انتخابات النواب، انطلاق جولة الإعادة في 139 لجنة بدائرة شرق أسيوط    بدء التصويت في جولة الإعادة ب19 دائرة ملغاة بانتخابات النواب    مصدر أمني: انتظام الخدمات الأمنية بمحيط لجان الدوائر ال 19 الملغاة من انتخابات النواب    الإحصاء: 607.2 مليون دولار صادرات مصر من السلع لدول شرق أوروبا خلال سبتمبر 2025    أسعار الخضراوات اليوم 27 ديسمبر.. البطاطس تبدأ من 4 جنيهات للكيلو    "الزراعة" تستعرض أنشطة مركز البحوث الزراعية خلال أسبوع    تايلاند وكمبوديا يوقعان اتفاقا لوقف إطلاق النار    روسيا تعلن إسقاط 7 مسيّرات أوكرانية وكييف تتعرض لهجوم صاروخي    أبرزها مواجهة نيجيريا وتونس، مواعيد مباريات اليوم بكأس الأمم الأفريقية والقنوات الناقلة    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وأمطار على عدة مناطق ونشاط رياح    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب تروسيكل بالبحيرة    نظر محاكمة 214 متهما بقضية "خلية تنظيم داعش التجمع".. اليوم    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء العودة للخلف بالعياط    اليوم.. محاكمة زوجة بهاء سلطان فى واقعة سب وقذف خالتها    الإعلان التشويقي لفيلم الإثارة Apex وهذا موعد عرضه رسميا (فيديو)    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 27 ديسمبر 2025    في غياب الدوليين.. قائمة النادي الأهلي لمواجهة المصرية للاتصالات "وي" اليوم بدور ال 32 من كأس مصر    من 8 صباحا والعودة مفتوحة، فصل الكهرباء اليوم عن 5 مناطق في إسنا جنوب الأقصر    انفصال بعد 21 عامًا يشعل السوشيال.. داليا مصطفى في صدارة الاهتمام وتفتح صفحة جديدة فنيًا    منها السرطان والخصوبة، النوم بجانب هاتفك يصيبك ب 4 أمراض خطرة على المدى الطويل    جاهزية 550 مقرًا انتخابيًا في سوهاج لجولة الإعادة بانتخابات مجلس النواب 2025    "التحالف الوطني" يُطلق مسابقة "إنسان لأفضل متطوع" ويوقع أعضاؤه أول ميثاق أخلاقي مشترك للتطوع في مصر| صور    افتتاح مسجد «عبد الله بن عباس» بمدينة القصير بتكلفة 7.5 مليون جنيه| صور    عماد الزيني رئيسًا ل "هواة الصيد" ببورفؤاد.. والجمعية العمومية ترسم لوحة الانتصار ب 2025    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد    بورسعيد تهدي الوطن أكبر قلاعها الطبية.. افتتاح المستشفى الجامعي| صور    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    الجدة والعمة والأم يروين جريمة الأب.. قاتل طفلته    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    صور من الظل إلى العلن.. الديمقراطيون يفضحون شبكة علاقات إبستين    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    فلافيو يكشف عن توقعاته لطرفي المباراة النهائية بأمم إفريقيا    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    الأردن يدين الانفجار الإرهابي في مسجد بحمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    الشدة تكشف الرجال    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيقات في سجن القناطر لزيارة نساء المخدرات‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 05 - 2010

