بمشاركة أكثر من قادة عشرين دولة..انطلاق "قمة شرم الشيخ للسلام" برئاسة السيسي وترامب الإثنين    ترامب يصدر توجيهاته بتوفير الأموال للقوات الأمريكية رغم الإغلاق الحكومي    محمد كمال: عودة أهالي غزة إلى الشمال رسالة قوية على تمسكهم بأرضهم...فيديو    الإمارات تحقق فوزا دراميا على عمان وتعزز حظوظها في التأهل لمونديال 2026    هاتريك تاريخي.. هالاند الأسرع وصولا إلى 50 هدفا دوليا مع النرويج    إنزو فيرنانديز يغادر معسكر الأرجنتين بسبب الإصابة.. وتشيلسي يقيم حالته    قتله وجلس بجوار جثته منتظرا أسرته.. عامل يُنهي حياة راعي أغنام في البحيرة بعد خلاف بينهما    ألمانيا تهنئ خالد العناني بانتخابه مديرًا عامًا لليونسكو وتؤكد دعمها للتعاون المستقبلي    تعرف على برنامج "السينما السعودية الجديدة" للأفلام القصيرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي    مي مصطفى تطلق ميني ألبوم جديد بعنوان "أنا النسخة الأصلية" خلال أيام    أوقاف الفيوم تكرم الأطفال المشاركين في البرنامج التثقيفي بمسجد المنشية الغربي    ما هو شلل المعدة؟ .. الأسباب والأعراض والعلاج    تصاعد اعتداءات المستوطنين على قاطفي الزيتون بالضفة الغربية    الأجهزة الأمنية بالغربية تفحص فيديو لموكب حركات إستعراضية بزفة عروسين ب بسيون    مصرع تاجر مخدرات في تبادل النيران مع الشرطة بقنا    هالاند يقود النرويج لاكتساح إسرائيل بخماسية فى تصفيات كأس العالم    اليوم العالمي للفتاة.. مدبولي: فخورون دوما بفتياتنا وسنظل نقدم لهن الدعم المطلوب    محافظ المنيا: رعاية النشء والشباب أولوية لبناء المستقبل وخلق بيئة محفزة للإبداع    مواعيد عرض وإعادة مسلسل "لينك" قبل انطلاقه على قناة DMC اليوم    رحلة .. منصة رقمية جديدة تربط التعليم بالسياحة وتفتح أبواب التراث لطلاب المدارس    هنادي مهنا أول الحاضرين في عرض فيلم «أوسكار - عودة الماموث»    بعد فوز 3 من أعضاءه بجائزة الدولة.. رئيس القومي لحقوق الإنسان: يعكس دور المجلس وريادته    تفاصيل وأماكن طرح شقق ظلال بالمدن الجديدة    وزير الرياضة يتابع الاستعدادات الخاصة بالجمعية العمومية للأهلي    مستشفى "أبشواي المركزي" يجري 10 عمليات ليزر شرجي بنجاح    وزير الصحة يبحث مع شركة دراجر العالمية تعزيز التعاون لتطوير منظومة الصحة في مصر    صوروه في وضع مخل.. التحقيقات تكشف كواليس الاعتداء على عامل بقاعة أفراح في الطالبية    مياه الغربية: تطوير مستمر لخدمة العملاء وصيانة العدادات لتقليل العجز وتحسين الأداء    محافظ الأقصر يقوم بجولة مسائية لتفقد عدد من المواقع بمدينة الأقصر    9 مرشحين بينهم 5 مستقلين في الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر ومرشح عن حلايب وشلاتين    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    وفقًا لتصنيف التايمز 2026.. إدراج جامعة الأزهر ضمن أفضل 1000 جامعة عالميًا    QNB يحقق صافى أرباح 22.2 مليار جنيه بمعدل نمو 10% بنهاية سبتمبر 2025    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    عالم أزهري يوضح حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله    رسميًا.. موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر    رئيس جامعة قناة السويس يشارك في وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الوطن    وزير خارجية الصين يدعو إلى تعزيز التعاون الثنائي مع سويسرا    نزلات البرد.. أمراض أكثر انتشارًا في الخريف وطرق الوقاية    قيل بيعها في السوق السوداء.. ضبط مواد بترولية داخل محل بقالة في قنا    معهد فلسطين لأبحاث الأمن: اتفاق شرم الشيخ يعكس انتصار الدبلوماسية العربية    تفاصيل لقاء السيسي بالمدير العام لليونسكو (صور)    الداخلية تكشف حقيقة سرقة شقة بالدقي    القنوات الناقلة لمباراة الإمارات وعُمان مباشر اليوم في ملحق آسيا لتصفيات كأس العالم    منظمة العمل العربية تطالب سلطات الاحتلال بتعويض عمال وشعب فلسطين عن الأضرار التي سببتها اعتداءاتها الوحشية    «المشاط» تبحث مع المفوضية الأوروبية جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون CBAM    غدًا.. محاكمة 60 معلمًا بمدرسة صلاح الدين الإعدادية في قليوب بتهم فساد    «الري»: التعاون مع الصين فى 10 مجالات لإدارة المياه (تفاصيل)    المستشارة أمل عمار تشارك في فعاليات القمة العالمية للمرأة 2025 في الصين    الجو هيقلب.. بيان عاجل من الأرصاد الجوية يحذر من طقس الأيام المقبلة    الرباعة سارة سمير بعد التتويج بثلاث فضيات ببطولة العالم: دايمًا فخورة إني بمثل مصر    العرفاوي: لا ندافع فقط في غزل المحلة.. ونلعب كل مباراة من أجل الفوز    زراعة المنوفية: ضبط 20 طن أسمدة داخل مخزنين بدون ترخيص فى تلا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    الرعاية الصحية: تعزيز منظومة الأمان الدوائي ركيزة أساسية للارتقاء بالجودة    منها «القتل والخطف وحيازة مخدرات».. بدء جلسة محاكمة 15 متهما في قضايا جنائية بالمنيا    أسعار اللحوم اليوم السبت في شمال سيناء    «رغم زمالكاويتي».. الغندور يتغنى بمدرب الأهلي الجديد بعد الإطاحة بالنحاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا وجود لخصومات صغيرة
نشر في صباح الخير يوم 19 - 06 - 2012

