محمود محيي الدين: البنوك المركزية الكبرى أصبحت تعتمد على الذهب    ترامب يعلن «إقالة» مدّعٍ فيدرالي لهذا السبب    محمد سعد مفاجأة ماراثون رمضان 2026    نيكول سابا تخطف الأضواء خلال تكريمها بجائزة التميز والإبداع في حفل "دير جيست"    الزراعة: تجديد الاعتماد الدولي للمعمل المرجعي للرقابة البيطرية على الإنتاج الداجني بالشرقية    رئيس جامعة بنها يهنئ الطلاب بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد    غدا.. 150 معهدا أزهريا تستقبل الطلاب في الوادي الجديد    فنزويلا تطالب الأمم المتحدة بالتحقيق في تدمير الولايات المتحدة لقوارب في البحر الكاريبي    وكيل "عربية النواب": فيتو واشنطن دعم علني للجرائم الإسرائيلية    مكتب الإعلام الحكومي: أكثر من 900 ألف شخص صامدون بمدينة غزة وشمالها ويرفضون النزوح    بيكهام يخضع لفحوصات طبية بعد الإصابة في مباراة سيراميكا    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة مانشستر يونايتد ضد تشيلسي والقناة الناقلة    التشكيل المتوقع لمانشستر يونايتد وتشيلسي في قمة البريميرليج    اليوم.. منتخب شباب الطائرة يواجه الكاميرون في نهائي البطولة الأفريقية بالقاهرة    الدمرداش: عمومية الزهور شهدت أول تجربة للتصويت الإلكتروني في مصر    اليوم.. بعثة بيراميدز تغادر إلى جدة لمواجهة الأهلي في كأس الإنتركونتيننتال    المؤبد لعامل قتل مسنة وسرق مشغولاتها الذهبية بالقاهرة    "مذبحة نبروه".. أب يقتل أطفاله الثلاثة وزوجته ثم ينتحر على قضبان القطار    إصابة 10 أشخاص إثر حادث انقلاب ميكروباص في الشرقية    نجار يقتل زوجته في كرداسة ويترك أبناءه في مواجهة المجهول    «الصحة» : تخريج الدفعة الأولى من الدبلومات المهنية في البحوث الإكلينيكية    رئيس جامعة مطروح: الطلاب هم قادة الغد وبناة المستقبل    مي كمال: أنا وأحمد مكي منفصلين منذ فترة ومش هحب بعده    فى يومهم العالمي.. «الصحة العالمية» تشيد بجهود مصر في سلامة المرضى    تعرف على مواعيد أقساط سداد قيمة المصروفات الدراسية لعام 2026    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ريال مدريد ضد إسبانيول في الدوري الإسباني.. والمعلق    موعد مباراة بيراميدز ضد الأهلي السعودي في كأس إنتركونتيننتال 2025    بدعوى العطلة الأسبوعية.. الاحتلال يوقف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة    زيلينسكي: روسيا أطلقت 40 صاروخا و580 مسيرة على أوكرانيا موقعة 3 قتلى    الرئيس السوري: اتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية قد يوقع خلال أيام    انطلاق المرحلة الثانية من مبادرة "سائق واعٍ .. لطريق آمن"    «الداخلية»: ضبط 14 طن دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق بالمحافظات    كسوف الشمس 2025 في السماء.. تفاصيل موعد البداية والنهاية ووقت الذروة (الساعة)    تجارية بورسعيد: التعاون بين القاهرة والرياض يبحث سبل التكامل الصناعي    9 محظورات للطلاب بالعام الدراسى الجديد.. تعرف عليها    جامعة القاهرة تعلن تفاصيل الأنشطة الطلابية خلال الأسبوع الأول من الدراسة    «مفرقش معايا كلام الناس»| كارول سماحة ترد على انتقادات عملها بعد أيام من وفاة زوجها    