خرجت الملايين من شعب مصر في30 يونيو في مظاهرات تاريخية رصدها العالم علي المستوي الداخلي والاقليمي والدولي في سابقة لم تحدث في تاريخ الثورات المصرية وخرجت في شكل حضاري رائع سلمي, ليعبر عن آرائه في المطالبة بالتغيير بعد أن شعر أنه لم يحقق آماله وتطلعاته, وتخوفا من استمرار الحال خلال السنوات القادمة, وقد اندهش العالم بهذا الشعب المصري العظيم في خروجه الثاني الأكبر والأعظم خلال عامين تأكيدا لإرادته وبحثا عن حياة أفضل تليق به. خرجت الأغلبية الصامتة التي لا تظهر إلا أثناء الذهاب إلي صناديق الانتخابات, وخرجت العائلات تحمل أعلام مصر دون توجيه أو تلقي أوامر وتعليمات من أحد واحتشدوا في ميدان التحرير وقصر الاتحادية وقصر القبة وباقي ميادين المحافظات. خرج شعب مصر بالملايين ممن وقعوا علي استمارات تمرد والتي تذكرنا بسعد زغلول حينما ذهب للتفاوض مع المسئول البريطاني فقال له أنت لا تمثل الشعب بعدها حصل علي توكيلات وتوقيعات لكي يتحدث باسم الشعب. خرجت الأحزاب السياسية والشبابية, وفي هذا الصدد رصدت إحدي المؤسسات الدولية أن المعارضة في مصر ليس لديها وجود مكثف في الشارع, وأن من خرجوا في30 يونيو هم شعب مصر ممن لا علاقة لهم بالعمل السياسي والحزبي وهذا يؤكد أن ما حدث ليس صراعا علي السلطة بين مؤيدين ومعارضين ولكنها ثورة عائلية نظمتها حملة تمرد الشبابية. تمرد قضاة مصر في وقفة احتجاجية علي سلالم دار القضاء العالي, اعتراضا علي الاعتداء علي المؤسسة القضائية والتدخل في شئون القضاء الذي يحاكم الحاكم والمحكوم. تمرد مثقفو وفنانو مصر, وخرج وتمرد الإعلاميون ممن حوصروا في مدينة الانتاج الإعلامي, لترهيبهم فكريا. تمرد الأزهر ورجاله رافضين الاعتداء اللفظي علي فضيلة الإمام الأكبر وخرجوا ليفندون الفتاوي التي تكفر كل من يقول رأيا مخالفا أو معارضا. خرجت الشرطة المصرية لحماية الأمن والمنشآت وحماية المتظاهرين واستوعبت الدرس واستعادت العلاقة مع شعب مصر خاصة بعد قتل زملاء لهم خلال العام الماضي واستشهاد كبار رجالها برصاص الارهابيين في سيناء وخروج وإقصاء زملائهم من جهاز الشرطة دون تحقيق, وبعد الاعتداء علي الكماين ومعسكرات الشرطة والدوريات. تمردت المرأة المصرية من السيدات حفيدات هدي شعراوي وسيزا نبراوي من رائدات الحركة النسائية لثورة1919 احتجاجا علي حرمانها من حقوقها التي اكتسبتها علي مدي عهود سابقة. خرج شعب مصر من أجل الإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر2012, وقسم الشعب, والأسرة الواحدة وتم تحصين قراراته في سابقة لم تحدث في تاريخ أي دولة ديمقراطية مما ينتهك القانون والشرعية التي تمسك بها الرئيس والتي قسمت المصريين في عهده ولأول مرة في تاريخ الحياة المصرية مما أحدث انشقاقا داخل النسيج الاجتماعي. خرج شعب مصر متمردا بعد أن تدهورت الخدمات من ارتفاع الأسعار ونقص السولار والبنزين وانقطاع الكهرباء والمياه وتدهورت الحياة الاقتصادية مؤكدين أن شعب مصر لابد أن يقرر مصيره وأن العقد بين