فى الوقت الذى بدأت فيه إثيوبيا خطوات جادة لبناء سد النهضة الذى سيؤثر بالسلب على حصة مصر من مياه النيل، تعانى معظم قرى ونجوع مصر من نقص حاد فى مياه الرى وهو ما جعل الفلاحين والمزارعين يصرخون متسائلين، إذا كانت هذه هى حالنا وحال أراضينا الآن قبل إنشاء السد فماذا بعد بنائها. وكما هو الحال فى معظم المحافظات، اجتاحت حالة من الغضب الشديد والإحباط مزارعى محافظة الشرقية بجميع المراكز، فقطعوا الطرق بعد أن ماتت زراعاتهم من العطش لانعدام وجود مياه الرى. واحتجوا عدة مرات أمام ديوان عام المحافظة.
ولم تقتصر ندرة مياه الرى هذه المرة على المناطق الواقعة فى نهايات الترع بل تعدتها إلى تلك القريبة من بدايات الترع مثل ترعة المسلمية بالزقازيق والجانبية بمركز ههيا وترعة كفر النصيرى بمركز أبوكبير التى تسير بالتوازى مع بحر مويسويفصلها عنه بضعة أمتار، والغريب أن تجد البحر مليئاً بالمياه أما الترعة فالجفاف يتصدرها.
وخلال الأسبوع الماضى قام مئات من أهالى مركز صان الحجر، بقرى الناصرية وكفر المستشار وأم شعلان والحاج أنور والبكارشة وكفر المسلمية وأم عجرم والجمالية والقصبى شرق، بقطع طريق صان الحجر الحسينية الدقهلية، احتجاجاً على جفاف أراضيهم التى تتجاوز مساحتها 20 ألف فدان وقاموا بتحرير محضر بالشرطة لتلف محاصيلهم. وتجمهر العشرات من المزارعين بمركز ههيا، مسقط رأس الرئيس محمد مرسى، أمام ديوان عام المحافظة، بسبب نقص مياه الرى، وتخوفهم من بوار أراضيهم ، خاصة مع بداية زراعة محصول الأرز الذى يحتاج إلى كمية كبيرة من المياه.
وتكرر ذلك مع مراكز أخرى مثل أبوكبير وفاقوس والحسينية وغيرها.
يقول محمد عبد الرحمن من قرية بحر البقر 3 مركز الحسينية، إن أراضيهم تتعرض للبوار بسبب عدم وصول مياه الرى فى ظلاحتياج محصول الأرز لمياه كثيرة، مما يتسبب فى خسارة فادحة لأنهم لا يوجد لديهم أى مصدر دخل آخر. مؤكدا أنهم ينتظرون محصول الأرز من العام إلى العام لتسديد ديونهم للبنوك، بالإضافة للأقساط التى يدفعونها.
وأوضح أنه فى أول موسمين زراعيين بعد الثورة لم يشعر أى مزارع بالشرقية بأى مشكلة فى مياه الرى ولم تخل ترعة واحدة من المياه طوال العام. ولكن الوضع اختلف كثيرا هذا العام، حيث بدأت معاناتهم تزيد عما كان قبل الثورة، مؤكدا أن من أهم أسباب الأزمة الشديدة فى بعض المناطق هى الوساطة والمحسوبية.
وأضاف: إن أكثر من خمسة آلاف فدان بزمام الناحية «ماتت من العطش» كما فشل نصف المزارعين فى زراعة أراضيهم لانعدام المياه، لافتا إلى أنه حتى مياه الصرف الزراعى غير متوفرة، والعاملون باليومية يجلسون فى منازلهم، ولإنقاذ ما تبقى من الزراعات التى نرويها من المصارف والمياه الجوفية.
ويقول الحاجمصطفى عبدالله: وعدد قليل فقط من المزارعين بقرى مركز الزقازيق، تمكنوا من رى الأراضى بالمياه القليلة التى وصلت خلال أيام قليلة، وحمل الحكومة المشكلة من أولها إلى آخرها.
وأوضح سليمان شحاتة، من فاقوس، أن تلك الأزمة أدت إلى عرض العديد من الفلاحين أراضيهم للإيجار ب 150 جنيهًا بدلا من 200 جنيه وطبعًا بمحايلة على المستأجرين بعد ما كانت الأمور تسير بالعكس. وتابع، أن الفلاح أصبح فى وكسة الآن ويعيش أسود أيام حياته فنحن ننتظر المياه لرى الأراضى ولكن صبرنا نفد وبنروى الأرض من المياه الجوفية اللى بتأثر على خصوبة الأرض وتضعف الإنتاجية.
ويقول رشاد محمود، قرية المصادقة: بيتى أقرب بيت للأرض، ولو الميه جات هكون أول واحد يروى لكن لحد دلوقتى مفيش ولا نقطة ميه زارت أرضنا والأراضى شققت ولا توجد مياه بالترعة الرئيسية، ولا الترع المتفرعة منها.
يضيف: الحبوب غالية وكل موسم بتغلى أكتر.. وشيكارة الكيماوى بتوصل أحيانا ل100 و120 جنيهاً، والسولار بيغلى كل سنة ومش بنلاقيه إلا فى السوق السودة، وكمان الميه متجيش.. يبقى بلاها فلاحة وزراعة نشتغل ليه ونزرع ليه والحكومة بتاعتنا نايمة ومش فى بالها. ويقول السيد همام: «عندى 5 فدادين باروا بسبب قلة الميه، وجمعنا بعض وقلنا نروح للمحافظ المستشار حسن النجار، ينقذ أراضينا اللى هى مصدر رزقنا الوحيد قبل ما تبور وقعدنا أكتر من ساعتين، ولكن المحافظ رفض مقابلتنا، روحنا لوكيل وزارة الرى ولحد دلوقتى 81 يوم مشوفناش نقطة ميه نروى بيها».
