يحاول عبر أفكاره التي بثها في كتابه "انهيار العالم الإسلامي" أن يدق ناقوس الخطر للأمة الإسلامية، معلنا كعربي مسلم عن السلبيات والأخطاء التي نتداولها فيما بيننا وكأنها نهج غير قابل للنقاش أو الجدل، رغم أنها مجرد اجتهادات عفا عليها الزمن، إنه الكاتب والروائي المقيم بألمانيا حامد عبد الصمد، الذي يلفتنا من وقت لآخر إلي أهمية خلق لغة حوار مع الآخر، حتي العدو الذي نكرهه ويكرهنا، مستنكرا حالة التقوقع علي الذات والانعزالية التي يعيشها المجتمع العربي فكريا، والتشبه بالآخر ظاهريا، وفي هذا الحوار الذي أجري عبر "الإنترنت" نناقش عبد الصمد فيما ورد في كتابه. لماذا كان إهداء كتابك إلي روح المفكر نصر حامد أبو زيد تحديدا؟ - لأن نصر حامد أبوزيد كان مفكراً شجاعاً دافع عن رأيه بصلابة ولم يعبأ بتهديدات أو بصرخات من خالفوه، لقد فتح ملفات شائكة في الفكر الإسلامي، وياليتنا حذونا حذوه وأكملنا الطريق الذي بدأه، بالإضافة إلي ذلك فقد كنت أعرفه شخصياً وكنت أعلم كم هو دمث الخلق وكم كان يحب مصر ويتألم من التعصب الذي بدأ ينمو فيها كالسرطان. تنتقد كتب مادة التاريخ التي تدرس في الدول العربية، لماذا؟ - أردت أن أقول إننا نقرأ التاريخ بعاطفية وليس بموضوعية: نعظم ذواتنا ونحقر الآخرين، نحاول أن نلقن تلاميذنا أن حضارتنا بلا عيوب وأن الآخرين هم المخطئون دائماً، كتاب مادة التاريخ المدرسي أشبه بقصيدة عربية قديمة تبدأ بالبكاء علي الأطلال ثم بوصف محاسن الحبيبة ثم مدح قبيلة الشاعر وذم أعدائها، وهذا يجعلنا دائماً نلوم الآخرين ولا نقوي علي نقد الذات، ولعل ردود الأفعال بعد أحداث الإسكندرية الإجرامية توضح ذلك، فقد بدأنا في اتهام الأيادي الخارجية قبل أن نري ما جنت الأيادي الداخلية، التي طالما سكبت بنزين الكراهية علي نيران الفتنة. ما نحتاجه هو عقلنة التاريخ ونزع فتيل الكراهية منه. هذا لا يعني أن نتجاهل جروح الماضي ولكن يجب أن نتعامل معها بوعي وعقلانية. أطلق جورج الطرابيشي مسمي "الجرح النرجسي" علي تقوقع العرب علي أنفسهم، فإلي أي حد تري العرب منغلقين؟ - لقد عاش العرب لقرون طويلة في عزلة عن باقي العالم، ومع ذلك كانوا يعتقدون أنهم خير أمة أخرجت للناس، حتي جاء الأوروبي المتفوق عليهم ماديا وعلميا فأمسك بهم متلبسين بالتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية، فما كان منهم إلا أن اضطربوا ورفضوا الاعتراف بالحقيقة؛ بل سعوا إلي تكريس العزلة الحضارية وأدلجتها، والتخفي خلف فهم رجعي للنصوص الدينية تحت دعاوي الهوية ورفض الذوبان في الآخر،والعزلة بطبيعتها تؤدي إلي العقم الحضاري وإلي الفصام، فالعرب انفتحوا فقط علي منتجات الحداثة وسلعها الاستهلاكية، دون الالتفات إلي روحها ومبادئها القائمة علي الحرية الفردية والمساواة، ولكن الحداثة ليست "بوفيه مفتوح" نأخذ منه ما نشاء، ونترك ما نشاء، فإما أن يتوصل المشروع الحداثي إلي ديمقراطية وفكر حر، أو يصبح ركاما ينمو فوق أشلائه التطرف والركود. هل تري أن الإسلام والدفاع عنه لايزال يستخدم كمحرك وموجه سياسي وثقافي منذ الحروب الصليبية وحتي الآن؟ - من طبيعة أي دين أنه يهب المتدينين العزاء والصبر وقت الأزمات، ولكن هناك من يستغلون الدين كمبرر للتعصب وإلغاء الآخر، وقد غيرت الحملات الصليبية من تفكير المسلمين بشكل جذري، فبعد أن كانوا يركزون علي العلوم الدنيوية مثل الطب والرياضيات والكيمياء، صاروا يركزون علي العلوم الدينية وعلي مفهوم الجهاد، كما بدأوا في تضييق الخناق علي أهل الذمة والشك بولائهم واتهموا بعضهم بالتعاون مع الفرنجة، وقد شهدت تلك الفترة أكبر موجة من أسلمة أهل الذمة الذين أرادوا بإشهار إسلامهم إظهار ولائهم لأولي الأمر من المسلمين من ناحية وللهروب من الضرائب الباهظة علي غير المسلمين. ما الذي دفعك لكتابة مثل هذه الأفكار التي قد يراها البعض مستفزة ؟ - دفعني الخوف علي مصر وشعبها الطيب الذي ينزلق إلي فكر خطير، والأخطر من الفكر المتعصب عند البعض هو اللامبالاة عند الأغلبية. كمدرس للعلوم السياسية بألمانيا، كيف يري طلاب الدول الأوروبية الدول العربية خاصة مصر؟ - طلاب أوروبا ينظرون بعين القلق لما يدور في الدول العربية ويخافون من نمو الأصولية الإسلامية، ويساهم بعض المهاجرين المسلمين في زيادة المخاوف لأنهم يتبنون خطابا دينيا غير متسامح ويتوعدون أوروبا بالجهاد والأسلمة، ولكنهم كانوا ينظرون لمصر بنظرة أخري فيها إجلال واحترام لتراثها الحضاري الطويل، وأرجو ألا تتغير هذه النظرة بعد الأحداث الأخيرة. في رأيك هل تتناسب المبادئ الإسلامية وهذا العصر أم أنها تحتاج إلي تحديث؟ - الإسلام له وجوه كثيرة: الجانب الروحاني والأخلاقي يتناسب مع كل العصور، أما الجانب السياسي والتشريعي فقد عفا عليه الزمن ولا يصلح لزماننا اليوم، فقد جاءت تلك التشريعات في زمن الرسول، لتجيب علي أسئلة وقضايا عصرها لا قضايا عصرنا، أو بالبلدي: "سلو بلدنا النهاردة غير سلو بلد الرسول". وإذا كنا نريد دولة مدنية تحترم كل مواطنيها فلابد أن نبعد الدين -كل دين- عن السياسة والتشريع، ولن تتوج جهود الإصلاح قبل أن نتفق علي ذلك أولاً. ماذا قصدت من وراء التشكيك فيما ورد علي لسان ابن كثير وابن اسحق؟ - معظم النصوص الإسلامية الأولي ومعظم الأحاديث كتبت في فترة عسيرة من التاريخ الإسلامي، سادت فيها الاضطرابات والحروب الأهلية والصراعات مع الممالك الأخري، ومن طبيعة نصوص الأزمات أنها غير محايدة وتميل للمبالغة، كتاب سيرة ابن اسحق كتب بعد مائة عام من وفاة الرسول، فكيف جمع كل تلك التفاصيل الدقيقة عن حياة الرسول وعن الصحابة؟ وكذلك بعض الأحاديث نجدها تخبرنا عن طبيعة الزمن الذي كتبت فيه أكثر مما تخبرنا عن عصر الرسول، علي سبيل المثال الأحاديث التي تعلي من شأن بني أمية وتمتدح مكانتهم بين الأمم، والأحاديث التي تحرم الثورة علي الحاكم وإن زني وإن سرق، كلها أحاديث وضعت لخدمة سياسة أولي الأمر، وإذا أردنا حقاً أن نغربل التراث الإسلامي فعلينا ألا نستثني أحداً من النقد: لا ابن كثير ولا البخاري ولا حتي الصحابة أنفسهم. لماذا تعتقد أن بداية نظام الأوقاف في مصر هو بداية عصر انهيار التعليم في العالم الإسلامي؟ - بعدما تفتت العالم الإسلامي إلي إمارات ودويلات من أيوبيين وفاطميين وسلاجقة وصفويين بدأوا في محاربة بعضهم بعضا، بل وتعاون بعضهم مع الصليبيين ضد بعض، كان كل حاكم إمارة يحمي نفسه بمجموعة من المرتزقة المماليك يغدق عليهم العطاء، مما أسهم في نشأة النظام الإقطاعي الذي ضاعف الفقر بين الفلاحين، وبعد فترة، وبسبب الحروب المتتالية، خلت خزائن تلك الإمارات من الأموال، فكان علي الحكام اختراع وسيلة أخري لإرضاء فرسانهم المماليك، فابتكر الفاطميون في مصر نظام الأوقاف بوضع حي سكني كامل بمساجده ومدارسه تحت تصرف أحد الفرسان، وقد كان نظام الأوقاف هو بداية تدمير التعليم في العالم الإسلامي، إذ كان القائد العسكري لا يهتم بتدريس العلوم الدنيوية، فأمر كل قائد المدارس بتحفيظ القرآن فقط، وأجبر المدرسين علي الإشادة بجهاده والتسبيح بحمده، وكانت المدرسة التي ترفض ذلك يتم إغلاقها فوراً، ومنذ ذلك الوقت يعزف التعليم في معظم البلدان الإسلامية نفس النغمة: يطالب الطلاب بالولاء للحاكم ويبتعد عن العلوم الدنيوية. كيف تري دور الإعلام العربي وهل له دور في عمل حائل بين العرب والغرب؟ - الإعلام يكمل -بقصد أو بدون قصد- ما بدأته الكتب المدرسية، لدينا مصائب داخلية تكفينا كمصدر للنكد والعويل، ولكن إعلامنا يفتش في أخبار باقي العالم عن مسلمين مضطهدين في أوروبا وأمريكا أو الشيشان أو "بلاد الواق الواق" كي نتأفف أكثر ونثبت لأنفسنا أن هناك مؤامرة كونية تحاك للمسلمين في شتي بقاع الأرض، وإذا شبعنا من هذه الأخبار نذهب لنفتش في ضمير العالم عن راسم كاريكاتير يستهزئ بالرسول أو رجل عنصري أوروبي تطاول علي الإسلام والمسلمين. والصحف العربية والفضائيات تفهم أن الشعوب "طهقانة وطالع عينها" من جهة، وعاطفية من جهة أخري، فنراها تنتقي لهم الأخبار التي تضرب علي الوتر الحساس، ولو كان الخبر ليس دراميا بما يكفي يتم "تحبيشه" وإعادة صياغته بصورة تضمن المفعول الأكيد: زوبعة في فنجان، صارت هذه الأخبار بمثابة طب نفسي شعبي، نثور ونلعن ونتظاهر ونفرغ مخزون الغضب الذي بداخلنا في الهواء، ثم نعود إلي ديارنا ونستلقي علي قفانا وكأننا فعلنا شيئا عظيما، وفي النهاية لا يستفيد إلا الدكتاتوريون في بلادنا، لأننا نبدد جهودنا في مبارزة "اللهو الخفي" فلا تبقي لدينا طاقة من أجل التفكير في التغيير. "العنف يبدأ عندما يتوقف الكلام" كلمة وردت علي لسان فلمنج روز صاحب قرار نشر الرسوم المسيئة للنبي أثناء حوارك معه.. فإلي أي مدي تقتنع بهذه الكلمة؟ - أنا أتفق مع روز في هذه المقولة، فالصمت يؤدي إلي الكبت والكبت يولد الانفجار، وطالما أنا قادر علي شرح وجهة نظري، وطالما أري أن الآخرين يسمعونني فلا داعي لاستخدام العنف، العنف يبدأ عندما تتدمر جسور الحوار. هل وجدت الصدي الذي توقعته بعد نشر الكتاب؟ - الكتاب وجد صدي طيبا في مصر وألمانيا وسيتم ترجمته للهولندية أيضاً، وتصلني يومياً رسائل تناقش معي أفكار الكتاب، بعضهم يتفق معي وبعضهم يعارضني، وهكذا يكون الحوار: بتبادل الأفكار والحجج لا بتراشق الأحجار. بدأت كأديب ب"وداعا أيتها السماء" فماذا عن جديدك في مشروعك الأدبي القادم؟ - انتهيت من كتابة رواية عن اليابان، ولكني لم أعدها للنشر بعد لأني مشغول بكتاب جديد عن العالم بعد أحداث سبتمبر، ولكن ما يشغلني أكثر اليوم هو مصر بعد أحداث يناير!