«الحكاية تلعب دورا مهما فى المجتمع الأفريقى... عندما نريد مؤاخذة شخص على سلوك اقترفه أو نجعله ينتبه إلى بعض نقائصه، فإننا لا نقول ذلك مباشرة، إننا نفعل ذلك بواسطة حكاية.. أو مثل شعبى يتفق تماما وحالته.. ولايزال هذا الأسلوب يمارس حتى الآن.. فيتعرف الشخص المعنى على نفسه فى ذلك بوضوح، لكنه لا يغضب لأن اسمه لم يذكر صراحة، بل أحيانا يكون هو أول من يضحك على ما سمع».


هذه كلمات الكاتب الأفريقى «أمادو همباطى با» وهو شاعر ومؤرخ وراوى حكايات أفريقية من الذين جمعوا كنوز الأدب الشفوى التقليدى لأفريقيا الغربية. ومن كلماته: «الصورة أو الحكاية فى المجتمع الأفريقى هى خير وسيلة لإطراء الناس أو ذكر سيئاتهم من دون إثارة غرورهم أو جرح مشاعرهم».. والحكايات الأفريقية تقدم شخصيات من البشر ومن الحيوانات أو تقتصر على الحيوانات.. وهذه الحكاية الأفريقية التى نقدمها من تجميعات الكاتب «أمادو» تظهر بعض نقائص أو سلبيات المجتمع البشرى فى كل الأزمنة.. مثل خطر اللامبالاة الفردية.. أو الجماعية أمام صراع متواضع، حيث إنه لا وجود لخصومات صغيرة، كما أنه لا وجود لحرائق صغيرة.. وكما نقول فى أمثالنا الشعبية المصرية «شرارة تحرق الحارة».. وكما نقول فى أمثالنا العربية: «معظم النار من مستصغر الشرر».

لا وجود لخصومات صغيرة


يحكى أن فى الأزمان القديمة كانت مخلوقات الأرض يفهم بعضها البعض، وكان يوجد رجل ثرى يعيش وعائلته فى قرية خصبة. كانت لديه مجموعة من الحيوانات التى تآلفت معه وعائلته ولها حرية التجول داخل السياج العائ

ذات يوم كان على الرجل أن يذهب إلى قرية تبعد كثيرا عن قريته ليقدم واجب عزاء فى رجل كان مشهورا بحكمته.. وتلك الرحلة تطلبت منه الغياب عن ضيعته لعدة أيام.

