لم يتخيل أحد أن تخرج جموع الشعب المصرى بمختلف طوائفه فى يوم 30 يونية بتلك الصورة التى شاهدناها وأبهرت العالم كله.. فلم يحدث فى تاريخ مصر أو غيرها من الأمم أن يخرج شعبها فى مظاهرات حاشدة بهذه الملايين التي رأيناها فى هذه الثورة الجديدة على الحكم الإخوانى الذى فشل بسرعة فائقة فى إدارة شئون البلاد.. كتب المصريون تاريخاً جديداً أدهش العالم مؤكدين رفضهم للحكم الإخوانى الدينى وتمسكهم بدولة مدنية حديثة تقوم على المواطنة والمساواة بين الأفراد فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو الجنس.. فقد أحدثت حركة «تمرد» والقوى المعارضة السياسية والشعبية حراكاً هائلاً بطول البلاد وعرضها.. أنجب هذا اليوم التاريخى الذى يعد ثورة حقيقية وليس إصلاحاً أو تغييراً فحسب.. فقد خرج الملايين للميادين والشوارع فى حشود تضاءلت أمامها قوى الإخوان والتيار الدينى الذين احتشدوا فى ميدان رابعة العدوية.. جميع الثوار والمتظاهرين تمسكوا بمطلب أساسى وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة..لان الرئيس فشل فى أداء مهامه ولم يلتزم بوعوده وخرج علي الشرعية.. وانحاز لفصيل واحد.. أهله وعشيرته.. وتعامل باستعلاء وجماعته مع القوى الأخرى.. وحنث قسمه وخالف وعوده مع شعبه..فلم يحقق العدالة الاجتماعية أو يتعامل بشفافية.. مع إصراره على أخونة مؤسسات الدولة والوقوف صامتا أمام محاولات بعض عناصر جماعته وأنصاره لبث الفتنة والفرقة بين المصريين بالعنف اللفظى أو التحريض على العنف البدنى، وهو ما أدى لمقتل اربعة مصريين من الشيعة فى حادثة أبو النمرس الشهيرة.. الرئيس محمد مرسى استمد شرعيته من الشعب يوم انتخابه منذ عام.. ولكن هذا الشعب الذى اختاره.. هو نفس الشعب الذى يرفضه.. ويطالب بسحب تلك الشرعية التى منحها له بعد ان ثبت عجزه فى إدارة شئون البلاد.. فالشرعية لا تستمد الا من رضاء الشعب وارادته.. قوة المظاهرات التى انطلقت بصورة فريدة مدهشة..تتمثل فى حشودها الهائلة بالميادين والشوارع والقرى والنجوع..ومشاركة الشيوخ والعجائز والمعاقين وما اطلقوا عليهم أهل الكنبة الذين زحفوا فى كتل بشرية حاملة جام غضبها على الحاكم الإخوانى..ولم ينس العجائز والمسنات اصطحاب ..الكنبة..معهم للميدان.. فما أروع تلك الصورة الثورية الغاضبة على حكم الإخوان بشكل سلمى..أمام حشود رابعة المدججين بالشوم وخوذ الرؤوس.. ولم أقل بالأسلحة والذخيرة الحية. الجموع الرافضة للرئيس تمارس حقها فى التعبير والتغيير السلمي.. والقوى المؤيدة له مصرية ايضا ومن حقها ان تدافع عن استمراره على كرسى الرئاسة لأنها تجد فيه الحارس الأمين على تطبيق الشريعة الإسلامية.. والأجندة الإخوانية الأممية. شعب مصر.. مسلمين ومسيحيين.. متدينين على مدى التاريخ.. ولا يحتاج المسلمون لأوصياء على الدين.. سواء كانوا من الإخوان أو غيرهم.. ويثقون فى الأزهر الشريف القابض على وسطية الإسلام وسماحته بعيدا عن التطرف أو العنف. إذا كان بعض تجار الدين قد استطاعوا تخدير أو خدعة البسطاء والغلابة باسم الدين ..إلا أن الغالبية الكاسحة للشعب تعرف طريقها وحددت أهدافها..وتحصن عقولها ضد الأفكار الظلامية الهدامة والفتن.. وترفع شعار ..إيد واحدة.. وتتمسك بانتخابات رئاسية مبكرة.. وهذا الطريق هو أسلوب ديمقراطى سلمى.. على عكس ما يراه الدكتور عصام حداد مساعد رئيس الجمهورية الذى يقول إن هذا الطريق يدمر الديمقراطية.. لأنه بالطبع يتعارض مع توجهاته ومصالحه وموقعه.. فهل يعقل أن تكون تلبية مطالب الجماهير هى الطريق لتدمير الديمقراطية.؟! البعض يتساءل هل الرئيس مرسى.. مغيب.. أم يسخر أذنيه للمرشد وأعوانه فقط.. ولا يستمع لنداء الشعب؟ لقد تأخر الرئيس مرسى فى دعوته للمصالحة وتفعيل دور شباب ثورة يناير ومشاركته فى المسئولية.. وانحاز لفصيل واحد حتى جاءت صيحة التغيير وحان وقت الرحيل.