تجارة القناة تعلن قواعد القبول بالبرامج الجديدة بنظام الساعات المعتمدة للعام الجامعي 2026    عاجل من الضرائب، إلزام فئات جديدة بإصدار إيصالات إلكترونية في هذا الموعد    قيادي بحماس: تعاملنا بمسؤولية ومرونة في المفاوضات وطالبنا بضمان تدفق المساعدات    تطورات مهمة في عرض قاسم باشا التركي لشراء لاعب الأهلي    محاكمة ربة منزل بالمرج بتهم الترويج للأعمال المنافية والنصب على المواطنين    تشغيل قطارات جديدة على خط مطروح    مفاوضات مع مايلي سايرس وآريانا جراندي لتقديم عرض مشترك في Super Bowl    باحث أكاديمي ينفي عن توفيق الحكيم صفة البخل ويكشف تفاصيل مساهمته في تأسيس معهد الموسيقى    «100 يوم صحة» تقدم أكثر من 15 مليون خدمة طبية مجانية خلال 10 أيام    تجديد حبس سائق بتهمة سرقة 6 ملايين جنيه من مالك شركة يعمل بها بالعمرانية    الأرصاد تحذر من ذروة موجة حارة تضرب القاهرة    تنسيق 2025.. موعد المرحلة الأولى لطلاب الثانوية العامة وأسماء الكليات المتاحة لكل شعبة (تصريحات خاصة)    أسعار الخضروات اليوم السبت 26 يوليو في سوق العبور للجملة    مطار مرسى علم يستقبل 184 رحلة من 15 دولة أوروبية الأسبوع الجاري    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    كيم جونج أون لجيشه: يجب الإستعداد ل«حرب حقيقية في أي وقت»    الكونجرس الأمريكي: 75% من سكان غزة يواجهون مجاعة عقب الحصار الذي فرضه نتنياهو    تعرف شخصية ليلى زاهر في مسلسل وادي وبنت وشايب    تعرف على موعد عرض أولى حلقات مسلسل « قهوة 2» ل أحمد فهمي    قائمة الجامعات الأهلية المعتمدة في تنسيق 2025.. دليل شامل للطلاب الجدد    «لو ابنك بلع مياه من حمام السباحة؟».. خطوات فورية تحميه من التسمم والأمراض    «خبراء يحذرون»: لا تغلي «الشاي مع الحليب» لهذا السبب    «لماذا ينصح بتناول لحم الديك الرومي؟»... فوائد مذهلة لهذه الفئات    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025.. الجنيه الذهب ب37040 جنيها    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    اكتشاف حفرية ديناصور عمرها 67.5 مليون عام تحت موقف سيارات متحف دنفر    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    أسفار الحج (9).. زمزم والنيل    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    رابطة الأندية توجه الدعوة لأبو ريدة لحضور قرعة الدوري    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    أبو حلاوة يا تين.. عم محمود أقدم بائع تين شوكى فى مصر عمره 65 سنة.. فيديو    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    برج الحوت.. حظك اليوم السبت 26 يوليو: رسائل غير مباشرة    إيطاليا: الاعتراف بدولة فلسطين ليس ممكنا إلا باعترافها بإسرائيل    2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الجزار: الأهلي تواصل معي لضمي.. وهذا موقفي من الانتقال ل الزمالك    