طلبت منه أمه العجوز المريضة ألا يتأخر عنها كثيرا، فطمأنها أنها ستكون فى أمان.. قبل رحلته نادى على الكلب وأمره أن يكون حارس المكان ليقف على مدخل الباحة ليراقب ما يحدث فى الداخل والخارج وألا يغادر موقعه مهما حدث، وإذا طرأ طارئ بالداخل فليهتم به الديك والتيس والثور والفرس، ليعيدوا الأمور إلى نصابها إذا اقتضى الأمر.


ذات صباح باكر بعد سفر السيد بيومين سمع الكلب جلبة غريبة صادرة من كوخ الأم العجوز، وقد كانت مازالت مستلقية فى فراشها وإلى جانبها مصباح زيتى يحترق فتيله بهدوء، وكان الديك ينقب أمام كوخها باحثا عن حبات ذرة تائهة.. ناداه الكلب.. وسأله عن هذه الجلبة فى كوخ أم السيد؟ أجابه أن هناك على السقف «برصين» ملتصقين به يتقاتلان على ذبابة كبيرة ميتة من يفوز بها.. رجاه الكلب أن يطلب من البرصين أن يكفا عن هذه الجلبة التى تقلق راحة الأم المريضة.. غضب الديك وقال إنه ملك فناء الدجاج وهو الذى يعلن كل صباح عن قدوم الشمس فكيف يقوم بفض خصام بين برصين؟ قال له الكلب إنه ليست ثمة مشاجرات صغيرة أو حريق صغير.. لا أحد يعرف ما الذى يمكن أن ينجم عن ذلك. وإنه لا يستطيع أن يترك مكانه كما أمره السيد.. أجابه الديك بكبرياء أن يتصرف.. ومن الذى يهتم بمشاجرة برصين؟.. وعاد ينقر فى الأرض.

مشاجرة تافهة.. من يهتم بها؟!

فى تلك اللحظة مر التيس بلحيته وكأنه شيخ جليل.. نادى عليه الكلب وطلب منه أن يذهب إلى كوخ السيدة الأم ليفصل بين برصين يتقاتلان، فليست هناك خصومات صغيرة، غضب التيس لهذا الطلب فهو السيد لحظيرة ماعز، وقد رفض الديك القيام بالمهمة فلماذا لا يقوم بها هو؟!
أجاب الكلب أن السيد قد أمره ألا يغادر موقعه طيلة أيام غيابه.. قال التيس بعنجهية ليبق فى مكانه ويتركه فى سلام وليدع البرصين لشجارهما فأقصى ما يمكن أن يحدث لهما أن يسقطا من السقف ويتهشم رأساهما.. لم تسمع من قبل عن شجار برصين سبب أذى لأحد.. ثم قال باستخفاف.. نزاع بين برصين! وسار بكبرياء.. فى أثناء ذلك كان البرصان مستمرين فى صراعهما وصوتهما يصل إلى الكلب ويقلقه.. فنادى على الثور الذى كان فى زاوية فى الساحة قابعا يجتر.. مستمتعا، ولابد أنه كان يحلم أحلامه السعيدة.. عندما ناداه الكلب سأله متذمرا ماذا يريد؟!
فطلب منه أن يذهب إلى كوخ السيدة الأم ليفصل بين برصين يتنازعان، لأنه لا توجد مشاجرات صغيرة.. ولا أحد يعرف ما الذى يمكن أن تسفر عنه.. ضحك الثور وقال ساخرا إنه أقدم حيوانات السيد فهل يهتم بشجار برصين؟! وأمره ألا يضيف كلمة وإلا ضرب بطنه بقرنيه.
نكس الكلب أذنيه بينما صوت شجار البرصين يصل إليه، ولما شاهد الفرس قام بمحاولة أخيرة وطلب منه أن يذهب للفصل بين برصين يتقاتلان على ذبابة ميتة فى كوخ الأم العجوز.. كما تعلم لا توجد مشاجرات صغيرة.. صهل الفرس مزمجرا واتهم الكلب بعدم احترامه فبعد أن رفض الديك والتيس والثور الاهتمام بهذه القضية المثيرة للسخرية.. تريد منى أنا أنبل الحيوانات وأكثرها أصالة أن أكون أنا من يذهب للاهتمام بهما؟! اذهب أنت، فأجابه بأوامر السيد ألا يترك مكانه.. وسار الفرس بخيلاء تاركا الكلب حائرا لا يعرف ماذا يفعل.