عندما تتجه المرأة للاتجار بالمخدرات‏,‏ تري ما الذي يدفعها؟‏!‏ هل هو الفقر أم قهر الرجال أم ماذا؟‏!‏ هل حواء بريئة‏,‏ مظلومة وضحية مجتمع أم مجرمة متورطة مع سبق الاصرار والترصد‏. تلهث وراء جمع المال بطرق غير مشروعة غير عابئة بما ينتج عن ذلك من هدر لطاقة وعقول الشباب ضحايا الكيف والمزاج؟‏ وأيا كانت أسباب أو نتائج اتجار المرأة بالمخدرات‏,‏ فقد حظيت هذه القضية باهتمام كبير خصوصا لدي الأوساط الثقافية والمراكز البحثية في مصر‏..‏ نذكر علي سبيل المثال الدراسة الثرية التي انطلقت من المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية تحت عنوان المرأة وجرائم المخدرات في المجتمع المصري لنخبة متميزة من الباحثين والمتخصصين كالدكتورة سهير عبد المنعم والدكتورة فوزية عبد الستار وغيرهما ممن دفعتهم غيرتهم الوطنية علي مستقبل التنمية في مصر إلي الرصد والتحليل‏,‏ لمواجهة خطر المخدرات التي تأكل في طريقها الاخضر واليابس لتنال أول ما تنال الشباب‏,‏ وتدمر صحته وتخمد طاقته‏,‏ أما المرأة تاجرة المخدرات‏,‏ فعندما تقع تحت طائلة القانون فإن التشرد والتفكك الأسري هو المصير الأكيد للأبناء‏.‏
حول المرأة موضوع الدراسة كان التحقيق من واقع زيارات ميدانية لسجن النساء بالقناطر الخيرية‏:‏
من داخل سجن النساء بالقناطر كان اللقاء مع أقدم سجينة هناك ن‏.‏ف والتي تبلغ من العمر‏64‏ عاما قضت منهما ما يقرب من عشرين عاما خلف القضبان الحديدية بتهمة جلب مخدرات من خارج البلاد‏.‏
تقول‏:‏ بدأت مشكلتي قبل عشرين عاما من الآن عندما قررت أنا وزوجي العراقي الأصل وأولادنا الثلاثة القدوم الي مصر بعد اندلاع الحرب بين العراق والكويت تاركين خلفنا ذكريات استمرت علي مدي ربع قرن في العراق‏,‏ وكان بصحبتي علي الطائرة صديقة لي مع زوجها الذي طلب مني أن أستضيف زوجته وابنته عندي حتي يقوم بتدبير مسكن للزوجية‏.‏
وفجأة قررت هذه السيدة هي الأخري السفر إلي ليبيا‏,‏ وتركت ابنتها عندي علي سبيل الأمانة‏,‏ وبعد غياب دام عشرة أيام جاءت إلي مسكني في فيصل وبصحبتها الشرطة التي طلبت إلي أن أذهب معهم إلي الإسكندرية‏,‏ وهناك وجهت لي تهمة جلب مخدرات من الخارج بمعاونة هذه السيدة ومعها ستة أفراد‏...‏ توالت التحقيقات معي‏,‏ واستمرت علي مدي عام‏,‏ وخرجت هذه السيدة ومعاونوها كالشعرة من العجينة رغم أن العرف السائد في هذه الجرائم أن الحرز لمن أحرزه أما أنا فأقضي عقوبة السجن المؤبد‏,‏ وذهب العمر وانقضي‏,‏ ولم تعد لي مطالب في الحياة سوي الخروج قبل انتهاء المدة لأقضي ما تبقي لي من عمر مع ابنتي اللتين حرمتا مني طوال هذه السنوات‏,‏ أما ابني فقد تزوج‏,‏ ولم يعد بحاجة إلي‏.‏
