حينما أطلق ما يعرف باسم "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" تهديدا باستهداف الكنائس في مصر، تعامل البعض مع هذا التهديد بالكثير من الخفة، علي اعتبار أنه لم يتم ضبط أية تنظيمات للقاعدة في مصر من قبل، حتي وإن تأثر بعض الأفراد والجماعات بأفكارها، ورأي آخرون أن الموجات الإرهابية التي شهدتها مصر في الثلاثين عاما الأخيرة هي صناعة محلية، عبر تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد، وبعض الجماعات المحلية الصغيرة، باستثناء تنظيم سيناء الأكبر عددا منذ موجتي الثمانينيات والتسعينيات الإرهابتين. لكنني، كنت ولا أزال، أعتقد أنه علينا التعامل مع تهديدات قاعدة العراق باهتمام بالغ، ليس فقط بسبب القدرة علي تنفيذ تهديداتها، علي اعتبار أننا لا نري الإرهاب بينما هو يرانا، وأنه لا يمكن الجزم بأن أجهزة الأمن المصرية اخترقت قاعدة العراق ولديها مصادر ومعلومات موثوقة من داخلها تمكنها من إحباط الجرائم الإرهابية، وإنما لأن الحالة العراقية باتت خطرا علي العالمين العربي والإسلامي. وخلال السنوات الست الأخيرة تدفق آلاف الشباب العرب إلي العراق عبر الحدود السورية والسعودية والأردنية، وحتي التركية والإيرانية، للمشاركة فيما يسمونه "الجهاد ضد الاحتلال الأمريكي"، وشملت عملية التنقل، وبناء فرع قوي للقاعدة في العراق، بعض القيادات السابقة في التنظيم مثل الأردني أبو مصعب الزرقاوي وغيره، ممن أشرفوا علي بناء ذراع القاعدة في العراق. وتدفق الآلاف من العرب والمسلمين ومن بينهم مئات المصريين علي العراق، طلبا للجهاد ونيلا للشهادة، حيث أقيمت معسكرات لتدريبهم علي استخدام الأسلحة وتركيب المتفجرات، وتفجيرها، وإعداد الأحزمة الناسفة، وتفجيرها أيضا، إضافة إلي الإعداد النفسي والمعنوي لتحويل الشباب إلي قنابل بشرية جاهزة للانفجار ضد الاحتلال. لكن سنوات القاعدة في العراق لم تكن كلها ضد الاحتلال الأمريكي، حيث توسعت الأهداف لتشمل رموزا في الحكومة العراقية، وأهدافا شيعية وإيرانية، وقوات الأمن العراقية، ثم توسعت بعد ذلك لتشمل مسيحيي العراق، ولم يتم تقليل خطر القاعدة في العراق إلا عبر تكوين ميلشيات سنية عرفت باسم الصحوات، كانت مهمتها الرئيسية طرد القاعدة من الأراضي السنية، ومواجهتها عسكريا، أي ميلشيات مسلحة أهلية في مقابل ميلشيات القاعدة المسلحة. ومن يتابع بيانات الأمن العراقي، وجنسيات المقبوض عليهم خلال السنوات الست الماضية سيجد الكثير من المصريين والأردنيين والسعوديين واليمنيين والجزائريين وغيرهم من الشباب العربي، الذين تحولوا إلي جنود في قاعدة العراق، بعضهم تم القبض عليه، والبعض الآخر، قتل في عمليات انتحارية، أو عبر عمليات مشتركة بين القوات الأمريكية والعراقية أو علي يد ميلشيات الصحوة. ومع بدء الانسحاب الأمريكي من العراق، واتساع سيطرة قوات الأمن الوطنية علي معظم مساحات البلاد، تقلصت مساحات عمل القاعدة في العراق، فبدأ عدد غير قليل من المقاتلين السابقين في التنظيم في العودة إلي بلادهم، أو البحث عن أهداف جديدة، مثل اليمن التي تشهد تواجدا مكثفا لعناصر القاعدة الآن. وتمثل عودة المقاتلين السابقين في القاعدة إلي بلادهم أرضية صالحة لبناء أفرع للتنظيم في عدد غير قليل من الدول العربية والإسلامية علي غرار ما حدث عقب انتهاء الحرب الأفغانية، حيث عاد ما يعرف بالمجاهدين العرب ليفجروا موجات إرهابية في مصر والجزائر والسعودية. نظريا نحن أمام موجة إرهابية جديدة تضرب العالم العربي، وتتوقف القدرة في مواجهتها واحتوائها علي عدد من الأمور في مقدمتها مدي التعاون الأمني بين أجهزة الأمن العراقية ومثيلاتها في الدول العربية، والاستفادة من قاعدة المعلومات الأمنية حول هؤلاء المقاتلين التي توفرت لدي بغداد خلال السنوات السابقة. ثم قدرة أجهزة الأمن العربية علي رصد العائدين من العراق عبر دول أخري، ومتابعة أنشطتهم، وملاحقتهم، وتفكيك أية خلايا يزمعون تكوينها في بلادهم الأصلية، لكن في كل الأحوال قد يكون القادم أصعب، لأن المعلومات في معظم الدول العربية عن الشباب الذي قاتل في العراق ثم عاد لا تبدو كافية، وبالتالي فهم يتحولون إلي خلايا إرهابية نائمة، أو قنابل بشرية جاهزة للانفجار في أية لحظة.