أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب طبع كتاب "تطور الفكر السياسي" أو "تاريخ النظريات السياسية"، وكان قد صدر لأول مرة منذ عام 1954، التي تداخلت أطروحاته في الفلسفة السياسية وقتها مع حالة ما بعد الثورة في مصر والنقاش الدائر حول الحاجة إلي دستور. كتاب لمؤلفه جورج هولاند سباين أستاذ الفلسفة وعضو الجمعية الأمريكية للدراسات السياسية ومترجمه حسن جلال العروسي، واليوم تلتقي مرة أخري نقاط عديدة تناولها الباحث مع مستجدات العصر أو كما يقول د. عبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة سابقا في تصديره للكتاب: "ليتواءم مع انشغال الأذهان في الشرق العربي ببحث أنظمة الحكم السياسية». لقد كان سباين بكتابه هذا أول من تناول موضوع النظم السياسية وتطورها منذ عهد اليونان، باعتباره موضوعا شائكا، وموضوع كل عصر وكل دولة وكل فرد. إلا أنه يتناوله بطريقة مبسطة وإنسانية رافعا شعار "الحياة الصالحة ليست إلا العيش في دولة صالحة". الكتاب بحسب مراجعه د. عثمان خليل عثمان عميد حقوق عين شمس، يتتبع تاريخ الفكر السياسي في الفلسفة الإغريقية كمدخل عام للبحث. ويرصد ملامح النظام السياسي وقتها الذي كان يعرف باسم "دولة المدينة" أو "المدينة السياسية"، ثم يبسط أهم الأفكار التي انطوت عليها الفلسفة السياسية عند سقراط وأفلاطون وأرسطو. ففي حين استبعد أفلاطون في "الجمهورية" القانون من حكم الدولة لصالح "حكومة الفلاسفة" وأسس ما عرف ب"الاستبداد المستنير"، يأتي في "السياسي" ويتراجع عن تصوراته تلك، حيث نادي بمبدأ سيادة القانون. أما دولة أرسطو الفاضلة فترتكز علي نفس الاساس. أما سقراط فقد آمن بأن الفضيلة هي المعرفة، وبالتالي دحض الرأي القائل بصلاحية أي إنسان لشغل أي منصب. بعد ذلك يسلط الجزء الأول من الكتاب الضوء علي العوامل والاعتبارات الاقتصادية الكامنة وراء المذاهب والنظم السياسية المختلفة. وعلي الجانب الآخر يوجه النظر إلي عوامل أخري "أخلاقية" كان لها الدور الكبير في تأسيس مفهوم "دولة المدينة" المتمثلة في "أثينا" الكبري. لقد اعتقد أفلاطون وأرسطو أن دولة المدينة هي الأساس الأخلاقي الصالح لإقامة صور أسمي من الحضارة، لكنهما أسسا لما يسمي ب"رعوية الفرد للدولة"، أي الانتصار إلي من تؤهلهم ثروتهم للتمتع بنعيم الوظائف السياسية لصالح قلة من الناس ليس منهم الصناع والفلاحون والأجراء أو الأرقاء. ومن هنا حسب تأكيد المؤلف أصبحت دولة المدينة شيئا جديرا بالنقد والاحتجاج عليه أو علي الأقل الاستخفاف به، يقول سباين: "قبول أفلاطون وأرسطو التام لدولة المدينة علي أنها مؤسسة أخلاقية مثالية دليل علي أن أفقهم السياسي كان محدودا بحدودها، ولم ينتبهوا أو يفطنوا إلي خطورة الشئون الخارجية والدور الذي قامت به في صميم الاقتصاد الداخلي لدولة المدينة". وما يستنتجه المؤلف أن بقاء أثينا لم يكن رهنا بالحكمة في تدبير شئونها الداخلية، بل بالعلاقات المتشابكة بينهما وبين سائر العالم اليوناني، وهو ما لم يتحقق.