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يحتفي بالسينما الروسية.. والأميرة الضفدع يفتتح أفلام دورته الثالثة    مهرجان الغردقة ينظم يوما للسينما الروسية.. و«الأميرة الضفدع» فيلم الافتتاح    فقدت كل شيء وكان لازم أكمل المشوار.. أحمد السقا بعد تكريمه في دير جيست    عودة التلامذة.. مدارس قنا تستقبل الطلاب مع بداية العام الدراسي الجديد    جولة تفقدية موسعة لرئيس «الرعاية الصحية» للوقوف على جاهزية مستشفيات ووحدات المنيا    للكشف وإجراء جراحات مجانية.. دفعة جديدة من أطباء الجامعات تصل مستشفى العريش العام    وزيرة التضامن تبحث مع سفير إيطاليا تعزيز التعاون بمجالات التمكين الاقتصادي    ضبط 108.1 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    «الصحة» تطلق خطة التأمين الطبي الشاملة للعام الدراسي 2025-2026    الخارجية الفلسطينية ترحب بانضمام البرازيل لدعوى محكمة العدل الدولية    موعد صلاة الظهر.. ودعاء عند ختم الصلاة    طب الإسكندرية يتصدر نتيجة تنسيق الشهادة اليونانية 2025    آسر ياسين على بعد يوم واحد من إنهاء تصوير "إن غاب القط"    سعر الألومنيوم في الأسواق اليوم السبت    «الصحة» تطلق خطة التأمين الطبي الشاملة لتعزيز جودة حياة الطلاب في العام الدراسي 2025/2026    كيف يقضي المسلم ما فاته من الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح خطوات التوبة وأداء الصلوات الفائتة    ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية في المنيا لعام 2025 (تعرف علي الأسعار)    انطلاق العام الجامعي الجديد.. 3 ملايين طالب يعودون إلى مقاعد الدراسة في الجامعات المصرية    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 20-9-2025 في محافظة قنا    استشارية اجتماعية: الرجل بفطرته الفسيولوجية يميل إلى التعدد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيقات في سجن القناطر لزيارة نساء المخدرات‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 05 - 2010

عندما تتجه المرأة للاتجار بالمخدرات‏,‏ تري ما الذي يدفعها؟‏!‏ هل هو الفقر أم قهر الرجال أم ماذا؟‏!‏ هل حواء بريئة‏,‏ مظلومة وضحية مجتمع أم مجرمة متورطة مع سبق الاصرار والترصد‏. تلهث وراء جمع المال بطرق غير مشروعة غير عابئة بما ينتج عن ذلك من هدر لطاقة وعقول الشباب ضحايا الكيف والمزاج؟‏ وأيا كانت أسباب أو نتائج اتجار المرأة بالمخدرات‏,‏ فقد حظيت هذه القضية باهتمام كبير خصوصا لدي الأوساط الثقافية والمراكز البحثية في مصر‏..‏ نذكر علي سبيل المثال الدراسة الثرية التي انطلقت من المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية تحت عنوان المرأة وجرائم المخدرات في المجتمع المصري لنخبة متميزة من الباحثين والمتخصصين كالدكتورة سهير عبد المنعم والدكتورة فوزية عبد الستار وغيرهما ممن دفعتهم غيرتهم الوطنية علي مستقبل التنمية في مصر إلي الرصد والتحليل‏,‏ لمواجهة خطر المخدرات التي تأكل في طريقها الاخضر واليابس لتنال أول ما تنال الشباب‏,‏ وتدمر صحته وتخمد طاقته‏,‏ أما المرأة تاجرة المخدرات‏,‏ فعندما تقع تحت طائلة القانون فإن التشرد والتفكك الأسري هو المصير الأكيد للأبناء‏.‏