الرئيس والشعب تم الإخلال به. تمرد الشعب بعد أن سيطر فصيل واحد علي صناعة القرار ولم يجد إلا تراجعا إلي الخلف وبعد أن سيطر أهل الثقة والحظوة علي الخبرة والكفاءة علي بعض مفاصل مؤسسات الدولة. تمرد حزب الكنبة من خلال لصق الإعلام المصرية علي البلكونات ونزلت الكنبة وجلس عليها السيدات والرجال وكبار السن أمام المنازل في المناطق الراقية والفقيرة وتذكرت ثورة1919. تمرد مجلس الوزراء من خلال استقالة بعض الوزراء بعد مشاهدة الجماهير التي احتشدت في30 يونيو وما بعدها وبعد أن سقط مواطنون شهداء من بين المؤيدين والمعارضين. تمرد أهالي سيناء خوفا عليها, بعد انتشار الجماعات المتطرفة المسلحة التي فرضت سيطرتها وسطوتها علي بعض القري والأماكن وعاد الارهاب بمعناه العقائدي التكفيري نتيجة عدم صدور قرارات سياسية للقضاء علي أكثر من5000 إرهابي. تمرد الصعيد ينتفض بالملايين نتيجة التهميش وأزمة الطاقة وانقطاع الكهرباء والبنزين والمحافظات الأكثر فقرا وإقصاء وتعيين محافظين ونوابهم ومساعدين للمحافظين ودون إدماجهم في الوظائف الحكومية وخرج شعب محافظة الأقصر بعد أن توقفت أعمال السياحة وانقطعت أرزاق العاملين ومرتباتهم بعد هروب السياح وتحريم السياحة من قبل الجماعات التكفيرية الموالية للنظام. خرج المصريون من الجاليات في معظم الدول في النصف الغربي من الكرة الأرضية تضامنا مع الاحتجاجات الحاشدة في كل ميادين مصر رافعين شعارات حملة تمرد. تمرد شعب مصر لحماية المؤسسة العسكرية وجيش مصر ممن يسيئون إليه, الذي حررها من احتلال سبعين عاما في1952, الجيش الذي انتكس في67 ورد الصاع صاعين في1973 الجيش الذي رفض مشروع التوريث وانحاز للشعب في25 يناير2011 وانحاز لجموع المصريين ممن صححوا مسار الثورة في30 يونيو2013. وجاء خطاب الرئيس صادما للمصريين بعد إهماله وإغفاله لمطالب الشعب متمسكا بالشرعية التي سحبها الشعب منه نتيجة إخلال العقد بينه وبين من انتخبوه, وتجاهل الرئيس شعبا بأكمله وفي هذا السياق قال الرئيس المنتخب في ميدان التحرير في29 يونيو2012 أن الشعب مصدر السلطات, هو الذي يختار رئيسه وهو الذي يعزل رئيسه. خرج البيان من المجلس الأعلي للقوات المسلحة استجابة لصوت الشعب من منطلق إحساسه بنبض الشارع ومن منطلق مسئوليته الوطنية والتاريخية في حماية أمن وسلامة هذا الوطن مؤكدا أنه لن يكون بديلا عن أي نظام وستكون هناك خارطة مستقبل تتراوح بين تسعة أشهر وعام مع تشكيل حكومة مؤقتة لا تنتمي لأي تيارات سياسية وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وقبل كل ذلك دستور يعبر عن كل شعب مصر. استقبل الملايين الموجودون في الميادين وفي البيوت البيان العسكري بفرحة عارمة لأن جينات الشعب المصري تعشق جيش مصر, لقد أجتاز الشعب أزمته ومحنته بفضل شعبه العظيم الصبور, وجيشه السليم القوي المتوحد, القادر علي ردع القوي التي تهدد أمن المصريين داخليا وخارجيا وأخيرا بفضل شبابه الذي سيكون له دور محوري في المرحلة القادمة في بناء مصر الجديدة.