انتهي لقائي مع السيدة ن‏.‏ف ولكن لم يتوقف بداخلي صوت مطلبها الإنساني الذي اتمني أن يجد صدي واستجابة لدي المسئولين بأن تخرج قبل انتهاء المدة‏,‏ وتحصل علي إفراج صحي‏,‏ خاصة أنها مريضة قلب‏,‏ وتعاني مشكلات صحية‏,‏ وهو ما رأيته رأي العين عندما جاءتني تمشي علي مهل وتتنفس بصعوبة بعد انتظار دام لاكثر من ثلث ساعة‏.‏
المخدرات نشاط عائلي
ومن نموذج للتعاطف لنموذج آخر للرثاء والاستهجان‏..‏ اللقاء مع المرأة الجميلة في المنبت السوء السيدة ل‏.‏ال‏.‏ع‏26‏ عاما سوابق مخدرات ثاني مرة‏,‏ شأنها في ذلك شأن باقي أفراد عائلتها لأن المخدرات نشاط عائلي‏,‏ فالأب يقضي الآن حكما بعشر سنوات ومعه اثنان من أشقائها الذكور‏,‏ أما الأخ الثالث‏,‏ فيقضي الآن حكما بست سنوات أما اختها الأصغر‏,‏ فقد دخلت عليها في نفس قضية المخدرات لتقضي‏3‏ سنوات‏,‏ أما الزوج فقد قضي هو الآخر سبع سنوات وخرج منذ عام‏..‏
كانت صدمتي وسؤالي عن أحوال ما تبقي من أبناء وأحفاد بالخارج‏,‏ ومن يعول كل هؤلاء فقالت لي ربنا ما بينساش حد وهم الآن مع أمي واختي الكبري‏.‏
في نهاية حديثها معي أكدت لي عدم العودة للاتجار مرة ثانية مشيرة إلي أنها تعلمت داخل السجن مهنة شريفة‏,‏ وهي صناعة السجاد‏,‏ أما في المرة الأولي‏,‏ فلم تتعلم شيئا لأنها قضت مدة العقوبة في السجن الاحتياطي ببورسعيد‏,‏ ولم تتوافر هناك أي فرصة للتدريب‏.‏
الاتجار بديلا للتعاطي
أما لقائي الثالث فكان مع السيدة ن‏.‏ع‏38‏ عاما التي اعترفت لي بأنها أحترفت اتجار المخدرات بعد أن تعرفت عليها لأول مرة في جلسات مزاج خاصة مع جاراتها من رفيقات السوء اللاتي تعودن استقطاع جزء من الحشيش الخاص بأزواجهن وتدخينة خلسة في أثناء تبادل الزيارات مع بعضهن البعض‏,‏ وبدلا من أن تقتصر علاقة المرأة بالمخدر علي ضبط المزاج والتسلية النسائية‏,‏ هداها تفكيرها إلي الاتجار بالمخدرات‏,‏ فقامت بشراء الحشيش من منطقة أبو الغيط‏,‏ وبيعه في منطقة الزاوية الحمراء محل السكن ليتحول الأمر من مجرد تضييع وقت وتسلية إلي اتجار حقيقي بالمخدرات دون علم الزوج حسب روايتها‏,‏ ولم يدم الحال طويلا اذ سرعان ما وقعت تحت طائلة القانون لتقضي عقوبتها الآن داخل السجن مع طفلها الرضيع الذي وضعته داخل السجن بعيدا عن إخوته الخمسة الذين يعيشون الآن مع أبيهم‏,‏ ولا أحد يعلم هل تاجرت بالفعل دون علم الزوج أم أنه كان غطاء لها؟‏!....‏
وقبل أن أترك هذه السيدة ورضيعها ابن التسعة أشهر‏,‏ همست إلي قائلة‏:‏ اكتشفت وللأسف‏,‏ وبعد فوات الأوان أن المخدرات طريق للندامة وليس للسلامة‏.‏
أما الحالة الأخيرة فكانت للسيدة ش‏.‏م‏48‏ عاما من شبرا مصر تقضي الآن السنة الثانية من حكم بالمؤبد مثلها مثل زوجها الذي أنقذه الموت من نفس المصير بعد أن قضي عاما واحدا من تأبيدته ليواري جسده التراب ويرقد حيث مثواه الأخير حيث ينال عقاب الآخرة بعد أن تاجر بعقول الشباب وأرواح البشر‏..‏
تقول نزيلة سجن النساء‏:‏ لم أكن أعلم بممارسة زوجي لنشاط المخدرات الا بعد أن وضعت طفلي الأول ورأيت بعيني تردد الشرطة علي منزلنا‏,‏ لدرجة أن أحد الضباط كان يمزح معي ويقول أما كنت تعلمين أن زوجك مسجل خطر؟‏..‏ ومع هذه التأكيدات المتزايدة‏,‏ لم يستطع زوجي الانكار واعترف أنه يتاجر بالفعل وأن التاكسي الذي يملكه مجرد غطاء‏.‏ لم أشأ أن أطلب الطلاق لأنني كنت حاملا بطفلي الثاني ورضخت للأمر الواقع وانزلقت دون ذنب الي حافة الهاوية وأواجه الآن مصيري كما ترين تاركة ورائي ولدا وبنتا يعيشان مع زوجة الأب الأولي‏.‏ أما تجربتي هنا فثرية للغاية‏,‏ حيث أتقنت أعمال الكورشيه وأقوم بتدريب زميلاتي داخل السجن وأتقاضي أجرا عن هذا العمل‏.‏
الوازع الديني
تقول د‏.‏ فوزية عبد الستار إن دراسة المرأة وجرائم المخدرات التي خرجت عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية هي دراسة شاملة عمليا وميدانيا من الناحية النظرية والتشريعية والميدانية لأنها تمت من واقع السيدات اللاتي حكم عليهن بجرائم المخدرات‏,‏ كيف انساقت أو نشأت في هذه البيئة الموبوءة وكيف تأثرت واتجهت في نفس الاتجاه أو جرفها التيار وانساقت الي هذا الطريق المظلم‏.‏
وهي مجموعة من الدراسات الميدانية التي يناقشها الباحثون في جميع الجوانب وتتحدث بتلقائية دون أي مخاوف من سرد الحقيقة دون زيف أو رتوش‏.‏ كما أنها دراسة جديدة لأن كل من تناول موضوع اتجار المرأة بالمخدرات ركز فقط علي زاوية معينة‏,‏ أما هذه الدراسة فقد تناولت بالبحث جميع الجوانب كالبيئة والمؤثرات والعوامل الاجتماعية والاقتصادية‏.‏ كل ذلك له أهمية في مواجهة الظاهرة لكي نقي المجتمع من هذا الشر البالغ‏..‏ فعندما نعرف العوامل يسهل علينا التحكم فيها‏,‏ لتوجيه السياسة العقابية في مصر لمواجهة الظاهرة‏.‏ وكذلك يستفيد المشرع عندما يضع يده علي العوامل الاجرامية وشخصية المرأة التي تستجيب لهذه العوامل‏.‏
وتضيف د‏.‏ فوزية أن الفقر ليس وحده هو الذي يدفع المرأة لتجارة المخدرات‏,‏ حيث إن العامل الديني له الوازع الأكبر في مثل هذه المسائل‏,‏ اذ كم من فقراء شرفاء‏,‏ فالمهم هو تفاعل الفقر مع القيم الأخلاقية‏..‏ ومن أن الخطأ أن توصيف المرأة التي تقدم علي تجارة المخدرات بالشجاعة لأن الأخيرة قيمة أخلاقية ايجابية والأحري أن توصف بالتهور‏..‏ وعندما تنزلق ساق المرأة للمخدرات فإنها لا تكون مدفوعة بفكرة المساواة بينها وبين الرجل ولكن فكرة خروجها للمجتمع واختلاطها بالناس جعلتها تكتسب خبرات الجريمة من المجتمع الذي تحتك به في الخارج‏.‏
وقبل أن أنهي حديثي للأهرام‏:‏ أعتقد أن العقوبات الموجودة في قانون المخدرات رادعة‏,‏ ولا أتصور أن تكون أكثر ردعا لأن القانون وحده لا يكفي للردع‏,‏ اذ لابد من تضافر عوامل ومؤثرات أخري في هذا الشأن‏..‏ فالعقوبة ليست هي العامل الوحيد في مواجهة الظاهرة بل هناك عوامل أخري كالتربية الأخلاقية والاجتماعية والدينية ودور الاعلام‏,‏ اذ كثيرا ما تعرض أفلام عن تجارة المخدرات والثراء السريع الذي يصاحب مروجيها‏,‏ وتنتهي أحداث الفيلم أو المسلسل بمجرد محاكمة بسيطة‏,‏ لهذا أطالب بأن يكون للإعلام دور ايجابي بإبراز الاضرار البالغة للانسان وتدميرها حياة الانسان‏.‏
تقول د‏.‏ سوسن فايد المديرة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية‏:‏ في الماضي كانت العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة التابع بالعائل الاقتصادي‏,‏ أما الآن وقد ظهرت مفاهيم تمكين المرأة ومساواتها بالرجل وإمكانية خلعه اذا لزم الأمر‏,‏ فقد هيأ لها هذا المناخ أن تعتمد علي نفسها‏..‏ كما أعطاها هذا المحيط الثقافي نوعا من الجرأة والاستغناء عن الرجل الي حد كبير‏..‏ وفي فترة من الفترات تم تدريب المرأة علي نقل المخدرات لأنه من الصعب تفتيشها‏..‏ وتم تدريبها بشكل غير مباشر وغير مقصود‏..‏ أما عامل الفقر فقد سبب لها نوعا من التوتر لعدم إشباع الاحتياجات الضرورية‏,‏ وبالتالي تضطر الي توفير المال بأي وسيلة‏,‏ هذا علاوة علي أنها دائمة الشعور بالقهر‏,‏ فتحاول استرداد ذاتها‏..‏ وعندما تشعر بعدم مساواتها مع الأخريات خاصة اذا كانت تعمل عملا مهينا كأن تكون خادمة أو عاملة بكافيتيريا مما يشعرها بأنها مواطنة من الدرجة الثانية فهنا فقط تهون عليها نفسها وتتصرف بلا مبالاة كي تتساوي بالأخريات‏.‏ مما يترتب عليه من آثار نفسية تحدث تركيبة معينة مهيئة لاختراق هذا المجال الذي يساعدها علي الحصول علي المال لتتخلص من الاحساس بالعوذ والاحتياج‏,‏ هذا فضلا عن تراجع المسئولية الاجتماعية للدولة التي قليلا ما تنظر الي الفئات الأقل في المجتمع نتيجة للتحول الاقتصادي وسيادة الاجتهادات الفردية التي تجعل كل فرد يسلك سلوكه‏.‏
وتؤكد د‏.‏ سوسن أن الفئات المتدنية تعتبر أن مسألة اختراق القانون نوع من المهارة العالية والفتونة اللاأخلاقية‏.‏ وهي نوع من المفاهيم المزدوجة نتيجة لغياب الأدوار وعدم وجود متابعة دورية وانتشار ثقافة سلبية تقوم علي أساس فئوي في ظل غياب ثقافة مضادة تتبناها وزارة الثقافة والاعلام لأجل المجتمع وتتصدي لما يسمي بالتعليم الوهمي الذي يهتم بالمبني لا المعني‏.‏ وتري أن هناك أمية ثقافة وعشوائية في الاعلام‏,‏ وتراجعا واضحا للمؤسسة الدينية‏,‏ لذا ينبغي أن يقوم المسئولون عن البناء النفسي والسلوكي والأخلاقي للمواطن المصري بدورهم علي أكمل وجه لمواجهة مثل هذه الظواهر‏..‏ ويعد غياب المؤسسات الاجتماعية المسئول الأول عن حالة التحلل التي وصل اليها الشباب والتي تتضح جليا في حرية ومشروعية البيع والشراء للمخدر‏..‏ كما أنه لا يمكننا أن نتجاهل مسألة تغييب العقل وانتهاك المواطن المصري الذي يلعب المخدر دورا في جعله في حالة هدوء غير طبيعي‏..‏ لهذا أناشد المسئولين بأن يبدأوا عقدا اجتماعيا جديدا للإصلاح‏,‏ خاصة أن الناس متعطشة لإصلاح ما أفسده الزمن‏.‏
