من يعتقد أن السنة 2010 كانت سيئة ما فيه الكفاية، سيكتشف علي الأرجح أنها كانت مجرد نزهة مقارنة مع ما يبدو الشرق الأوسط مقبلاً عليه في السنة 2011 . المنطقة حبلي بالأحداث، حبلي إلي درجة يصعب التساؤل من أين علي المرء أن يبدأ من السودان، أم من العراق، أم من فلسطين، أم من لبنان،.. أم من الخليج الذي يبدو أكثر من أي وقت موضع تجاذبات لم يسبق أن شهد مثلها في الماضي، علي الرغم من أنه كان دائماً محط اهتمام دولي في ضوء الثروات النفطية التي في باطن أراضيه ومياهه. حتي منطقة المغرب العربي، تبدو مقبلة علي تطورات في غاية الخطورة في ضوء بقاء قضية الصحراء الغربية، التي هي قضية جزائرية - مغربية قبل أي شيء آخر، معلقة. يمكن بالطبع توسيع دائرة الكلام عما ينتظر الشرق الأوسط والوصول إلي منطقة القرن الأفريقي حيث توجد دولة من دون مؤسسات منذ عشرين عاماً. اسم هذه الدولة الفاشلة هو الصومال التي انهارت فيها السلطة المركزية في العام 1991 مع سقوط نظام سياد بري وهروبه من العاصمة إلي حيث قبيلته. هل سيجد العالم وقتاً للتركيز علي الصومال في السنة 2011 . علماً بأن أراضيه الشاسعة مرشحة لأن تكون قاعدة، بل قواعد ل«القاعدة»؟ بات متوقعاً أن تبدأ السنة 2011 من السودان الذي سيشغل المنطقة نظراً إلي أنه ليس في استطاعة أي جهة التكهن بما سيكون عليه الوضع في هذا البلد العربي الشاسع بعد استفتاء التاسع من كانون الثاني - يناير المقبل. هل يقطع الانفصال الطريق علي أي حروب مستقبلية في السودان؟ هل ستكون هناك دولة واحدة في الجنوب.. أم يمهد الانفصال المنتظر لقيام مجموعة من الدول؟ يثير الوضع السوداني مخاوف كثيرة، خصوصاً أن الرئيس عمر حسن البشير لم يجد ما يقوله في انتظار الاستفتاء في شأن وحدة السودان أنه «إذا اختار الجنوب الانفصال، سيعدل دستور السودان، وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عرقي وثقافي وسيكون الإسلام والشريعة هما المصدر الرئيسي للتشريع. هل يمكن تصور السودان، أو ما بقي منه، دولة من دون تنوع عرقي وثقافي؟ ما يمكن أن يحمي السودان مستقبلاً هو دولة مؤسسات تتيح للسودانيين، وهم شعب مسالم ودمث يمتلك حيوية كبيرة، الانصراف إلي بناء دولة ديمقراطية تستوعب الجميع وتكون جاذبة لكل أهل البلد بما في ذلك أولئك الذين يريدون الانفصال، وذلك بعيداً عن أي نوع من التعصب والتزمت. ليس مطلوباً أن يكون هناك أي تعارض مع الدين الحنيف ولكن ليس مقبولاً في الوقت ذاته استخدام الدين لإقامة دولة لا تنوع فيها، دولة تساهم في اثارة الحساسيات في محيطها المباشر وفي العمق الأفريقي بدل أن تكون الدولة السودانية التي عاصمتها الخرطوم ملجأ لكل مظلوم أو هارب من التطرف الديني، أياً كان نوعه وطبيعته! من يفكر في مستقبل السودان والنتائج التي يمكن أن تترتب علي انسلاخ الجنوب، عليه أن يأخذ في الاعتبار أن الفشل ليس سودانياً فحسب، بل هو أيضاً فشل عربي خصوصاً. لم يستطع العرب ولن يستطيعوا عمل شيء للسودان في المستقبل القريب. يبدو أن عليهم التفرج علي المنطقة التي يقيمون فيها تتغير بشكل جذري ويعاد رسم خريطتها. لم يعد السؤال هل هناك دول عربية تتقسم وأخري تتفتت وأخري يتطلع بعض أهلها إلي الانفصال، السؤال المطروح ما الذي يمكن عمله وأين مكمن العلة؟ اجتمع العرب مرتين في مدينة سرت الليبية في السنة 2010 . لم تكن النتيجة سوي كلام عام لا علاقة له بالواقع وبما يحصل فعلاً علي الأرض. السودان ليس سوي بداية. السودان الذي يعبره النيل وبعض روافده من أهم الدول العربية بسبب مساحته أو بسبب موقعه الاستراتيجي. إنه إحدي البوابات الأفريقية للعرب وإحدي البوابات العربية لأفريقيا. بعد السودان سيأتي دور العراق الذي احتاج إلي تسعة أشهر كي يكون هناك اتفاق علي تشكيل حكومة جديدة، كان الاتفاق إيرانياً - أمريكياً قبل أي شيء آخر. لم يعد هناك أي نفوذ عربي في العراق. كل من يتحدث عن أي نفوذ من هذا القبيل، إنما يبيع أوهاماً. في نهاية السنة 2011 ، سينسحب الأمريكيون من العراق، من سيفصل عندئذ بين الطوائف والمذاهب والمناطق؟ ما الذي سيحول دون اقدام الأكراد علي خطوة أخري تصب في ممارسة حق تقرير المصير الذي تحدث عنه السيد مسعود بارزاني أخيراً؟ من سيحمي البقية الباقية من مسيحيي العراق في غياب مؤسسات الدولة التي لا تفرق بين مواطن وآخر؟ لم يكن العراق مجرد دولة عربية عادية. كانت حدوده مع إيران أكثر من حدود بين دولتين. كانت نقطة توازن علي الصعيد الإقليمي. ما فعله الأمريكيون، من خلال اجتياحهم العراق في العام 2003 ، هو الإخلال بهذا التوازن بشكل جذري أقل ما يمكن قوله الآن، إن السنة 2011 ستكشف مدي خطورة انهيار ركيزتين أساسيتين من ركائز النظام الاقليمي العربي، الذي نشأ بعد انهيار الدولة العثمانية واستكمل في الخمسينيات، ومدي تأثير ذلك علي المنطقة ككل. في ظل التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط، لم يعد مستغرباً أن تصبح القضية الفلسطينية قضية من قضايا المنطقة لا أكثر وأن تعربد إسرائيل بالطريقة التي تعربد بها. مرة أخري كانت أحداث 2010 سيئة لكنها ستبدو نزهة مقارنة مع ما ننتظره في 2011 ! * كاتب لبنانى