حول المرأة موضوع الدراسة كان التحقيق من واقع زيارات ميدانية لسجن النساء بالقناطر الخيرية‏:‏
من داخل سجن النساء بالقناطر كان اللقاء مع أقدم سجينة هناك ن‏.‏ف والتي تبلغ من العمر‏64‏ عاما قضت منهما ما يقرب من عشرين عاما خلف القضبان الحديدية بتهمة جلب مخدرات من خارج البلاد‏.‏
تقول‏:‏ بدأت مشكلتي قبل عشرين عاما من الآن عندما قررت أنا وزوجي العراقي الأصل وأولادنا الثلاثة القدوم الي مصر بعد اندلاع الحرب بين العراق والكويت تاركين خلفنا ذكريات استمرت علي مدي ربع قرن في العراق‏,‏ وكان بصحبتي علي الطائرة صديقة لي مع زوجها الذي طلب مني أن أستضيف زوجته وابنته عندي حتي يقوم بتدبير مسكن للزوجية‏.‏
وفجأة قررت هذه السيدة هي الأخري السفر إلي ليبيا‏,‏ وتركت ابنتها عندي علي سبيل الأمانة‏,‏ وبعد غياب دام عشرة أيام جاءت إلي مسكني في فيصل وبصحبتها الشرطة التي طلبت إلي أن أذهب معهم إلي الإسكندرية‏,‏ وهناك وجهت لي تهمة جلب مخدرات من الخارج بمعاونة هذه السيدة ومعها ستة أفراد‏...‏ توالت التحقيقات معي‏,‏ واستمرت علي مدي عام‏,‏ وخرجت هذه السيدة ومعاونوها كالشعرة من العجينة رغم أن العرف السائد في هذه الجرائم أن الحرز لمن أحرزه أما أنا فأقضي عقوبة السجن المؤبد‏,‏ وذهب العمر وانقضي‏,‏ ولم تعد لي مطالب في الحياة سوي الخروج قبل انتهاء المدة لأقضي ما تبقي لي من عمر مع ابنتي اللتين حرمتا مني طوال هذه السنوات‏,‏ أما ابني فقد تزوج‏,‏ ولم يعد بحاجة إلي‏.‏
انتهي لقائي مع السيدة ن‏.‏ف ولكن لم يتوقف بداخلي صوت مطلبها الإنساني الذي اتمني أن يجد صدي واستجابة لدي المسئولين بأن تخرج قبل انتهاء المدة‏,‏ وتحصل علي إفراج صحي‏,‏ خاصة أنها مريضة قلب‏,‏ وتعاني مشكلات صحية‏,‏ وهو ما رأيته رأي العين عندما جاءتني تمشي علي مهل وتتنفس بصعوبة بعد انتظار دام لاكثر من ثلث ساعة‏.‏
المخدرات نشاط عائلي
ومن نموذج للتعاطف لنموذج آخر للرثاء والاستهجان‏..‏ اللقاء مع المرأة الجميلة في المنبت السوء السيدة ل‏.‏ال‏.‏ع‏26‏ عاما سوابق مخدرات ثاني مرة‏,‏ شأنها في ذلك شأن باقي أفراد عائلتها لأن المخدرات نشاط عائلي‏,‏ فالأب يقضي الآن حكما بعشر سنوات ومعه اثنان من أشقائها الذكور‏,‏ أما الأخ الثالث‏,‏ فيقضي الآن حكما بست سنوات أما اختها الأصغر‏,‏ فقد دخلت عليها في نفس قضية المخدرات لتقضي‏3‏ سنوات‏,‏ أما الزوج فقد قضي هو الآخر سبع سنوات وخرج منذ عام‏..‏
كانت صدمتي وسؤالي عن أحوال ما تبقي من أبناء وأحفاد بالخارج‏,‏ ومن يعول كل هؤلاء فقالت لي ربنا ما بينساش حد وهم الآن مع أمي واختي الكبري‏.‏
في نهاية حديثها معي أكدت لي عدم العودة للاتجار مرة ثانية مشيرة إلي أنها تعلمت داخل السجن مهنة شريفة‏,‏ وهي صناعة السجاد‏,‏ أما في المرة الأولي‏,‏ فلم تتعلم شيئا لأنها قضت مدة العقوبة في السجن الاحتياطي ببورسعيد‏,‏ ولم تتوافر هناك أي فرصة للتدريب‏.‏
الاتجار بديلا للتعاطي
