في العراق كانت حاجة القوات الأمريكية للمترجمين العرب ملحة من أجل ترجمة الوثائق التي كانوا يحصلون عليها من الأماكن التي يغيرون عليها ومن المسلحين الذين كانوا يزرعون القنابل الناسفة التي قتلت وشوهت المئات منهم، وفي نيويورك أحبط المتشددون وأنصار إسرائيل فكرة إنشاء مدرسة خاصة لتعليم الأمريكيين اللغة العربية بتعقيداتها وجعلوا الأمر يبدو وكأن معسكرا إرهابيا سيتم افتتاحه في بروكلين. ويقول جيمس زغبي المستشار السياسي ومؤسس ورئيس المعهد العربي الأمريكي بواشنطن في كتابه "أصوات عربية: ماذا يقولون لنا ولم هو مهم؟" إن ذلك النوع من الفشل في الاتصال مع العرب هو سبب تقويض جهود الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط. يوثق الكاتب وجهة نظره في كتابه بالعديد من استطلاعات الرأي والإحصائيات الخاصة بالدول العربية في الفترة ما بعد هجمات سبتمبر والتي أجرتها مؤسسة زغبي العالمية لاستطلاعات الرأي، من تأسيس وإدارة أخيه جون زغبي، ويعتبر جيمس زغبي أن التقليل من شأن الناس وثقافتهم ودينهم والخوف منهم بدلا من دراستهم ومحاولة فهمهم والاقتراب منهم، أمر شديد الغباء خاصة وأن الولاياتالمتحدة تريد التأثير في تلك المنطقة وتغييرها ويتساءل كيف يتسني لأحد تغيير الآخر والتأثير عليه عن بعد؟ ويقول زغبي في كتابه: "لقد تسببت سنوات طويلة من التجاهل المصحوب بالجهود المبذولة لقمع تدريس الثقافة والتاريخ العربي في ترك الولاياتالمتحدة غير مستعدة علي الإطلاق لتعميق علاقتها بذلك الإقليم" وفي حين أن "الشعب العربي معجب بأسلوب الحياة والثقافة الأمريكية، تسببت السياسة الأمريكية تجاه شعوب المنطقة في تقويض ذلك الإعجاب وتغيير صورة أمريكا لدي العرب كنموذج عالمي". في الأشهر القليلة الماضية كان تركيز الشعب الأمريكي علي أمرين تصدرا الصحف لأيام عدة، الأول هو خبر واعظ فلوريدا المتعصب الذي هدد بإحراق المصحف والثاني هو الجدل الذي دار حول أحقية المسلمين الأمريكين في الحصول علي مركز ثقافي ملحق به مسجد في منطقة جراوند زيرو القريبة من برجي التجارة في نيويورك وقليلون فقط هم من أدركوا أن مثل ذلك التعصب ومثل تلك الأحداث يؤثر علي الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان هذا بخلاف الأمريكيين الآخرين الذين تربطهم بالعالم الإسلامي مصالح معينة. والمشكلة التي يحاول زغبي تسليط الضوء عليها من خلال كتابه "أصوات عربية" هي أن الأمريكيون يريدون توصيل مخاوفهم ورغباتهم للعرب والمسلمين دون البحث عن أرضية مشتركة، ويطرح زغبي عددًا من الاستطلاعات والأفكار بالمساهمات المهمة التي ستمكن الأمريكيين من كسب تأييد العرب، ولعل أبرزها بالطبع هو إيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن أمورًا مثل تحسين ظروف التعليم والعمالة والرعاية الصحية في الوطن العربي تعد أمور مهمة كذلك. ويري زغبي أن أمريكا تتجاهل العرب أو تزيد من حدة نبرتها لتعلو نبرتهم بدلا من تحليلها لفشل سياستها، ويشير زغبي إلي أن تعلم اللغة العربية أمر حيوي خاصة للساسة، فليس من المنطقي أن يتحدث سفراء ومبعوثو الدول الأجنبية في الشرق الأوسط مثل الصين وروسيا وبريطانيا العربية بينما لا يتحدثها الأمريكيون منهم، وعلي الرغم من تضاعف عدد دارسي اللغة العربية بعد أحداث 11 سبتمبر ليصبحوا 23 ألف دارس، فإن 2.400 أمريكي فقط يجيدونها. وبالإضافة لمشكلة التواصل واللغة، توجد مشكلة أخري أكبر وهي الفكرة النمطية للأمريكيين عن الشعوب العربية، فالأمريكي يظن أن كل العرب سواء، كلهم غاضبون ومتعصبون ويسيطر الإسلام علي رؤيتهم للعالم ويجعلهم سجناء بين الماضي والحاضر إلا أن ذلك كله غير صحيح، وينصح زغبي الولاياتالمتحدة بالإنصات للأصوات العربية باهتمام وعدم السماح للأساطير والأفكار المسبقة عن العالم الإسلامي بإملاء السياسة المتخذة.