هؤلاء الذين سقطوا فى الثورة منذ 25 يناير حتى 11 فبراير 2011، كتبوا بدمائهم وثيقة الحرية والقضاء على مشروع التوريث وتكريس الاستبداد والفساد... ولكن أن يتحول الوطن بعدها إلى ساحات قتال ولهو خفى فكلنا خاسرون. أن يتكرر فى العباسية سيناريو القتل والتدمير والعبث فكلنا خاسرون. الذين تحركهم الأطماع وشهوات الانتقام وينفقون عشرات الملايين من الجنيهات لاعتلاء مقاعد الرئاسة فى وقت يرزح فيه قرابة نصف الشعب تحت وطأة الفقر والحاجة.. كيف يصدقهم الشعب ومن أين لهم بهذه الثروات الطائلة وكيف لتلك الأموال أن تتدفق عليهم دون حسيب أو رقيب؟ لو ترك هؤلاء هكذا بلا حساب فكلنا خاسرون. والذين يمارسون الأكاذيب - ليل نهار - ويشعلون نيران الفتن على المنابر باسم الدين ويؤججون الصراعات مستغلين شيوع الجهل والخرافة فى شعب تم قهره وسلب وعيه وتم استضعافه والازدراء به على مر ثلاثين عاما، ثم يختفون تاركين الأبرياء يدفعون ثمن تضليلهم بالدم والدمار والألم المروع فى نهاية الأمر دون جزاء عادل أو أدنى محاولة للمراجعة.. فكلنا خاسرون.. والذين يرفعون رايات البطولة المستعارة ويغررون بشباب محطم فاقد الأمل فى كل شىء، ويزجون به فى لهيب معارك زائفة تفقده الحياة والأعين والثقة فى الغد، لكى يعتلوا هم عروش النجومية فى الفضائيات على أشلاء هؤلاء المعذبين المقهورين الأبرياء، ثم لا يفضح الضمير الوطنى الشريف دوافعهم بعد ذلك فكلنا خاسرون. والجماعات التى تشكلت بصورة مريبة لفرض مرشح بعينه مثل «لازم حازم» ودعت الجماهير إلى الزحف على وزارة الدفاع وكأنها وزارة كفار قريش، لابد أن يتعلموا أن «اللزوميات» لا مكان لها فى السياسة أو فى لعبة الرئاسة وحتى إذا أخلى لهم الجيش وزارة الدفاع وقال لهم: «تفضلوا افعلوا فيها ما تشاءون».. فماذا هم فاعلون بمصر غير تحويلها إلى دولة من القرون الوسطى تعيش خارج الزمن بلا وزن ولا قيمة ولا أدنى أمل فى مستقبل واعد. إذا ترك هؤلاء فى غيهم وإجرامهم باسم الشريعة والدين كما يفهمون أو يفهم عنهم المتلاعبون بعقولهم ووعيهم فكلنا فى النهاية خاسرون. لابد أن يتضامن الجميع بضمير وطنى حر لمنع حدوث تلك الجرائم من جديد أيا كان أبطالها وفاعلوها وأن يتم إطلاع الرأى العام بمنتهى الشفافية والتجرد على المسئول الحقيقى عن ذلك ومحاسبته وكيف تم تضليل هؤلاء الضحايا بالمكابرة والعناد والاستدراج فى مهازل عبثية دموية يدفع الوطن كله بمواطنيه وثواره الشرفاء أمام العالم ثمنا فادحا لكل هذا.. ثورتنا كانت فريدة من نوعها فى كل شىء. فلم يحدث فى تاريخ الثورات ألا يتولى صناع الثورة مقاليد الحكم بأنفسهم وأن يظل من قامت الثورة للإطاحة بهم وبفسادهم قابعين بأتباعهم وأموالهم يحيكون المؤامرات لتشويه الثورة وتصفيتها إلى حد أن تجعل المواطن البسيط الغارق فى ظلمات الخوف والترقب يلعن الثورة والثوار وكأنها هى السبب فى صنع مأساته. أعلم أنه ليس الوقت الأمثل للحساب الآن، أو تبادل الاتهامات وليس لدينا ترف المزيد من الانتظار حتى يعى الجميع أن ساحات الصراع بين القوى المتناحرة على جمع الغنائم ليس فيها منتصر أو منهزم، ليس فيها مغلوم وغالب، إنما تنتهى إلى المزيد من الضحايا والخراب والندم.
ولا يبقى سوى حتمية التوافق للخروج من الأزمة الراهنة من أجل الوطن ومن أجل الثورة ومن أجل الشهداء ومن أجل رضاء الله عز وجل الذى قال لنا: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا».