كم مرة سمعت من يقول لك "كل سنة وأنت طيب" دون أن يكون هناك عيد أو مناسبة تدعو لذلك ؟ كم مرة سمعت فيها هذه التحية مقرونة بنظرة استعطاف وتملق ، وابتسامة عريضة وفجة علي وجه قائلها ؟ هي عبارة أصبحت مرادفة للكلمة القديمة " حسنة لله" التي يرددها الشحاذون .. أما هؤلاء أصحاب كل سنة وأنت طيب ، فهم حتي لا يحبون " تعب الشحاتة" ، ويفضلون " الاسترياح" والاسترزاق من خلال هذه الأساليب المقززة! والسؤال الذي يطاردني دائماً : لماذا لم يعد يميل كثير من الناس إلي العمل الحقيقي ويميلون إلي " أشباه" العمل ؟ لماذا نفضل " الطرق السريعة" في العمل ؟ والطرق الداخلية الضيقة في الحياة العادية ؟ هل جربت أن تخلص مصلحة في أي مكان في مصر؟ هل رأيت كم الأدراج المفتوحة والأيادي الممدودة إليك ، حتي علي أشياء في صميم عمل هؤلاء ؟ وهل جربت أن تحصل علي حقك رسمياً وبدون أن تدفع ورأيت ما حدث لك من تعطيل ؟ هل زرت أي دولة عربية أو أجنبية؟ وهل شاهدت وظيفة " منادي السيارات" التي يعمل بها كل الناس مثلما هو الحال عندنا في مصر .. هذه الوظيفة هي " وظيفة حصرية" في شوارع القاهرة وفي ضواحيها .. إذا ركنت سيارتك في أي مكان ، حتي لو كان طريقاً صحراوياً ، ستجد من يطرق عليك زجاج السيارة ويقول : كل سنة وأنت طيب .. أو ينتظرك حتي تبدأ في قيادة السيارة و" يشتغلك" رغم أن الطريق لا يحتاج إليه .. وإن فشل في هذا يطلب منك مباشرة : فين الشاي يا باشا؟ لماذا أصبح الناس في بلادنا يعتبرون الآخر فرصة أو صيدة يجب استغلاله؟ لماذا لم نعد نحب أن نعمل كما ينبغي لنا ؟ ولا أقول أن نتقن ما نعمل بل مجرد أن نعمل الحد الأدني منه؟ .. ديننا دين عمل ، ورسالة الإسلام رسالة تطبيق ومعاملات قبل أن تكون مبادئ وشعارات .. ورسولنا كان راعياً وكان تاجراً ، وكان يحب الأيادي الخشنة التي تعمل ويقبلها ويقول هذه أياد " يحبها الله" فلماذا كل هذه الاستكانة ؟ ولماذا كل هذا الاستسهال؟ يروي أن رجلا جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم يسأله ويطلب منه مالا، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: (أما في بيتك شيء؟). فقال الرجل: بلي، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء.فقال النبي صلي الله عليه وسلم: (ائتني بهما)، فجاء بهما الرجل، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: (مَنْ يشتري هذين؟). فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. فقال صلي الله عليه وسلم: (مَنْ يزيد علي درهم؟)-مرتين أو ثلاثًا- فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ النبي صلي الله عليه وسلم الدرهمين، فأعطاهما للرجل الفقير، وقال له: (اشترِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلي أهلك، واشترِ بالآخر قدومًا (فأسًا) فأتني به)، فاشتري الرجل قدومًا وجاء به إلي الرسول صلي الله عليه وسلم، فوضع له الرسول صلي الله عليه وسلم يدًا وقال له: (اذهب فاحتطب وبع ولا أَرَينَّك (لا أشاهدنَّك) خمسة عشر يومًا). فذهب الرجل يجمع الحطب ويبيعه، ثم رجع بعد أن كسب عشرة دراهم، واشتري ثوبًا وطعامًا، فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتَةً (علامة) في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدْقِع (شديد)، أو لذي غُرْم مفظع (كبير)، أو لذي دم موجع (عليه دية).