أما لقائي الثالث فكان مع السيدة ن‏.‏ع‏38‏ عاما التي اعترفت لي بأنها أحترفت اتجار المخدرات بعد أن تعرفت عليها لأول مرة في جلسات مزاج خاصة مع جاراتها من رفيقات السوء اللاتي تعودن استقطاع جزء من الحشيش الخاص بأزواجهن وتدخينة خلسة في أثناء تبادل الزيارات مع بعضهن البعض‏,‏ وبدلا من أن تقتصر علاقة المرأة بالمخدر علي ضبط المزاج والتسلية النسائية‏,‏ هداها تفكيرها إلي الاتجار بالمخدرات‏,‏ فقامت بشراء الحشيش من منطقة أبو الغيط‏,‏ وبيعه في منطقة الزاوية الحمراء محل السكن ليتحول الأمر من مجرد تضييع وقت وتسلية إلي اتجار حقيقي بالمخدرات دون علم الزوج حسب روايتها‏,‏ ولم يدم الحال طويلا اذ سرعان ما وقعت تحت طائلة القانون لتقضي عقوبتها الآن داخل السجن مع طفلها الرضيع الذي وضعته داخل السجن بعيدا عن إخوته الخمسة الذين يعيشون الآن مع أبيهم‏,‏ ولا أحد يعلم هل تاجرت بالفعل دون علم الزوج أم أنه كان غطاء لها؟‏!....‏
وقبل أن أترك هذه السيدة ورضيعها ابن التسعة أشهر‏,‏ همست إلي قائلة‏:‏ اكتشفت وللأسف‏,‏ وبعد فوات الأوان أن المخدرات طريق للندامة وليس للسلامة‏.‏
أما الحالة الأخيرة فكانت للسيدة ش‏.‏م‏48‏ عاما من شبرا مصر تقضي الآن السنة الثانية من حكم بالمؤبد مثلها مثل زوجها الذي أنقذه الموت من نفس المصير بعد أن قضي عاما واحدا من تأبيدته ليواري جسده التراب ويرقد حيث مثواه الأخير حيث ينال عقاب الآخرة بعد أن تاجر بعقول الشباب وأرواح البشر‏..‏
تقول نزيلة سجن النساء‏:‏ لم أكن أعلم بممارسة زوجي لنشاط المخدرات الا بعد أن وضعت طفلي الأول ورأيت بعيني تردد الشرطة علي منزلنا‏,‏ لدرجة أن أحد الضباط كان يمزح معي ويقول أما كنت تعلمين أن زوجك مسجل خطر؟‏..‏ ومع هذه التأكيدات المتزايدة‏,‏ لم يستطع زوجي الانكار واعترف أنه يتاجر بالفعل وأن التاكسي الذي يملكه مجرد غطاء‏.‏ لم أشأ أن أطلب الطلاق لأنني كنت حاملا بطفلي الثاني ورضخت للأمر الواقع وانزلقت دون ذنب الي حافة الهاوية وأواجه الآن مصيري كما ترين تاركة ورائي ولدا وبنتا يعيشان مع زوجة الأب الأولي‏.‏ أما تجربتي هنا فثرية للغاية‏,‏ حيث أتقنت أعمال الكورشيه وأقوم بتدريب زميلاتي داخل السجن وأتقاضي أجرا عن هذا العمل‏.‏
الوازع الديني
تقول د‏.‏ فوزية عبد الستار إن دراسة المرأة وجرائم المخدرات التي خرجت عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية هي دراسة شاملة عمليا وميدانيا من الناحية النظرية والتشريعية والميدانية لأنها تمت من واقع السيدات اللاتي حكم عليهن بجرائم المخدرات‏,‏ كيف انساقت أو نشأت في هذه البيئة الموبوءة وكيف تأثرت واتجهت في نفس الاتجاه أو جرفها التيار وانساقت الي هذا الطريق المظلم‏.‏
وهي مجموعة من الدراسات الميدانية التي يناقشها الباحثون في جميع الجوانب وتتحدث بتلقائية دون أي مخاوف من سرد الحقيقة دون زيف أو رتوش‏.‏ كما أنها دراسة جديدة لأن كل من تناول موضوع اتجار المرأة بالمخدرات ركز فقط علي زاوية معينة‏,‏ أما هذه الدراسة فقد تناولت بالبحث جميع الجوانب كالبيئة والمؤثرات والعوامل الاجتماعية والاقتصادية‏.‏ كل ذلك له أهمية في مواجهة الظاهرة لكي نقي المجتمع من هذا الشر البالغ‏..‏ فعندما نعرف العوامل يسهل علينا التحكم فيها‏,‏ لتوجيه السياسة العقابية في مصر لمواجهة الظاهرة‏.‏ وكذلك يستفيد المشرع عندما يضع يده علي العوامل الاجرامية وشخصية المرأة التي تستجيب لهذه العوامل‏.‏
