تسبح الموديل فى الظل، حيث يباغتها الضوء بقوة من الجانب أو الخلف، ويولد ذلك الشجن الجميل فى موسيقى الظل والنور الذى يخطف العيون، إنها اللحظة المفضلة لدى الزميل والصديق عصام طه لتسجيل لوحته، حيث يعرض هذا الأسبوع ثلاثين لوحة زيتية بعنوان «مشاهد» فى معرضه المقام بأتيليه القاهرة.
عرفته منذ سنوات طويلة، هو فنان جاد وصادق مع نفسه وعلاقته بالطبيعة غير مفتعلة، ينقل إلينا إحساسه ممتزجا برؤيته الفنية الخاصة للموضوع الذى يعبر عنه، ويرى الزائر لمعرضه خيطا فنيا يربط كل أعماله وسيجد طريقا واحدا يسير فيه الفنان منذ سنوات.
معظم لوحاته للإنسان خصوصا المرأة يقدمها داخل المرسم وخارجه فى حياتها اليومية ويقدم بعض المناظر للقاهرة القديمة والبحر.
يعبر بأسلوبه المميز والمقتصد فى اللون والتكوين السليم بإحساسه المرهف عن موضوعه.
ويحرص على قيمة الأضواء والظلال التى تلعب دورا فى إظهار شكل الكتلة وثقلها دون الإخلال بالعلاقات وبالتكوين والرسم، هدفه الأول هو التقاط تنوع الضوء بقوته ورقته على الشكل المرسوم، ويحرص دوما فى لوحته على إيقاع الخطوط الرأسية والأفقية التى تضع تضادا مع الخطوط المنحنية للجسد الإنسانى، وتبدو لوحاته طازجة حيث لا يغرقها فى التفاصيل.. ما يميز معرضه لوحة كبيرة لابنته مساحتها متر وربع طولا ومتر عرضا جمع فيها بين مجموعتين مختلفتين من الطبيعة الصامتة تحتوى على أوانى وفاكهة وقد نجح فى خلق التكوين المتوازن وإحكام التونات من الفاتح إلى الغامق جدا، وجعل الوجه الإنسانى لابنته هو البطل فى اللوحة، والباقى موجود كعامل مساعد، وتترد الخطوط الرأسية فى الشباك خلف الموديل لتصنع جمالا مع خطوط الجسد المنحنية وتحتوى اللوحة على مجموعة مشرقة من الألوان.. وهناك لوحة بروفيل لفتاة بعنوان «انتظار» وخلفها شباك وكلها تسبح فى الظلال حيث يأتى الضوء من الخلف ويسقط على الجسم الإنسانى فيمتزج بالفورم فى وحدة واحدة، وعين الملتقى هى التى تتبع الخطوط غير المرئية.. وتبدو دوما خلفيات لوحاته مشبعة بالضوء بينما الشخوص غارقة فى الظل.
هناك مجموعة لمناظر القاهرة الفاطمية يجنح فيها الفنان أحيانا للتلخيص ويحرص أن تبدو مناظره بها روح الاسكتش ولا يصور المنظر إلا فى لحظة الضوء ليتصارع مع الظل ويخلق الدراما البصرية، وهناك ثلاث لوحات لفتيات حالمات فى حالة قراءة، وتختلف كل منهن فى وضعيتها وتكوينها ومعالجتها.
يختار دائما ألوانه لتناسب موضوعه، فتارة يعالج موضوعه ببالته رمادية وهى المفضلة لديه وفى أعمال أخرى تجد ألوانا مشرقة، إن مفتاح اللوحة وجوها اللونى هو الذى يقوده للبالته اللونية.
كنت أرى الفنان عصام طه يرسم بشكل يومى فى مجلتنا «صباح الخير» وهذا المعرض يعكس جهده وإخلاصه لفنه لسنوات طويلة مضت.. تحية له على إبداعه الجميل.