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    حماس: لم نُبلغ بوجود أي إشكال بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ونستغرب تصريحات ترامب    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    قفزة في أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 26 يوليو 2025    رفعت فياض يكتب: نصيحتي لكل الناجحين في الثانوية العامة.. لا تلتحق بأي كلية استخسارًا للمجموع أو على غير رغبتك    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيقات في سجن القناطر لزيارة نساء المخدرات‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 05 - 2010

عندما تتجه المرأة للاتجار بالمخدرات‏,‏ تري ما الذي يدفعها؟‏!‏ هل هو الفقر أم قهر الرجال أم ماذا؟‏!‏ هل حواء بريئة‏,‏ مظلومة وضحية مجتمع أم مجرمة متورطة مع سبق الاصرار والترصد‏. تلهث وراء جمع المال بطرق غير مشروعة غير عابئة بما ينتج عن ذلك من هدر لطاقة وعقول الشباب ضحايا الكيف والمزاج؟‏ وأيا كانت أسباب أو نتائج اتجار المرأة بالمخدرات‏,‏ فقد حظيت هذه القضية باهتمام كبير خصوصا لدي الأوساط الثقافية والمراكز البحثية في مصر‏..‏ نذكر علي سبيل المثال الدراسة الثرية التي انطلقت من المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية تحت عنوان المرأة وجرائم المخدرات في المجتمع المصري لنخبة متميزة من الباحثين والمتخصصين كالدكتورة سهير عبد المنعم والدكتورة فوزية عبد الستار وغيرهما ممن دفعتهم غيرتهم الوطنية علي مستقبل التنمية في مصر إلي الرصد والتحليل‏,‏ لمواجهة خطر المخدرات التي تأكل في طريقها الاخضر واليابس لتنال أول ما تنال الشباب‏,‏ وتدمر صحته وتخمد طاقته‏,‏ أما المرأة تاجرة المخدرات‏,‏ فعندما تقع تحت طائلة القانون فإن التشرد والتفكك الأسري هو المصير الأكيد للأبناء‏.‏
حول المرأة موضوع الدراسة كان التحقيق من واقع زيارات ميدانية لسجن النساء بالقناطر الخيرية‏:‏
من داخل سجن النساء بالقناطر كان اللقاء مع أقدم سجينة هناك ن‏.‏ف والتي تبلغ من العمر‏64‏ عاما قضت منهما ما يقرب من عشرين عاما خلف القضبان الحديدية بتهمة جلب مخدرات من خارج البلاد‏.‏
تقول‏:‏ بدأت مشكلتي قبل عشرين عاما من الآن عندما قررت أنا وزوجي العراقي الأصل وأولادنا الثلاثة القدوم الي مصر بعد اندلاع الحرب بين العراق والكويت تاركين خلفنا ذكريات استمرت علي مدي ربع قرن في العراق‏,‏ وكان بصحبتي علي الطائرة صديقة لي مع زوجها الذي طلب مني أن أستضيف زوجته وابنته عندي حتي يقوم بتدبير مسكن للزوجية‏.‏
وفجأة قررت هذه السيدة هي الأخري السفر إلي ليبيا‏,‏ وتركت ابنتها عندي علي سبيل الأمانة‏,‏ وبعد غياب دام عشرة أيام جاءت إلي مسكني في فيصل وبصحبتها الشرطة التي طلبت إلي أن أذهب معهم إلي الإسكندرية‏,‏ وهناك وجهت لي تهمة جلب مخدرات من الخارج بمعاونة هذه السيدة ومعها ستة أفراد‏...‏ توالت التحقيقات معي‏,‏ واستمرت علي مدي عام‏,‏ وخرجت هذه السيدة ومعاونوها كالشعرة من العجينة رغم أن العرف السائد في هذه الجرائم أن الحرز لمن أحرزه أما أنا فأقضي عقوبة السجن المؤبد‏,‏ وذهب العمر وانقضي‏,‏ ولم تعد لي مطالب في الحياة سوي الخروج قبل انتهاء المدة لأقضي ما تبقي لي من عمر مع ابنتي اللتين حرمتا مني طوال هذه السنوات‏,‏ أما ابني فقد تزوج‏,‏ ولم يعد بحاجة إلي‏.‏
