الآخر وهو أن يوكل مؤسسة الدولة المحترمة غير المتحيزة لتكون القوة التى تنفذ إرادته، وهو ما لا يعد انقلابا من الجيش لأن الجيش هو المحرك وثانيا فالجيش لم يستول على السلطة، حيث تم تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا كرئيس مؤقت.
∎من وجهة نظر علم الاجتماع السياسى هل كان من الممكن لو استمر حكم الإخوان وخضع الشعب أن تتم أخونة المجتمع المصرى؟
- من المستحيل بأى كيفية كانت أن تستمر سيطرة الإخوان وأن يقبل الشعب المصرى تدمير دولته الحديثة لأن أخونة المجتمع كانت أبسط شىء وإنما الأخطر كان إرادة إقامة خلافة إسلامية العالمية لتشمل العالم كله ولا يكون هناك وجود لوطن فليس هناك مصر أو سوريا أو باكستان فالدولة فى نظامهم تصبح ولاية أو محافظة، ففكرة القومية والوطن غير موجودة، والدليل أن كلمة وطن نادرا ما كانت تأتى فى خطاباتهم ومصر فى نظر هؤلاء الذين يحلمون بالخلافة الإسلامية أكبر عقبة فهى أقدم دولة فى التاريخ بجيشها ومؤسسة الشرطة وقضائها وثقافتها وإعلامها، لذا كان من الضرورى أن يدمروا كل مؤسساتها.
∎الأعداد أقوى من الصندوق
أما من وجهة نظر العلوم السياسية فيحدثنا الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عن مفهوم الشرعية فيقول: الوضع الطبيعى أن الشعب مصدر السلطات ويتم قياس مدى الشرعية بمدى التفاف الشعب حوله، والذى إما يترجم بصناديق الانتخاب فى الانتخابات الرئاسية وإما برلمانية، ولكن فى الظروف الاستثنائية مثلما حدث بمصر وهو وقت ما بعد الثورة فلم تستقر القواعد والنظم لتدار اللعبة السياسية الجديدة فيفرض الدستور والقوانين المكملة بما فيها من قواعد انتخابية والموافقة العامة عليها، والمشكلة حدثت عندما أصرت جماعة على أن يتم تعديل الدستور ولا يكتب دستور جديد وأن نبدأ بالبرلمان وبالأغلبية البرلمانية تشكل الجمعية التأسيسية الدستورية فاختلت اللعبة السياسية وتمكنت مجموعة أن تفرض قواعدها على مصر وأديرت الدولة بدون اتفاق وفرضت الأغلبية، وهذا هو خطر الأغلبية فقرر الشعب الذى لم يعد الصندوق يعبر عنه أن يخرج للشارع وهذه الأعداد أقوى من الصندوق لأن المواطن الذى يذهب لصناديق الاقتراع كل ما يقوم به وضع علامة أمام الخانة وينتهى الأمر فى 5 دقائق، ومهما طال الأمر فى طابور فلن يتعدى الساعتين.. أما الخروج فى مظاهرة ضد النظام فقد تستغرق أياما لتحدى السلطة، وما قد يكلفه ذلك من مخاطرة وهو الدليل القوى على مدى الإصرار وأقوى بكثير من الصندوق ولولا عناد هذا الرئيس وإبقاؤه على حكومة هزيلة وإعطاء نفسه الحق فى إصدار إعلان دستورى جمع فيه كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفرض هيمنة الأخونة لما تحرك الشعب بهذه الطريقة، وما حدث فى 30 يونيو هو ثورة بكل المقاييس لا تقل روعة بل تزيد على 52 يناير ونفس الجيش الذى نزل يوم 25 يناير ليحمى الثوار نزل 30 يونيو أيضا لحمايتهم، فما حدث شرعية مائة بالمائة وتنحية الرئيس شرعية ثورية وهى نفس الشرعية التى جاء بها وهى أقوى من الصناديق ولنبدأ مرحلة جديدة نضع قواعد لعبة سياسية أفضل وبناء نظام سياسى مصرى قابل للدوام.