إسماعيل حمدان يعبر عن غضبه بعد تعرض أرضه للبوار وقال باكياً: «هأكل عيالى منين والحكومة سايبة الأرض تبور وإحنا مش قادرين نعمل حاجة حياتنا كلها فى الأرض والأرض بتموت عطشانة يبقى إحنا نروح نشتغل بلطجية ومجرمين بقى ومحدش ييجى يقبض علينا، ويقول القانون، لأن البلد لو فيها قانون يحاسبواالمسئولين اللى هيتسببوا فى تشريد عيالنا».
وقال حسن إسماعيل، مقيم بصان الحجر: استأجرت فدان أرض وبادفع إيجار4 آلاف جنيه فى السنة، غير مصاريف التقاوى والأسمدة والحرث وغيرها، ولما زرعت الأرض بتقاوى الأرز، اتحرقت الزرعة بعد ما نشفت من قلة المياه. وهذا ما دفعنا إلى قطع الطرق حتى يتحرك المسئولون لتوفير مياه الرى «لكن مفيش فايدة»، والأزمة تتصاعد، والغريب أن جيرانا فى بحر البقر بدأوا فى رى أراضيهم بمياه الصرف الصحى من بحر البقر وهذه كارثة كبرى على الصحة العامة وبوار الأراضى الزراعية سيؤدى إلى كارثة اقتصادية وخراب بيوتنا.
وتستغيث الحاجة سعاد، قائلة: الأرض بارت وهنموت من الجوع، وعيالنا معاهم شهادات كليات ودبلومات وعشان مفيش شغل فى البلد قعدوا يزرعوا الأرض، بس بعد ما الزرع مات فى الأرض بسبب نقص الميه، سابوا الأرض وطفشوا وقالوا هنروح ندور لنا على أى شغل ولا هنقعد هنا نموت إحنا وإخوتنا من الجوع. وكل سنة زراعة بتبقى أصعب من اللى قبلها لا سولار ولا حبوب ولا سماد ولا ميه.. هنصبر لإمتى علشان حالنا ينصلح؟.
مصطفى صالح، أحد شباب قرية الصنافين قال: أمتلك فداناً وخمسة قراريط عجزت عن توفير المياه لريها ، ففكرت فى شراء ماكينة رى ارتوازية لسحب المياه من على عمق كافٍ من سطح الأرض رحت أسأل عليها لما يأست من الأرض اللى بارت منى.. قالولى علشان الماكينة تسحب ميه باستمرار ومتعطلش معاك لازم تحفر لها لحد عمق 110 أمتار فى عمق الأرض، ولما سألت عن سعرها وسعر المواسير، قالولى إنها ب180 ألف جنيه.. هو إحنا لو معانا المبلغ ده كنا اشتغلنا فلاحين.
وأوضح حسن عبدالدايم، مقيم بقرية الناصرية، أن أراضيهم من المفترض أن تروى من ترعة الغزالى السفلى إلا أن المسئولين عن الرى فى ظل نقص المياه حرموا القرى الفقيرة من حصتها فى المياه منذ أكثر من 25 يوماً وقاموا بتوصيلها لقرى أخرى بها أراضى بعض المسئولين.
وأشار المهندس أحمد جمال المسئول الإعلامى بحزب الدستور بالشرقية، إلى أن هذا التهميش الذى يتعرض له المزارع الشرقاوى جعله يلجأ إلى استخدام مياه الصرف الصحى لرى أراضيه، مما يزيد من الكارثة التى يتعرض لها أفراد الشعب المصرى نتيجة زيادة المصابين بالأمراض المتوطنة كتليف الكبد والكلى والأمراض السرطانية، متسائلا ماذا تنتظر الحكومة، تنتظر أن يبيت المعتصمون على أسوار وزارة الموارد المائية راجين المسئولين أن يتكرموا عليهم بشىء من مياه النهر.
وأكد أنه يجب البحث عن حلول علمية وهندسية متقدمة لمشاكل نقص المياه بدلا من التخاذل والاتكال على سياسات الحرمان والمنع والتقشف التى يتعمدون تعويد الشعب عليها تدريجيا استعدادا لمذبحة الجفاف الكبرى القادمة من إثيوبيا.
من جانبه قال المستشار حسن النجار محافظ الشرقية إن أزمة مياه الرى بالشرقية بدأتتنفرج، حيث تم تغذية المحافظة بحصة إضافية تقدر بمليون ونصف المليون متر مكعب تم ضخ مليون متر مكعب لبحر مويس ونصف مليون متر مكعب لترعة الإسماعيلية، لرفع منسوب المياه فى نهايات الترع.
وفى نفس السياق أكدت المهندسة أمانى كفافى وكيل وزارة الرى بمحافظة الشرقية أنه تم تشغيل محطات الطوارئ ب(صان الحجر) وحانوت بطاقة تقريبية 21 مترا مكعبا فى الثانية بتغذية مياه الترع، وتم تشغيل محطة متحركة على ترعة تمبازا .
وأضافت أنه تم تطهير وإخلاء المعوقات بالمياه بالترع لتسهيل وصول المياه للأطراف والنهايات، وقالت إن مشكلة الرى بالشرقية أوشكت على الانتهاء، حيث لم يتبق إلا بعض المشكلات بترعة (الهجارسة) وأواخر ترع (الحسينية) ونهاية ترع (المشاعلة) و(كفر النصيرى) جارى الانتهاء منها، وأرجعت أسباب المشكلة إلى زيادة المساحة المزروعة من الأرز التى قاربت 300 ألف فدان فى حين أن الحصة المكررةللمحافظة (176) ألف فدان.؟