انتهي لقائي مع السيدة ن‏.‏ف ولكن لم يتوقف بداخلي صوت مطلبها الإنساني الذي اتمني أن يجد صدي واستجابة لدي المسئولين بأن تخرج قبل انتهاء المدة‏,‏ وتحصل علي إفراج صحي‏,‏ خاصة أنها مريضة قلب‏,‏ وتعاني مشكلات صحية‏,‏ وهو ما رأيته رأي العين عندما جاءتني تمشي علي مهل وتتنفس بصعوبة بعد انتظار دام لاكثر من ثلث ساعة‏.‏
المخدرات نشاط عائلي
ومن نموذج للتعاطف لنموذج آخر للرثاء والاستهجان‏..‏ اللقاء مع المرأة الجميلة في المنبت السوء السيدة ل‏.‏ال‏.‏ع‏26‏ عاما سوابق مخدرات ثاني مرة‏,‏ شأنها في ذلك شأن باقي أفراد عائلتها لأن المخدرات نشاط عائلي‏,‏ فالأب يقضي الآن حكما بعشر سنوات ومعه اثنان من أشقائها الذكور‏,‏ أما الأخ الثالث‏,‏ فيقضي الآن حكما بست سنوات أما اختها الأصغر‏,‏ فقد دخلت عليها في نفس قضية المخدرات لتقضي‏3‏ سنوات‏,‏ أما الزوج فقد قضي هو الآخر سبع سنوات وخرج منذ عام‏..‏
كانت صدمتي وسؤالي عن أحوال ما تبقي من أبناء وأحفاد بالخارج‏,‏ ومن يعول كل هؤلاء فقالت لي ربنا ما بينساش حد وهم الآن مع أمي واختي الكبري‏.‏
في نهاية حديثها معي أكدت لي عدم العودة للاتجار مرة ثانية مشيرة إلي أنها تعلمت داخل السجن مهنة شريفة‏,‏ وهي صناعة السجاد‏,‏ أما في المرة الأولي‏,‏ فلم تتعلم شيئا لأنها قضت مدة العقوبة في السجن الاحتياطي ببورسعيد‏,‏ ولم تتوافر هناك أي فرصة للتدريب‏.‏
الاتجار بديلا للتعاطي
أما لقائي الثالث فكان مع السيدة ن‏.‏ع‏38‏ عاما التي اعترفت لي بأنها أحترفت اتجار المخدرات بعد أن تعرفت عليها لأول مرة في جلسات مزاج خاصة مع جاراتها من رفيقات السوء اللاتي تعودن استقطاع جزء من الحشيش الخاص بأزواجهن وتدخينة خلسة في أثناء تبادل الزيارات مع بعضهن البعض‏,‏ وبدلا من أن تقتصر علاقة المرأة بالمخدر علي ضبط المزاج والتسلية النسائية‏,‏ هداها تفكيرها إلي الاتجار بالمخدرات‏,‏ فقامت بشراء الحشيش من منطقة أبو الغيط‏,‏ وبيعه في منطقة الزاوية الحمراء محل السكن ليتحول الأمر من مجرد تضييع وقت وتسلية إلي اتجار حقيقي بالمخدرات دون علم الزوج حسب روايتها‏,‏ ولم يدم الحال طويلا اذ سرعان ما وقعت تحت طائلة القانون لتقضي عقوبتها الآن داخل السجن مع طفلها الرضيع الذي وضعته داخل السجن بعيدا عن إخوته الخمسة الذين يعيشون الآن مع أبيهم‏,‏ ولا أحد يعلم هل تاجرت بالفعل دون علم الزوج أم أنه كان غطاء لها؟‏!....‏
وقبل أن أترك هذه السيدة ورضيعها ابن التسعة أشهر‏,‏ همست إلي قائلة‏:‏ اكتشفت وللأسف‏,‏ وبعد فوات الأوان أن المخدرات طريق للندامة وليس للسلامة‏.‏
