تماثل الأدوار داخل كل من «العائلة» و«السياسة »، صاغه «أرسطو» في كتاباته عن السياسة والأخلاق ، حيث تتداخل ثلاثة مفاهيم أساسية، هي: المواطن والصديق والأخ . لكن أرسطو اقتصر كلامه علي الرجال دون النساء، والرجال الطيبون (الأخيار) فقط، أي أنه استبعد أي دور للمرأة في المجال السياسي، وهو ما يشير إلي التمركز حول الذات (الذكورية) تحديدا، وغياب «المساواة» الفعلية داخل الديموقراطية اليونانية، والتمييز بين المواطنين علي أساس الجنس داخل الوطن الواحد. ويبدو أن تاريخ الفكر السياسي في أوروبا يرتبط أساسا بالتحولات داخل هذه «البنية الذكورية» للعائلة، وبالتحديد تبادل الأدوار بين «الأب» و«الاخ»، فالعصر الذهبي للعائلة ونظام «لأبوة» مر بمرحلتين، الأولي في العصر اليوناني القديم والثانية في العصور الوسطي الدينية . وهناك وشائج قربي بين معني «الأبوة» ودلالة «الوطن» منذ القدم. فاللفظة اليونانية الدالة علي «الوطن» هي ( Patris)، ومعناها «أرض الآباء»، وتقع في الكتاب الخامس من «الإلياذة» ، حيث يقول «بناداروس لإينياس»: «عندما أعود إلي بلدي ثانية ألقي بصري علي أرض مولدي وزوجتي وبيتي المرتفع ...» كما لاحظ «يوهان هويزنجا». أما نظام «الأخوة» فقد ظهر في اليونان القديم أولا، ثم عاد مرة أخري في عصر النهضة الأوروبية، مع انتعاش النزعة القومية التي قضت علي وحدة العالم المسيحي في أوروبا، وعلي النظام الأبوي ( البابا - الملك ) في العصور الوسطي الدينية. فالأخوة كانت بمثابة الحلم الدائم بزوال النظام الأبوي، ووفاة الأب ونهاية سلطته، بل أن الإخوة كانوا دائما علي استعداد للتعاون (التآمر) من أجل التخلص من هذا الأب المتسلط ، كما يؤكد الفيلسوف الفرنسي المعاصر «جاك دريدا» مستلهما عالم النفس الأشهر «سيجموند فرويد». حسب «فرويد» فإن الأب البدائي هو أساس «عقدة أوديب»، كما جاء في الأسطورة اليونانية ، وهو إنسان عنيف ، شديد الغيرة ، يحتفظ لنفسه بكل نساء القبيلة، ويطرد أبناءه عندما يصبحون في سن الشباب، فما كان من هؤلاء الإخوة المطرودين الذين عانوا من القمع الجنسي، إلا أن تجمعوا وقرروا محاربة التسلط الأبوي، فقتلوا والدهم وأكلوه (يعتبر فرويد أنه خلال عملية الابتلاع حقق الأبناء تماثلهم مع والدهم بامتلاك كل منهم جزءا من قوته). بعدما تخلصوا منه وحققوا تماثلهم معه، شعروا بعقدة الذنب، وبالرغبة في التكفير عن خطأهم، فاتخذوا قرارا بمنع قتل الأب في القبيلة (الطوطم) ومنع قيام علاقات جنسية مع نساء الأب (المحرّم). من هنا انتهي فرويد في كتابه «الطوطم والتابو» عام 1913 إلي الربط بين ما تنهي عنه الطوطمية (عدم قتل الحيوان الطوطم، وعدم استعمال أية امرأة تابعة لنفس الطوطم لأية أغراض جنسية)، وجريمة أوديب الخاصة بذبح أبيه، وجريمته الثانية عندما اتخذ أمه زوجة له، والتوافق من جانب آخر بينهما وبين الرغبتين الأوليتين للطفل اللتين تتركز أغلب الظن معظم الأمراض النفسية حول كبتهما أو إعادة إيقاظهما. وفكرة «الأخوة» وليست «الأبوة»، هي التي لعبت الدور الأساسي في ميلاد مفهوم (المواطنة) بالمعني الحديث، وأصبحت أحد مبادئ الثورة الفرنسية عام 1789: الحرية، المساواة، الإخاء، كما قادت فكرة «المساواة» إلي القضاء علي التفرقة بين الجنسين، بين الغني والفقير ،بين الحاكم والمحكوم... إلي آخره. وللحديث بقية