أخشي ما أخشاه أن يكون مرتكب حادث تفجير كنيسة القديسين هو انتحاري فجر جسده وفجر أجساد الآخرين معه، لأن هذا يعني أن هناك أناساً يؤمنون بشدة بما قاموا به، ويعتقدون أن قتل الأبرياء من الأقباط هو طريقهم للجنة، والأخطر من ذلك أنه يعني أن هناك قنابل بشرية أخري مازالت في الانتظار، وهذا فقط هو الحدث الأول.. ولن يكون الأخير، في هذه الحالة سينتهي كل ما نقوله عن المؤامرة الخارجية والعملاء الذين تجندهم إسرائيل، وسيصبح كل هذا «كلام فارغ»، فلا أحد يضحي بحياته من أجل عيون إسرائيل، ولا في سبيل أي مبلغ مهما علا قدره، ولكن الإنسان يفعل ذلك من أجل فكرة ووعد غامض بالخلود، وستكون هذه هي المأساة الحقيقية، فالأمن المصري مازال يبحث عن الجاني دون أن يتوصل بعد، للطريقة التي تم بها الحادث، وقد أثبت أنه شديد المهارة في التصدي للمظاهرات والاعتصامات. إنه حادث بشع استقبلت به مصر هذا العام الجديد، انفجارات وضحايا وأشلاء، أكثر من مائة مواطن مصري سقطوا ما بين قتيل وجريح، ضربة قاسية تم توجيهها إلي شركاء الوطن من الأقباط، ودفع ثمنها الجميع، المواطنون والوطن، وبدلاً من أن نسمع كلمات التهاني بالعام الجديد لم تكن هناك سوي كلمات العزاء مختلطة بصيحات الرعب، كان ذنب هذه المجموعة من أقباط الإسكندرية أنهم يمارسون الصلاة، وهو أقدس عمل يمكن أن يقوم به إنسان، مهما كانت ديانته. قد هزني بشدة ومس أعماقي عند حدوث الانفجار، محاولة قس الكنيسة الذي كان يقود الصلاة أن يهدئ الجميع، أخذ يردد بصوته الأجش: لا تخافوا.. اهدءوا جميعًا، لم يحدث شيء، مجرد زجاج قد تحطم، بل إنه حاول أيضًا أن يواصل الصلاة، كان شيخًا عاقلاً لا يريد أن يضاعف من حدة المأساة وأن يتضاعف عدد المصابين من التدافع بسبب الرعب، وكان خائفًا أيضًا من أن يكون هناك المزيد من فخاخ الموت في الخارج، ولكن المأساة كانت قد حدثت بالفعل، تمامًا في الساعة الأولي من العام الجديد، تناثرت عشرات الأشلاء للأبرياء الذين كل ذنبهم أنهم حاولوا أن يبدأوا عامهم الجديد بطلب الرحمة من الله. وبقدر ما هزني صوت القس العجوز فاجأني خروج رئيس الجمهورية، فالحوادث الطائفية لم تتوقف، ولكن الرئيس خرج هذه المرة ليلقي ببيان شديد الإيجاز، ألقي فيه المسئولية علي الخارج، وتوعد الجناة بالمتابعة والعقاب، وهذا الظهور المفاجئ له في اعتقادي سببه، فداحة الحادث الذي يقصم ظهر الوحدة المصرية الوطنية. ولكن علينا أن نعود للقضية الأساسية، من الذي قام بهذا العمل الدنيء؟ هل هي أيدٍ داخلية أم خارجية؟ هل هي من فعل تنظيم القاعدة كما قال الجميع؟ حتي الآن لا توجد دلائل علي تدخل القاعدة في مصر، ولا مصلحة لها في قتل أقباط مصر، والبعض الآخر ألقي التهمة علي حزب الله، وهي أيضًا تهمة خالية من المنطق، فحزب الله لم يفعلها في مسيحيي لبنان فلماذا يفعلها في مصر؟ صاحب المصلحة الرئيسية في قصم الوحدة المصرية هو إسرائيل، صاحبة المصلحة الرئيسية في تفتيت كل الشعوب العربية المحيطة بها، الهدف كما قال كسينجر هو تحويل هذه الدول إلي «كانتونات» صغيرة، مستغلة هشاشة هذه الدول وتسلط حكامها وضعف بنيانها المؤسسي، فالعراق معرض للتقسيم، والسودان علي وشك التقسيم وقد حان الدور علي مصر. منذ أيام قليلة وقعت في أيدي الأمن واحدة من شبكات التجسس، ولم يكن يحدث هذا لأن أجهزة الأمن كانت بالمهارة الكافية ولكن لأن المتهم قام بتسليم نفسه للسفارة المصرية في الصين، أيا إن كان السبب، فمازالت هناك الشبكات التي لم تكتشف بعد، والتي مازالت تعمل من أجل زعزعة الاستقرار في مصر وتقسيمها إلي دولتين، مثلما سيحدث في السودان، ولكن إلقاء اللوم علي العدو الخارجي لا ينفي السبب الأهم وهو العامل الداخلي، فأقباط مصر لديهم مشكلة مع النظام، ورغم أن الجميع مسلمين ومسيحيين يعانون من القمع وافتقاد الحرية، إلا أن للأقباط مشاكل إضافية فوق ذلك، فهناك قانون دور العبادة الذي يحاصرهم، وهناك التمايز في الوظائف، وهناك الإقصاء المتعمد لهم من المجالس النيابية والتشريعية والعديد من الأمور التي جعلت البابا شنودة يقول إنه يشعر بأن أقباط مصر بأجمعهم خارج الدولة. لقد تصاعدت التطورات والفتن في الآونة الأخيرة، ما يهدد وحدتنا ويضربنا في الصميم، ولا بد من تعديلات قانونية سريعة، ولا بد من معالجة سياسية كبري تزيل الاحتقان، كما يجب أن تتم محاسبة واسعة، فأرواح الضحايا ليست بالمجان.