عواقب حزينة لمشاجرة صغيرة


من قوة تشابك البرصين انفلت التصاقهما بالسقف وسقطا على المصباح الزيتى، فخرج منه الفتيل المشتعل وسقط على «ناموسية» فراش الأم العجوز فاشتعلت وسرعان ما امتدت النيران إلى الفراش كله، وتعالى صراخ الأم طالبة النجدة، سارع أفراد العائلة من أكواخهم لإنقاذها وفعلا تمكنوا من إخماد الحريق، لكن للأسف كانت حروق العجوز بالغة فأسرعوا فى طلب مطبب القرية.

بعد فحصها طلب دهن حروقها بدم دجاجة.. والإسراع فى إحضار واحدة ليذبحها ويتلو عليها الطقوس ثم يعدون حساء من سلقها لتشربه المريضة.. أمسكوا بالديك الذى كان أمامهم فى الساحة وحمله أحد الرجال من رجليه وهو يقاوم ويصرخ.. وعندما مر به الرجل أمام الكلب.. قال له الديك: لو كنت اهتممت بصراع البرصين.. هأنذا أفقد حياتى بسبب عدم اهتمامى، رد عليه الكلب: قلت لك أنه لا توجد مشاجرات صغيرة.. ولم يفلت الفرس والتيس والثور من العقاب الذى نزل عليهم وفقدوا حياتهم لعدم اهتمامهم بنصيحة الكلب.. فقد ماتت أم السيد وكان عليهم إخباره ليقوم بطقوس دفنها.. فامتطى شاب من العائلة الفرس المدلل ليذهب إلى القرية البعيدة.. وقد أنهك الفرس من طول الطريق والشاب يحثه على السرعة.. ولم يسترح فعندما علم السيد بالخبر قرر العودة مباشرة مع الشاب على ظهر الفرس ليصلا سريعا إلى قريته.. وعاد بهما الفرس منهوك القوى.. وقبل أن ينفق ألقى بجسده بجانب الكلب.. وقال له: لو كنت استمعت إلى نصيحتك لما فقدت حياتى بسبب تلك المشاجرة التافهة بين البرصين.. تنهد الكلب وقال بحزن إنها العواقب الحزينة لمشاجرة صغيرة.


أما التيس فقد لقى حتفه بسبب تقاليد القرية فكان ضمن الشعائر لدفن الميت وضع دم تيس داخل القبر وإطعام لحمه للمعزين.. ونظر التيس للكلب وهو ممسوك فى طريقه إلى الذبح وأعرب عن أسفه لعدم سماع نصيحته وإذا كان اهتم لما كانوا ضحوا به.


وجاء الدور على الثور فبعد مرور أربعين يوما على وفاة الأم وهو الوقت الذى تتحرر فيه روح الميت من آخر قيود تربطه بالعالم الأرضى، توافد أناس من كل القرى المجاورة لحضور الحفل الكبير الذى يقام بهذه المناسبة، ولكى يطعم السيد كل هؤلاء الناس اضطر لذبح الثور..

وقبل أن يذبح وجه كلامه للكلب.. لو كنت فقط قبلت الاهتمام بتلك الخصومة بين البرصين!

يمكن للاشىء.. أن يقتل كل شىء

هذه الحكاية تحمل أحيانا هذا العنوان لتوضيح المثل.. لا وجود لمشاجرة صغيرة.. كما لا وجود لحريق صغير وفى أفريقيا يعظ الكبار الشباب بهذه العبارات: «إذا حضرتم خصومة مهما تكن صغيرة تدخلوا وافصلوا بين المتخاصمين وأصلحوا بينهما.. فالنار مهما صغرت والمشاجرة مهما بدت تافهة.. هما الشيئان الوحيدان القادران على إنجاب طفلين أضخم منهما بكثير إما حريق.. أو حرب».
ريشة : محسن رفعت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.