تفكك أسري
يقول الدكتور يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي ان المرأة إذا اتجهت إلي تجارة المخدرات فإن البعد الاقتصادي ليس هو العامل الأهم في الموضوع‏,‏ ولكن التفكك الأسري والتفسخ العائلي هما العامل الأهم‏.‏ والمرأة إذا اتجهت لهذه التجارة فإنها تقوم بذلك كشريك وليس كمستقلة‏,‏ إذ غالبا ما يدفعها الرجل إلي المشاركة بالاتجار أو التعاطي‏..‏ وفي أحيان أخري تندفع المرأة لتصحيح أوضاعها المادية‏.‏
ويضيف أنه في أحيان أخري هناك وراثة اجتماعية كأن تنشأ المرأة في أسرة ترعي تجارة المخدرات‏,‏ بحيث تضطر المرأة الي معايشة المناخ الأسري العائل الذي يرعي هذه التجارة‏.‏
وهناك امرأة تنزلق رجلها لهذا التيار بالصدفة وتتعرض لاعتداءات جنسية‏,‏ أو القهر والتهديد بالتشويه‏..‏ وبالتالي يتم اجبارها من قبل تاجر المخدرات علي الاتجار عندما تقع فريسة لاعتداءات جنسية أو غير جنسية‏,‏ وبعد أن تضطر إلي الاستسلام تنزلق أقدامها في هذا المجال‏.‏
وقبل أن ينهي حديثه‏,‏ يؤكد د‏.‏ يسري عبدالمحسن أن هناك أيضا شخصيات سيكوباتية عدوانية اجرامية تدخل شتي مجالات الجريمة النفسية كخطف الأطفال والقتل والنهب‏,‏ ومنها أيضا جرائم المخدرات‏,‏ علاوة علي عامل الجهل الذي يلعب دورا كبيرا‏,‏ وكذلك الأمية الثقافية‏,‏ مضافا إليها مستويات المعيشة المتدنية‏..‏ والأهم من ذلك أن هناك شريحة تنشد مزيدا من الغني والثراء الفاحش‏.‏
يقول المستشار مصطفي أبوطالب‏:‏ يلعب البعد الوراثي دورا كبيرا في اتجاه المرأة إلي تجارة المخدرات‏...‏ كما أن عددا كبيرا من المحكوم عليهن في جرائم المخدرات من خادمات المنازل‏,‏ خاصة اللاتي يعملن في شقق مفروشة‏..‏ ويبدو أن الشريحة التي تقبل علي المخدرات هي رواد هذه الشقق‏..‏ وعندما تقوم الخادمة بشراء المخدرات فإنها في معظم الأحيان تقوم بتوسيع نشاطها والبيع لرواد الشقق وغيرهم‏..‏
أما أغرب القضايا التي أصدرت فيها حكما بالسجن المشدد‏,‏ فكانت لسيدة ثرية‏,‏ أدمن ابنها المخدرات واضطرت لشراء المخدر له بنفسها من تجار المخدرات‏,‏ وكنتيجة طبيعية للاحتكاك بهم‏,‏ احترفت هي الأخري تجارة الممنوع‏.‏ وبعد أن كانت تشتري لابنها فقط‏,‏ توسعت في النشاط وأصبحت تشتري له وأصدقائه‏,‏ وساعدها في عملية التوزيع‏,‏ خاصة انه أصبح يحصل علي جرعته مجانا‏.‏ وبوقوع هذه السيدة في طائلة القانون‏,‏ تم الحكم عليها بالسجن المشدد‏.‏
ويضيف د‏.‏ أبوطالب ان الأقراص المخدرة أي البرشام تعد من أخطر أنواع المخدرات‏,‏ إذ يتعدي تأثيرها الضار الي الغير‏,‏ حيث تجلب الأفكار الشريرة للمدمن وتزين له أي نشاط اجرامي‏,‏ ويقدم عليه بالفعل دون التفكير في عواقبه‏,‏ خاصة وأنها تعطيهم قدرا وافرا من الجرأة التي تساعدهم علي ارتكاب الجرائم‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.