أما الحالة الأخيرة فكانت للسيدة ش‏.‏م‏48‏ عاما من شبرا مصر تقضي الآن السنة الثانية من حكم بالمؤبد مثلها مثل زوجها الذي أنقذه الموت من نفس المصير بعد أن قضي عاما واحدا من تأبيدته ليواري جسده التراب ويرقد حيث مثواه الأخير حيث ينال عقاب الآخرة بعد أن تاجر بعقول الشباب وأرواح البشر‏..‏
تقول نزيلة سجن النساء‏:‏ لم أكن أعلم بممارسة زوجي لنشاط المخدرات الا بعد أن وضعت طفلي الأول ورأيت بعيني تردد الشرطة علي منزلنا‏,‏ لدرجة أن أحد الضباط كان يمزح معي ويقول أما كنت تعلمين أن زوجك مسجل خطر؟‏..‏ ومع هذه التأكيدات المتزايدة‏,‏ لم يستطع زوجي الانكار واعترف أنه يتاجر بالفعل وأن التاكسي الذي يملكه مجرد غطاء‏.‏ لم أشأ أن أطلب الطلاق لأنني كنت حاملا بطفلي الثاني ورضخت للأمر الواقع وانزلقت دون ذنب الي حافة الهاوية وأواجه الآن مصيري كما ترين تاركة ورائي ولدا وبنتا يعيشان مع زوجة الأب الأولي‏.‏ أما تجربتي هنا فثرية للغاية‏,‏ حيث أتقنت أعمال الكورشيه وأقوم بتدريب زميلاتي داخل السجن وأتقاضي أجرا عن هذا العمل‏.‏
الوازع الديني
تقول د‏.‏ فوزية عبد الستار إن دراسة المرأة وجرائم المخدرات التي خرجت عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية هي دراسة شاملة عمليا وميدانيا من الناحية النظرية والتشريعية والميدانية لأنها تمت من واقع السيدات اللاتي حكم عليهن بجرائم المخدرات‏,‏ كيف انساقت أو نشأت في هذه البيئة الموبوءة وكيف تأثرت واتجهت في نفس الاتجاه أو جرفها التيار وانساقت الي هذا الطريق المظلم‏.‏
وهي مجموعة من الدراسات الميدانية التي يناقشها الباحثون في جميع الجوانب وتتحدث بتلقائية دون أي مخاوف من سرد الحقيقة دون زيف أو رتوش‏.‏ كما أنها دراسة جديدة لأن كل من تناول موضوع اتجار المرأة بالمخدرات ركز فقط علي زاوية معينة‏,‏ أما هذه الدراسة فقد تناولت بالبحث جميع الجوانب كالبيئة والمؤثرات والعوامل الاجتماعية والاقتصادية‏.‏ كل ذلك له أهمية في مواجهة الظاهرة لكي نقي المجتمع من هذا الشر البالغ‏..‏ فعندما نعرف العوامل يسهل علينا التحكم فيها‏,‏ لتوجيه السياسة العقابية في مصر لمواجهة الظاهرة‏.‏ وكذلك يستفيد المشرع عندما يضع يده علي العوامل الاجرامية وشخصية المرأة التي تستجيب لهذه العوامل‏.‏
وتضيف د‏.‏ فوزية أن الفقر ليس وحده هو الذي يدفع المرأة لتجارة المخدرات‏,‏ حيث إن العامل الديني له الوازع الأكبر في مثل هذه المسائل‏,‏ اذ كم من فقراء شرفاء‏,‏ فالمهم هو تفاعل الفقر مع القيم الأخلاقية‏..‏ ومن أن الخطأ أن توصيف المرأة التي تقدم علي تجارة المخدرات بالشجاعة لأن الأخيرة قيمة أخلاقية ايجابية والأحري أن توصف بالتهور‏..‏ وعندما تنزلق ساق المرأة للمخدرات فإنها لا تكون مدفوعة بفكرة المساواة بينها وبين الرجل ولكن فكرة خروجها للمجتمع واختلاطها بالناس جعلتها تكتسب خبرات الجريمة من المجتمع الذي تحتك به في الخارج‏.‏
