منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تزايد الحديث عن العلاقة بين الإسلام والغرب في إطار نظريات متعددة استندت إلي فكرة عامة مفادها صراع الحضارات، إلا أنه فضلاً عن هذا البعد العام المتصل بالعالمين الإسلامي والغربي، فإن هناك بعداً خاصاً يتعلق بالعلاقة بين مكونات المجتمعات الأوربية ذاتها نتيجة لتزايد عدد المسلمين في القارة وما يطرحه ذلك من تساؤلات عن طبيعة تفاعله مع السكان الأصليين في ضوء تبلور وتراكم عدد من المؤشرات السلبية، وفي هذا الخصوص قد يكون من المفيد الإشارة إلي عدد من النقاط الأساسية: 1- لم يعد الأمر يتعلق بعلاقة بين أوربا المسيحية من جانب، والعالم الإسلامي من جانب آخر، وإنما يتصل الأمر حاليا بموضوع أوربي خالص هو العلاقة بين المكون المسيحي والمكون الإسلامي في نسيج المجتمع الأوربي، فعلي مدار النصف الثاني من القرن الماضي أضحي الإسلام بمذاهبه المختلفة الدين الثاني في القارة العجوز بعد المسيحية. 2- لم تنجم كثافة المكون الإسلامي في أوربا، علي عكس ما كان عليه الحال بالنسبة للتواجد الأوربي في العديد من بقاع العالم، عن توجهات استعمارية، وإنما، كانت في جانبها الأكبر، استجابة لاحتياج من قبل الدول المستقبلة لأيدٍ عاملة، واستعدادًا لدي أشخاص ومجموعات في الدول الإسلامية للانتقال إلي مكان جديد بحثاً عن مصدر رزق، كما أن هجرة المسلمين نبعت في بعض الحالات من وضعية الاستعمار التي سمحت لمواطني الدول المستعمرة بالانتقال للعمل في الدول الاستعمارية دون عقبات تذكر كما كان عليه الحال بالنسبة للقادمين من المغرب العربي (خاصة الجزائر بالنسبة لفرنسا) أو جنون شرق آسيا (الهند وبنجلاديش في الحالة البريطانية). 3- مع تحول الظاهرة من هجرة الرجل الواحد للعمل لتحسين ظروفه المادية بما يمكنه من الارتقاء بظروفه المعيشية لدي عودته إلي بلاده، إلي لم العائلات للاستقرار في موقع جديد بما يعنيه ذلك من استقدام الزوجات والأبناء، كان من الطبيعي أن تظهر ملامح جديدة عن ظاهرة الهجرة كان من أبرزها أن أصبح الإسلام ظاهرة مرئية علي الساحة الأوربية من خلال إقامة المساجد للشعائر الدينية والالتزام بمبادئ الدين في العلاقة مع الآخرين فضلا عن مظاهر الزي خاصة بالنسبة للمرأة (غطاء الرأس، الحجاب، ومؤخراً النقاب). 4- تراوحت المقتربات الأوربية في التعامل مع هذه الظاهرة بين سياسة الاندماج الكامل للمهاجرين في المجتمعات المستقبلة، وقد ذهبت هذه السياسة في أقصي تطبيقاتها إلي مطالبة المهاجرين بالتنازل عن هويتهم الدينية والقبول بالعلمانية في التعامل مع المجتمع، أو تبني مقترب المجتمع متعدد الثقافات بما يعنيه ذلك من توفير مناخ يسمح بالتعايش بين ثقافات وديانات متعددة علي أرض واحدة في إطار من التعاون والتفاهم والاحترام المتبادل. 5- تدريجياً، أثار هذا التواجد المتزايد جدلاً واسعاً تم خلاله وضع بعض المبادئ المتصلة بحقوق الإنسان في حالة تضاد بل وتصادم، وعلي رأسها مبدأ حرية التعبير في مواجهة مبدأ احترام مشاعر الآخر وعدم الإضرار به، ومبدأ علمانية الدولة أمام حرية ممارسة الشعائر الدينية، وعلي صعيد آخر، برزت مؤشرات في بعض المجتمعات الأوربية لخوف من "الآخر" الذي يسعي إلي فرض مفاهيمه وسلوكياته علي مجتمع درج علي العيش وفقا لمحددات مختلفة، بل ذهب البعض، خاصة بين المكونات اليمينية المتطرفة، إلي حد الإشارة إلي مسعي يهدف إلي "أسلمته أوروبا" خاصة مع تزايد المطالب المتصلة بإقامة مدارس إسلامية أو تزايد ظاهرة ارتداء الحجاب ومؤخراً النقاب، وقد دفع كل ذلك بالملف إلي المقدمة بل وجلب انتقادات للسياسات الأوربية، ليس فقط من بعض العواصم الإسلامية ولكن أيضاً من قبل الخارجية الأمريكية في تقريرها الأخير عن الحريات الدينية. وبغض النظر عن هذه الانتقادات يظل الملف داخلياً في الأساس يلزم للتعامل معه مرونة وتعاونًا مشتركًا بين أطرافه لتوفير أسس التعايش المشترك عبر مقترب تعدد الثقافات بما يعنيه ذلك من الاحترام المتبادل والمرونة في التعامل، حتي لا يتطور الأمر ليندرج في إطار أوسع يسعي الجميع إلي تجنبه، ولتقديم نماذج واضحة وملموسة علي "حوار الحضارات" يمكن البناء عليه.