∎تمسك أنصار مرسى به تمسك قبلى
الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية يحدثنا عن الشرعية السياسية عامة فى العالم كله فيقول:
الشرعية السياسية لنظام تأتى من موافقة الناخبين على :
1- اختيار الحاكم والنظام السياسى لإصدار تشريعات وقوانين يقبل بها الشعب.
2-التزام الحاكم بعقد اجتماعى مع الشعب بتحقيق برنامج محدد تعهد به وقت الانتخابات ومحاسبته عليه وفى حالتنا فى مصر وفى غياب برلمان منتخب ومجلس شورى مطعون فى شرعيته الشارع كان الوسيلة الوحيدة لرفع إشارة حمراء للرئيس لفشله وخيانته للثورة وأهدافها التى شملت «لا» لدولة كهنوتية إخوانية دينية أو لدولة عسكرية.
3- التزام الحاكم بتعهداته وقيمه للشعب بما فى ذلك حماية الشعب واحترام القوانين والفصل بين السلطات وعدم لاتعطى عليها.
∎وماذا عن شرعية الشارع؟
- الشارع أحد مصادر الشرعية.. والاحتجاج والاعتراض وانقسام المجتمع على حاكم يجعل الحاكم يفقد الشرعية ولا يطيعه جزء مهم من الشعب. والحاكم هنا قسم الشعب ولم يوحده والمفروض أدبيا فى هذا الفشل والتجريح فى الشرعية استقالة الحاكم كما يحدث لبعض القضاة فى العديد من القضايا حفاظا على المصداقية والشرعية. الرئيس مرسى حنث باليمين وخان قسمه وتعهده بحماية الشعب واحتضن علنا قتلة وإرهابيين أعلنوا على الشعب حربا صراحة وأيدهم الرئيس، مما يستوجب توجيه تهمة الخيانة العظمى له. واحتضن الرئيس علنا إرهابيين ودعاهم لمناسبات وطنية وهذا لم يحدث فى أى بلد فى العالم. وفقد الرئيس احترام الشعب له بخطاباته التى تثير السخرية لا الاحترام.
فشرعية الصندوق لا تعنى تحمل نظام فاشل إلى الأبد يغدر بالشعب وبمصادره وثرواته فقد ضرب العقد الاجتماعى الذى قطعه للشعب وأصبح رئيساً لعشيرة وتنظيم وجماعات إرهابية ففقد مصداقيته ومكانته وشرعيته مع الشعب.
وتمسك أنصار مرسى به تمسك قبلى ولا ينتمى للدولة الحديثة فمرسى لم يحقق أى إنجازات وقسم الشعب بصورة لم تحدث فى تاريخ مصر منذ عهد الملك مينا موحد القطرين. أنصاره يؤيدون أى حاكم سواء أصاب أم فشل على طريقة انصر حاكمك ظالما أو مظلوما ولايوجد منطق لدعم رئيس فاشل.
∎لكن ثورتين فى عامين جعلت البعض يقول «مش هيعيش لنا رئيس» فما الحال لو كنا خضعنا لحكم الإخوان وماذا كان سيكون عليه المجتمع؟
- من المهم أن نفهم إذا واصل الحاكم الفاشل حكمه للبلاد سترتفع معدلات هجرةالعقول والأقليات وينتشر الفقر والبطالة والعنصرية الطائفية فلأول مرة طالت الشيعة بعد الأقباط، بالإضافة إلى تواطؤ النظام على جرائم العنف ضد المرأة وإلقاء اللوم عليها وليس المجرمين الذين كان يحرضهم النظام وإعلامه الذى يحرض الغوغاء على العنف وتصبح مصر جنة الإرهابيين الذين يحتضنهم الرئيس علنا ولن يكون المصريون مرحباً بهم فى العالم، وقد تنقسم البلاد كما حدث فى السودان وتنتشر العصابات التى تستخدم شعارات دينية لتحقيق غرائزها وجرائمها.
والأكيد أنه لم يكن سهلا أخونة الشعب المصرى الذى يميل تاريخيا للوسطية ويكره التطرف، ولذلك لم يكن المصريون مرتاحين لهذا الحكم اليمينى الإرهابى المتطرف، ولا للخطاب الإعلامى القادم من محطاته، وشعروا بالاكتئاب من وجوده ولم يفرح الكثيرون عندما فاز فى الانتخابات.