«نفسى مصر ترجع زى زمان، عايزين مصر تتحرر من الإخوان، الناس اللى بيضربوا يمشوا، مينفعش نعمل كده فى مصر، لازم مرسى يمشى، مش عاوزين حد يضرب فى البلد، مش عايزين شهداء تموت، احنا مش لاقيين أكل اللى ماسك البلد هو اللى بيعمل كده عشان مش حاسس بالشعب، الشعب هو اللى بيخيب البلد، لأن الناس وحشة مع بعض».. هذه التعليقات جاءت ضمن دراسة ميدانية مع عدد من أطفال الشوارع الذين شاركوا فى أحداث الاحتجاجات التى وقعت فى الشارع خلال الشهور الماضية. الدراسة أجريت على عينة من 100 طفل، بينهم 6 من الإناث، لرصد وتقييم أسباب مشاركة الأطفال فى هذه الأحداث، وأعدها فريق من الباحثين والعاملين بمأوى دار السلام لإعادة تأهيل الأطفال الضحايا بمدينة السلام، خلال فبراير الماضى، تحت إشراف وحدة الإتجار فى البشر بالمجلس القومى للطفولةوالأمومة، لوضع سياسات وبرامج لحماية ومنع استغلال الأطفال سياسياً ومعنوياً فى إثارة العنف والشغب.
ومن بين أقوال هؤلاء الأطفال التى جاءت بالدراسة حول رأيهم فى هذه الاحتجاجات ولماذا يشاركون فيها «البلد بتخرب ده حرام، فى ناس كتير واخده فلوس عشان تخرب البلد، اللى بيحرق دول بلطجية، محدش بيضرب الشرطة علشان هما إخواتنا، لازم نأخذ حقنا من الشرطة ونضربهم بالطوب، المصريين كلهم أخوات، مش عاوزة حاجة تحصل لمصر، الشرطة ملهاش ذنب محدش يرمى طوب عليهم، خلى الشرطة متضربش لأن دورها تقبض على البطجية، نفسى أتجوز واشتغل، نفسى معاملة الشرطة تتحسن معانا، لازم الشرطة تبطل ظلم، لازم ناخد حق الشهداء، الحكومة هى اللى تبطل ضرب الأول، نفسى البلد تكون مظبوطة وميكونش فيها بلطجة ولا ظلم ولا مخدرات علشان نعرف نتجوز ونخلف، لازم ننتقم منهم».. وتبين الدراسة أن هؤلاء الأطفال بلا مأوى فى الغالب، وبعضهم من المتسربين من التعليم، أو من العاملين وضحايا التفكك الأسرى والعنف.. وأوضحت الدراسة جهل العديد منهم بأسباب الأحداث ومحركيها، واعتمد معظمهم على الميدان كوسيلة للحصول على المعلومات أكثر من وسائل الإعلام.. وشملت الدراسة 85 طفلا فى الفئة العمرية من 12-15 سنة ، و35 طفلا فى الفئة العمرية من 16-18 سنة، و7 من قادة الشارع لهؤلاء الأطفال فى السن 20-25 سنة، وقال 49 طفلاً منهم أنهم بلا مأوى ، و13 طفلا أنهم أطفال عاملون بالشارع فى مهن مختلفة، كما يعيش 17 طفلاً مع أسرهم فى الشارع، و3 منهم متسربون من التعليم، أو فى نزاع مع القانون.. وجاء 97 طفلا منهم من القاهرة والجيزة من أحياء منشية ناصر، أو الدويقة أو السلام، البراجيل والسيدة زينب، مدينة نصر، وأفاد طفلان أنهما نازحان من طنطا، وطفل وافد من قنا، وجميعهم شارك أكثر من مرة فى أحداث الاحتجاجات منذ اندلاع الثورة.. أما أكثر الأماكن التى تواجدوا فيها فقال 78 طفلا أنهم دائمو الذهاب إلى التحرير، و33 طفلا بأنهم يتواجدون فى محيط الاتحادية، و 19 طفلاً أنهم يذهبون إلى شارع محمد محمود، و15 طفلا أن مشاركتهم تكون فى شارع قصر العينى.
ورداً على سؤال مع من تنزل إلى الحدث، أجاب 75 طفلاً أنهم يذهبون مع أصحابهم، أو مع المتظاهرين، أو مع أسرهم وأقاربهم، وأجاب 25 طفلاً بأنهم يذهبون بمفردهم إلى أماكن العنف.
∎حب المشاهير
وقال 36 طفلا، أنهم يذهبون للعب، و33 طفلاً ذهبوا للرقص والغناء والتسلية، و33 آخرين أفادوا أنهم ذهبوا للانتقام من الشرطة، و31 طفلاً ذهبوا مع أقرانهم وأصدقائهم، و20 طفلاً ذهبوا للعمل، و19 للمبيت، و16 للحصول على المال، و 6 أطفال ذهبوا لتحرير مصر، و6 أطفال ذهبوا للموت كشهداء والانتقام من الحكومة وضرب الشرطة، ولمشاهدة ما يحدث، ولحمل ومساعدة المصابين، وللقصاص ومن أجل دم الشهداء، ورغبة فىتغيير النظام، وأجاب طفل واحد أنه ذهب للسرقة!
ولم يخف الكثير من الأطفال أن من بين أسباب ذهابهم لميادين الأحداث، هو مشاهدة المشاهير، ومن بين هؤلاء ذكروا تيسير فهمى، محمد رمضان، إدوارد، سمسم شهاب، ريكو، سليمان عيد، تامر حسنى، مجموعة الأولتراس، على الحجار، خالد يوسف، حمادة هلال، أحمد حلمى، باسم يوسف، هالة فاخر، منى ذكى، سامح حسين، إلهام شاهين، أحمد السقا.