وقبل أن أنهي حديثي للأهرام‏:‏ أعتقد أن العقوبات الموجودة في قانون المخدرات رادعة‏,‏ ولا أتصور أن تكون أكثر ردعا لأن القانون وحده لا يكفي للردع‏,‏ اذ لابد من تضافر عوامل ومؤثرات أخري في هذا الشأن‏..‏ فالعقوبة ليست هي العامل الوحيد في مواجهة الظاهرة بل هناك عوامل أخري كالتربية الأخلاقية والاجتماعية والدينية ودور الاعلام‏,‏ اذ كثيرا ما تعرض أفلام عن تجارة المخدرات والثراء السريع الذي يصاحب مروجيها‏,‏ وتنتهي أحداث الفيلم أو المسلسل بمجرد محاكمة بسيطة‏,‏ لهذا أطالب بأن يكون للإعلام دور ايجابي بإبراز الاضرار البالغة للانسان وتدميرها حياة الانسان‏.‏
تقول د‏.‏ سوسن فايد المديرة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية‏:‏ في الماضي كانت العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة التابع بالعائل الاقتصادي‏,‏ أما الآن وقد ظهرت مفاهيم تمكين المرأة ومساواتها بالرجل وإمكانية خلعه اذا لزم الأمر‏,‏ فقد هيأ لها هذا المناخ أن تعتمد علي نفسها‏..‏ كما أعطاها هذا المحيط الثقافي نوعا من الجرأة والاستغناء عن الرجل الي حد كبير‏..‏ وفي فترة من الفترات تم تدريب المرأة علي نقل المخدرات لأنه من الصعب تفتيشها‏..‏ وتم تدريبها بشكل غير مباشر وغير مقصود‏..‏ أما عامل الفقر فقد سبب لها نوعا من التوتر لعدم إشباع الاحتياجات الضرورية‏,‏ وبالتالي تضطر الي توفير المال بأي وسيلة‏,‏ هذا علاوة علي أنها دائمة الشعور بالقهر‏,‏ فتحاول استرداد ذاتها‏..‏ وعندما تشعر بعدم مساواتها مع الأخريات خاصة اذا كانت تعمل عملا مهينا كأن تكون خادمة أو عاملة بكافيتيريا مما يشعرها بأنها مواطنة من الدرجة الثانية فهنا فقط تهون عليها نفسها وتتصرف بلا مبالاة كي تتساوي بالأخريات‏.‏ مما يترتب عليه من آثار نفسية تحدث تركيبة معينة مهيئة لاختراق هذا المجال الذي يساعدها علي الحصول علي المال لتتخلص من الاحساس بالعوذ والاحتياج‏,‏ هذا فضلا عن تراجع المسئولية الاجتماعية للدولة التي قليلا ما تنظر الي الفئات الأقل في المجتمع نتيجة للتحول الاقتصادي وسيادة الاجتهادات الفردية التي تجعل كل فرد يسلك سلوكه‏.‏
وتؤكد د‏.‏ سوسن أن الفئات المتدنية تعتبر أن مسألة اختراق القانون نوع من المهارة العالية والفتونة اللاأخلاقية‏.‏ وهي نوع من المفاهيم المزدوجة نتيجة لغياب الأدوار وعدم وجود متابعة دورية وانتشار ثقافة سلبية تقوم علي أساس فئوي في ظل غياب ثقافة مضادة تتبناها وزارة الثقافة والاعلام لأجل المجتمع وتتصدي لما يسمي بالتعليم الوهمي الذي يهتم بالمبني لا المعني‏.‏ وتري أن هناك أمية ثقافة وعشوائية في الاعلام‏,‏ وتراجعا واضحا للمؤسسة الدينية‏,‏ لذا ينبغي أن يقوم المسئولون عن البناء النفسي والسلوكي والأخلاقي للمواطن المصري بدورهم علي أكمل وجه لمواجهة مثل هذه الظواهر‏..‏ ويعد غياب المؤسسات الاجتماعية المسئول الأول عن حالة التحلل التي وصل اليها الشباب والتي تتضح جليا في حرية ومشروعية البيع والشراء للمخدر‏..‏ كما أنه لا يمكننا أن نتجاهل مسألة تغييب العقل وانتهاك المواطن المصري الذي يلعب المخدر دورا في جعله في حالة هدوء غير طبيعي‏..‏ لهذا أناشد المسئولين بأن يبدأوا عقدا اجتماعيا جديدا للإصلاح‏,‏ خاصة أن الناس متعطشة لإصلاح ما أفسده الزمن‏.‏