وتضيف د‏.‏ فوزية أن الفقر ليس وحده هو الذي يدفع المرأة لتجارة المخدرات‏,‏ حيث إن العامل الديني له الوازع الأكبر في مثل هذه المسائل‏,‏ اذ كم من فقراء شرفاء‏,‏ فالمهم هو تفاعل الفقر مع القيم الأخلاقية‏..‏ ومن أن الخطأ أن توصيف المرأة التي تقدم علي تجارة المخدرات بالشجاعة لأن الأخيرة قيمة أخلاقية ايجابية والأحري أن توصف بالتهور‏..‏ وعندما تنزلق ساق المرأة للمخدرات فإنها لا تكون مدفوعة بفكرة المساواة بينها وبين الرجل ولكن فكرة خروجها للمجتمع واختلاطها بالناس جعلتها تكتسب خبرات الجريمة من المجتمع الذي تحتك به في الخارج‏.‏
وقبل أن أنهي حديثي للأهرام‏:‏ أعتقد أن العقوبات الموجودة في قانون المخدرات رادعة‏,‏ ولا أتصور أن تكون أكثر ردعا لأن القانون وحده لا يكفي للردع‏,‏ اذ لابد من تضافر عوامل ومؤثرات أخري في هذا الشأن‏..‏ فالعقوبة ليست هي العامل الوحيد في مواجهة الظاهرة بل هناك عوامل أخري كالتربية الأخلاقية والاجتماعية والدينية ودور الاعلام‏,‏ اذ كثيرا ما تعرض أفلام عن تجارة المخدرات والثراء السريع الذي يصاحب مروجيها‏,‏ وتنتهي أحداث الفيلم أو المسلسل بمجرد محاكمة بسيطة‏,‏ لهذا أطالب بأن يكون للإعلام دور ايجابي بإبراز الاضرار البالغة للانسان وتدميرها حياة الانسان‏.‏
تقول د‏.‏ سوسن فايد المديرة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية‏:‏ في الماضي كانت العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة التابع بالعائل الاقتصادي‏,‏ أما الآن وقد ظهرت مفاهيم تمكين المرأة ومساواتها بالرجل وإمكانية خلعه اذا لزم الأمر‏,‏ فقد هيأ لها هذا المناخ أن تعتمد علي نفسها‏..‏ كما أعطاها هذا المحيط الثقافي نوعا من الجرأة والاستغناء عن الرجل الي حد كبير‏..‏ وفي فترة من الفترات تم تدريب المرأة علي نقل المخدرات لأنه من الصعب تفتيشها‏..‏ وتم تدريبها بشكل غير مباشر وغير مقصود‏..‏ أما عامل الفقر فقد سبب لها نوعا من التوتر لعدم إشباع الاحتياجات الضرورية‏,‏ وبالتالي تضطر الي توفير المال بأي وسيلة‏,‏ هذا علاوة علي أنها دائمة الشعور بالقهر‏,‏ فتحاول استرداد ذاتها‏..‏ وعندما تشعر بعدم مساواتها مع الأخريات خاصة اذا كانت تعمل عملا مهينا كأن تكون خادمة أو عاملة بكافيتيريا مما يشعرها بأنها مواطنة من الدرجة الثانية فهنا فقط تهون عليها نفسها وتتصرف بلا مبالاة كي تتساوي بالأخريات‏.‏ مما يترتب عليه من آثار نفسية تحدث تركيبة معينة مهيئة لاختراق هذا المجال الذي يساعدها علي الحصول علي المال لتتخلص من الاحساس بالعوذ والاحتياج‏,‏ هذا فضلا عن تراجع المسئولية الاجتماعية للدولة التي قليلا ما تنظر الي الفئات الأقل في المجتمع نتيجة للتحول الاقتصادي وسيادة الاجتهادات الفردية التي تجعل كل فرد يسلك سلوكه‏.‏
وتؤكد د‏.‏ سوسن أن الفئات المتدنية تعتبر أن مسألة اختراق القانون نوع من المهارة العالية والفتونة اللاأخلاقية‏.‏ وهي نوع من المفاهيم المزدوجة نتيجة لغياب الأدوار وعدم وجود متابعة دورية وانتشار ثقافة سلبية تقوم علي أساس فئوي في ظل غياب ثقافة مضادة تتبناها وزارة الثقافة والاعلام لأجل المجتمع وتتصدي لما يسمي بالتعليم الوهمي الذي يهتم بالمبني لا المعني‏.‏ وتري أن هناك أمية ثقافة وعشوائية في الاعلام‏,‏ وتراجعا واضحا للمؤسسة الدينية‏,‏ لذا ينبغي أن يقوم المسئولون عن البناء النفسي والسلوكي والأخلاقي للمواطن المصري بدورهم علي أكمل وجه لمواجهة مثل هذه الظواهر‏..‏ ويعد غياب المؤسسات الاجتماعية المسئول الأول عن حالة التحلل التي وصل اليها الشباب والتي تتضح جليا في حرية ومشروعية البيع والشراء للمخدر‏..‏ كما أنه لا يمكننا أن نتجاهل مسألة تغييب العقل وانتهاك المواطن المصري الذي يلعب المخدر دورا في جعله في حالة هدوء غير طبيعي‏..‏ لهذا أناشد المسئولين بأن يبدأوا عقدا اجتماعيا جديدا للإصلاح‏,‏ خاصة أن الناس متعطشة لإصلاح ما أفسده الزمن‏.‏