ورداً على سؤال عما تفعل فى قلب الأحداث، أجاب 66 طفلاً أنهم ذهبوا لترديد شعارات وطنية، و44 طفلاً لإلقاء الطوب على الشرطة، و26 طفلاً ذكروا أسبابا أخرى كالتسول ومسح السيارات، والتسلية مع الأصدقاء وبيع الأعلام، وطفلان لشرب المخدرات، وأفاد 3 أطفال أنهم ذهبوا للمشاركة فى حرق المنشآت والتخريب!
وتوضح الدراسة أن 95 طفلاً من أطفال العينة قالوا إنهم لم يحصلوا على أى أموال من أحد نظير مشاركتهم فى الأحداث، وذكر 5 أطفال أنهم حصلوا على مكافآت ومبالغ مالية من آخرين مقابل ذهابهم، وأن هذه المبالغ تتراوح مابين 100 إلى 400 جنيه أو وجبة طعام ساخنة.
ورغم إصابة 16 منهم أثناء مشاركتهم فى الأحداث، سواء بسبب الغاز المسيل للدموع أوالضرب من قبل الشرطة، أو الإصابة بخرطوش والرصاص الحى وغيره، لكن قال 62 من الأطفال أنهم أحسوا بالانتماء أثناء مشاركتهم، بينما سيطر الخوف على 12 منهم، وشعر 18 طفلاً بالألفة فى المكان، فيما سيطرت مشاعر الانتقام من الشرطة والجيش على 11 منهم.
ووصف الأطفال توقيت وطريقة هذه الإصابات بقولهم: «وأنا بجرى مع الناس رصاصة جت فى ظهرى»، «أثناء رمى القنابل على الشرطة حدث حرق فى يدى»، «كانت الشرطة تقوم بإلقاء القنابل وناديت صاحبى، وبعد كده ضربونا بالطوب واتعورت أنا وصاحبى»، «جالى اختناق من قنابل الغاز»، «اضربت بالطوب»، «اضربت من الشرطة والعسكر»، «كنا واقفين جنب القسم، قامت الشرطةضربت النار على الناس الواقفين فى الشارع»، «جالى خرطوش من مسدس من فوق سطح عمارة»، «الشرطة كانت بتحدف طوب وجت فى جنبى»، «اضربت بالطوب وأنا كنت واقف أتفرج». وقال نصف الأطفال إن من أسعفهم هم الناس فى الشارع، وقال 19 طفلا إن الإسعاف هى التى ساعدتهم، بالإضافة للأصدقاء، وقال الأطفال: كنا نجرى بزميلنا المصاب على المستشفى الميدانى أو الإسعاف أو الصيدلية أو نحاول معالجة زمايلنا بأنفسنا.
∎أحلام الميدان
وأظهرت الدراسة أن نصف هؤلاء الأطفال يحركهم ويوجههم بعض الأشخاص بالميدان، وصفوهم بالثوار، وبناس مشهورين، وأحيانا الأصدقاء والأهل.. وجاءت إجابات الأطفال عن سؤال ما الذى يمكن أن يحميك ويحمى زملاءك من المظاهرات، قال الأطفال: ابعدهم عن مكان الضرب، نستخبى من الشرطة، أخليهم وريا علشان أحميهم، أضرب الشرطة علشان دم الشهداء، تأمين الميدان مع اللجان الشعبية الموجودة علشان الشيوخما تدخلش الميدان، لازم يكون معايا سلاح خاص بى، عدم الذهاب مرة أخرى للتحرير، منروحش هناك تانى، مش هروح هناك تانى، نفسى نروح بيوتنا، نفسى فى مكان نبات فيه ونبقى مطمئنين، نضرب اللى يضربنا.
وجاءت إجابات أطفال آخرين: نفسى يلاقوا لنا شغل علشان نعيش زى باقى الناس، مروحش المكان اللى فيه الضرب تانى، لو الريس سمع كلام الناس ونفذ أوامرهم ممكن محدش يروح هناك تانى، اللى بيحصل كل يوم يخلص ويهتموا بالناس، لازم يمنعوا الأطفال يكونوا هناك، مفيش غير إنهم يمشوا الناس اللى بيضربوا ونستخبى فى المترو بعيد عن مكان الضرب.
وعن رأى معظم الفتيات جاءت الإجابات: توفير مكان كويس نعيش فيه ويحافظ علينا وياريت اشتغل وما قعدش فى البيت، نفسنا فى مكان نقعد فيه مطمئنين.. وأوصت الدراسة وزارات الشباب والرياضة والصحة والسكان والشئون الاجتماعية والثقافة والإعلام والداخلية، والمجتمع المدنى، بتوفيرأماكن مفتوحة لتقديم خدمات صديقة للأطفال بأماكن تواجدهم، يقدم من خلالها العلاج، والدعم القانونى، والمشورة والتوعية بحقوق الطفل، وخدمات الترفيه والثقافة والإجابة عن مخاوف واستفسارات الأطفال المشوشة نتيجة عدم وعيهم، من خلال هذه الأماكن تتم مساعدة الأطفال على إعادة الإدماج وكذلك مساعدة الأسر المتواجدة بأطفالها.
ووضع لافتات وإرشادات برسومات واضحة، توضح أماكن تقديم الخدمات الصحية والعلاجية، وأرقام خطوط المساعدة، وكذلك العقوبات المتعلقة بإلقاء الحجارة والمولوتوف.