تفكك أسري
يقول الدكتور يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي ان المرأة إذا اتجهت إلي تجارة المخدرات فإن البعد الاقتصادي ليس هو العامل الأهم في الموضوع‏,‏ ولكن التفكك الأسري والتفسخ العائلي هما العامل الأهم‏.‏ والمرأة إذا اتجهت لهذه التجارة فإنها تقوم بذلك كشريك وليس كمستقلة‏,‏ إذ غالبا ما يدفعها الرجل إلي المشاركة بالاتجار أو التعاطي‏..‏ وفي أحيان أخري تندفع المرأة لتصحيح أوضاعها المادية‏.‏
ويضيف أنه في أحيان أخري هناك وراثة اجتماعية كأن تنشأ المرأة في أسرة ترعي تجارة المخدرات‏,‏ بحيث تضطر المرأة الي معايشة المناخ الأسري العائل الذي يرعي هذه التجارة‏.‏
وهناك امرأة تنزلق رجلها لهذا التيار بالصدفة وتتعرض لاعتداءات جنسية‏,‏ أو القهر والتهديد بالتشويه‏..‏ وبالتالي يتم اجبارها من قبل تاجر المخدرات علي الاتجار عندما تقع فريسة لاعتداءات جنسية أو غير جنسية‏,‏ وبعد أن تضطر إلي الاستسلام تنزلق أقدامها في هذا المجال‏.‏
وقبل أن ينهي حديثه‏,‏ يؤكد د‏.‏ يسري عبدالمحسن أن هناك أيضا شخصيات سيكوباتية عدوانية اجرامية تدخل شتي مجالات الجريمة النفسية كخطف الأطفال والقتل والنهب‏,‏ ومنها أيضا جرائم المخدرات‏,‏ علاوة علي عامل الجهل الذي يلعب دورا كبيرا‏,‏ وكذلك الأمية الثقافية‏,‏ مضافا إليها مستويات المعيشة المتدنية‏..‏ والأهم من ذلك أن هناك شريحة تنشد مزيدا من الغني والثراء الفاحش‏.‏
يقول المستشار مصطفي أبوطالب‏:‏ يلعب البعد الوراثي دورا كبيرا في اتجاه المرأة إلي تجارة المخدرات‏...‏ كما أن عددا كبيرا من المحكوم عليهن في جرائم المخدرات من خادمات المنازل‏,‏ خاصة اللاتي يعملن في شقق مفروشة‏..‏ ويبدو أن الشريحة التي تقبل علي المخدرات هي رواد هذه الشقق‏..‏ وعندما تقوم الخادمة بشراء المخدرات فإنها في معظم الأحيان تقوم بتوسيع نشاطها والبيع لرواد الشقق وغيرهم‏..‏
أما أغرب القضايا التي أصدرت فيها حكما بالسجن المشدد‏,‏ فكانت لسيدة ثرية‏,‏ أدمن ابنها المخدرات واضطرت لشراء المخدر له بنفسها من تجار المخدرات‏,‏ وكنتيجة طبيعية للاحتكاك بهم‏,‏ احترفت هي الأخري تجارة الممنوع‏.‏ وبعد أن كانت تشتري لابنها فقط‏,‏ توسعت في النشاط وأصبحت تشتري له وأصدقائه‏,‏ وساعدها في عملية التوزيع‏,‏ خاصة انه أصبح يحصل علي جرعته مجانا‏.‏ وبوقوع هذه السيدة في طائلة القانون‏,‏ تم الحكم عليها بالسجن المشدد‏.‏
ويضيف د‏.‏ أبوطالب ان الأقراص المخدرة أي البرشام تعد من أخطر أنواع المخدرات‏,‏ إذ يتعدي تأثيرها الضار الي الغير‏,‏ حيث تجلب الأفكار الشريرة للمدمن وتزين له أي نشاط اجرامي‏,‏ ويقدم عليه بالفعل دون التفكير في عواقبه‏,‏ خاصة وأنها تعطيهم قدرا وافرا من الجرأة التي تساعدهم علي ارتكاب الجرائم‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.