تفكك أسري
يقول الدكتور يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي ان المرأة إذا اتجهت إلي تجارة المخدرات فإن البعد الاقتصادي ليس هو العامل الأهم في الموضوع‏,‏ ولكن التفكك الأسري والتفسخ العائلي هما العامل الأهم‏.‏ والمرأة إذا اتجهت لهذه التجارة فإنها تقوم بذلك كشريك وليس كمستقلة‏,‏ إذ غالبا ما يدفعها الرجل إلي المشاركة بالاتجار أو التعاطي‏..‏ وفي أحيان أخري تندفع المرأة لتصحيح أوضاعها المادية‏.‏
ويضيف أنه في أحيان أخري هناك وراثة اجتماعية كأن تنشأ المرأة في أسرة ترعي تجارة المخدرات‏,‏ بحيث تضطر المرأة الي معايشة المناخ الأسري العائل الذي يرعي هذه التجارة‏.‏
وهناك امرأة تنزلق رجلها لهذا التيار بالصدفة وتتعرض لاعتداءات جنسية‏,‏ أو القهر والتهديد بالتشويه‏..‏ وبالتالي يتم اجبارها من قبل تاجر المخدرات علي الاتجار عندما تقع فريسة لاعتداءات جنسية أو غير جنسية‏,‏ وبعد أن تضطر إلي الاستسلام تنزلق أقدامها في هذا المجال‏.‏
وقبل أن ينهي حديثه‏,‏ يؤكد د‏.‏ يسري عبدالمحسن أن هناك أيضا شخصيات سيكوباتية عدوانية اجرامية تدخل شتي مجالات الجريمة النفسية كخطف الأطفال والقتل والنهب‏,‏ ومنها أيضا جرائم المخدرات‏,‏ علاوة علي عامل الجهل الذي يلعب دورا كبيرا‏,‏ وكذلك الأمية الثقافية‏,‏ مضافا إليها مستويات المعيشة المتدنية‏..‏ والأهم من ذلك أن هناك شريحة تنشد مزيدا من الغني والثراء الفاحش‏.‏
يقول المستشار مصطفي أبوطالب‏:‏ يلعب البعد الوراثي دورا كبيرا في اتجاه المرأة إلي تجارة المخدرات‏...‏ كما أن عددا كبيرا من المحكوم عليهن في جرائم المخدرات من خادمات المنازل‏,‏ خاصة اللاتي يعملن في شقق مفروشة‏..‏ ويبدو أن الشريحة التي تقبل علي المخدرات هي رواد هذه الشقق‏..‏ وعندما تقوم الخادمة بشراء المخدرات فإنها في معظم الأحيان تقوم بتوسيع نشاطها والبيع لرواد الشقق وغيرهم‏..‏
أما أغرب القضايا التي أصدرت فيها حكما بالسجن المشدد‏,‏ فكانت لسيدة ثرية‏,‏ أدمن ابنها المخدرات واضطرت لشراء المخدر له بنفسها من تجار المخدرات‏,‏ وكنتيجة طبيعية للاحتكاك بهم‏,‏ احترفت هي الأخري تجارة الممنوع‏.‏ وبعد أن كانت تشتري لابنها فقط‏,‏ توسعت في النشاط وأصبحت تشتري له وأصدقائه‏,‏ وساعدها في عملية التوزيع‏,‏ خاصة انه أصبح يحصل علي جرعته مجانا‏.‏ وبوقوع هذه السيدة في طائلة القانون‏,‏ تم الحكم عليها بالسجن المشدد‏.‏
ويضيف د‏.‏ أبوطالب ان الأقراص المخدرة أي البرشام تعد من أخطر أنواع المخدرات‏,‏ إذ يتعدي تأثيرها الضار الي الغير‏,‏ حيث تجلب الأفكار الشريرة للمدمن وتزين له أي نشاط اجرامي‏,‏ ويقدم عليه بالفعل دون التفكير في عواقبه‏,‏ خاصة وأنها تعطيهم قدرا وافرا من الجرأة التي تساعدهم علي ارتكاب الجرائم‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.