احتاجت الولاياتالمتحدة إلي سبع سنوات ونصف السنة ل«طي صفحة» حرب العراق وتعبير «طي الصفحة» استخدمه الرئيس باراك أوباما في سياق الخطاب الذي ألقاه للإعلان عن إنهاء المهمات القتالية للجيش الأمريكي في العراق هل هناك بالفعل طي ل«صفحة العراق» بمجرد أن القوات الأمريكية لم تعد لها مهمات قتالية في هذا البلد أم أن الكلام الحقيقي هو كلام عن صفحة جديدة أو صفحات جديدة في العراق يمكن أن تكون أسوأ من صفحة الحرب التي سيتبين عاجلا أم آجلا أنها غير قابلة للطي بالسهولة التي يتصورها الرئيس الأمريكي؟ من الأفضل الكلام عن مرحلة جديدة في العراق وليس عن «طي صفحة» ذلك أن العراق مقبل علي تطورات كبيرة تتجاوز بكثير حدوده في ضوء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي من المهمات القتالية والقرار القاضي بإنهاء الوجود العسكري للولايات المتحدة في هذا البلد في نهاية السنة 2011. يصعب التكهن بما سيئول إليه الوضع في العراق في المرحلة المقبلة علي الرغم من أن في البلد نحو خمسين ألف جندي أمريكي مازالو موجودين في قواعد محددة مهمتهم تدريب القوات العراقية كي تصبح مؤهلة لتحمل مسئولياتها الوطنية هل الأشهر التي تفصل عن نهاية سنة 2011 كافية لاستكمال بناء الجيش العراقي علما بأن رئيس أركان هذا الجيش الفريق أول بابكر زيباري يعترف بأن الجيش لن يكون جاهزا قبل السنة 2020؟ يبدو واضحا أن باراك أوباما يسعي إلي حل مشكلة خاصة به تتعلق بمستقبله السياسي وذلك عن طريق إقناع الأمريكيين بأن حرب العراق صارت جزءا من الماضي وأن في استطاعة الولاياتالمتحدة الانصراف الآن إلي معالجة المشكلة الأهم وهي حرب أفغانستان الأهم من ذلك بالنسبة إلي أوباما أنه صار في إمكانه القول للأمريكيين إنه رجل يحترم كلمته والوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية بالنسبة إلي الانسحاب من العراق. سيتبين في القريب العاجل أن الوعود شيء والواقع العراقي شيء آخر وأن ليس في الإمكان التعاطي مع هذا الواقع من خلال احترام الوعود والتواريخ.. الوعود والتواريخ لا تحل مشكلة ضخمة اسمها العراق بعد سبع سنوات ونصف السنة من السياسات الخاطئة بدأت بتكريس المذهبية والطائفية عبر مجلس الحكم المحلي وصولا إلي الوضع الراهن المتمثل في غياب القدرة علي تشكيل حكومة علي الرغم من مرور خمسة أشهر وثلاثة أسابيع علي الانتخابات النيابية التي انتهت بفوز «القائمة العراقية» التي يتزعمها الدكتور إياد علاوي بأكبر عدد من المقاعد، يتبين مع مرور الأيام أن ليس في الإمكان تشكيل حكومة عراقية ما دامت إيران ترفض ذلك وما دام لديها فيتو علي الدكتور علاوي وعلي غيره من الشخصيات التي في الإمكان الاتفاق عليها كي تتولي الموقع السياسي الأهم في البلد.. يترك الأمريكيون العراق للعراقيين ولكن يفترض بهم قبل أي شيء آخر التفكير في أن خروج القوات المقاتلة لا يحل أي مشكلة نظرا إلي أن ما حصل في الأشهر التي تلت الانتخابات النيابية التي جرت في السابع من مارس الماضي أشبة بانقلاب أكثر من أي شيء آخر، هناك بكل بساطة شخص اسمه نوري المالكي يرفض الخروج من موقع رئيس الحكومة من منطلق أن الانتخابات كانت حدثا عابرا وأن لا اعتراف بنتائجها ما دام عليه الانتقال إلي المعارضة لا وجود للعبة ديمقراطية في العراق مادامت الانتخابات وسيلة للبقاء في السلطة بغض النظر عن نتائجه! يشكل رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات ذروة الفشل الأمريكي الأكبر في العراق، إنه نتيجة عمل كل شيء من أجل إطلاق الغرائز المذهبية والمناطقية والعشائرية أولا ثم اتخاذ قرار بحل الجيش العراقي السابق بما سهل علي «القاعدة» تجنيد أكبر عدد ممكن من الإرهابيين تحت شعار «المقاومة» كل ما فعله الأمريكيون كان قطع أرزاق ما يزيد علي نصف مليون عراقي مع أفراد عائلاتهم ستظهر نتائج هذه الخطوة العشوائية بصورة أوضح بعد خروج القوات الأمريكية وانتقال ما بقي منها إلي قواعد محصنة. سيكتشف الأمريكيون أن خطأ الذهاب إلي العراق قبل الانتهاء من مهمة ترتيب الأوضاع في أفغانستان كان خطأ قاتلا خسروا حرب العراق ولن يستطيعوا الانتصار في أفغانستان استعادت «طالبان» المبادرة في أفغانستان علي الرغم من كل ما يقوله هذا القائد العسكري الأمريكي أو ذاك، يكاد لا يمر يوم من دون سقوط ضحايا في صفوف القوات الأمريكية أو الأطلسية أكثر من ذلك أن الوضع في باكستان التي تشكل مصنعا ينتج إرهابين والتي تعتبر الحديقة الخلفية لطالبان يزداد سوءا يوما بعد يوم خصوصا بعد الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلد. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ركز الأمريكيون علي أفغانستان انتقلوا إلي العراق لأسباب لا تزال مجهولة استنادا إلي حجج واهية كان الطفل الصغير يعرف أن الحرب الأمريكية علي العراق لن تؤدي سوي إلي منتصر واحد هو إيران الساعية إلي وضع هذا البلد تحت سيطرتها وإلي مد نفوذها في كل الاتجاهات بما في ذلك اليمن مرورا بمنطقة الخليج العربي والدول المطلة عليه وصولا إلي فلسطين ولبنان حيث ل«الحرس الثوري» الإيراني لواء تابع له عناصره لبنانية. إنها بداية مرحلة جديدة ليس في العراق فحسب بل علي صعيد الشرق الأوسط كله، هناك صفحات جديدة فتحت وليس صفحة واحدة الزلزال العراقي لا يزال في بدايته، ما حدث في العراق يفوق في أهميته علي الصعيد الإقليمي الجريمة الكبري المتمثلة في قيام دولة إسرائيل علي أرض فلسطين في العام 1948 وطرد الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم، ما حدث في العراق بداية انهيار للنظام الإقليمي الذي عمره أكثر من تسعين عاما الأكيد أن الانسحاب الأمريكي من العراق لا يحل أي مشكلة بمقدار أنه إشارة الانطلاق لأحداث كبيرة لن تقتصر ذيولها علي العرب وحدهم بل ستشمل إيران وتركيا أيضا. * كاتب لبنانى