أصول الفقه من أعظم العلوم وأشرفها وأنفعها، فهو العلم الذي يرسي القواعد العلمية والفكرية والعقلية التي من خلالها معرفة الأدلة الشرعية من حيث موثوقية مصدرها عن الله ورسوله، وكذلك من حيث دلالتها علي الأحكام والأوامر والنواهي، فقواعد أصول الفقه هي بمثابة موازين لفهم النص الديني حق فهمه والوقوف علي الدلالة الحقيقية للنصوص ودلالة كل كلمة من كلمات النص ومعرفة المراد منها. إن محاولة إلقاء الضوء علي علم أصول الفقه والدعوة إلي تجديد قواعده وأصوله الآن يأتي كحاجة ملحة وضرورة للحد من انتشار فوضي الفتاوي الدينية والعبث بالنصوص الدينية، ذلك العبث الذي أفرغ الدين من مضمونه الحقيقي وانحرف به عن غايته الربانية التي أنزله الله لها، فحين قام الفقهاء القدامي بوضع أساسيات وقواعد هذا العلم لم يكن الواقع الثقافي والفكري والاجتماعي آنذاك بهذا الزخم الذي هو عليه الآن، وعليه فإن الأسس والقواعد القديمة لم تعد كافية لسد الحاجة الآن إلي فهم جديد وفقه جديد للنصوص الدينية، وذلك لما طرأ علي الحياة من تطور وتغير وتبدل عما كانت عليه الحياة بالأمس، وبالتالي فعلم أصول الفقه الموروث يحتاج إلي مراجعة قواعده والنظر في أسسه التي بدأت في الظهور علي عهد الإمام الشافعي الذي يعد أول من قام بتدوين قواعد وأسس هذا العلم في مصنفه (الرسالة). إن أصول الفقه مركب من مضاف وهو كلمة «أصول» ومضاف إليه وهو كلمة «الفقه» ويسمي مركبًا إضافيًا وقد أخذ هذا المركب الإضافي فوضع علمًا علي العلم المعهود فينبغي تعريفه باعتبار كونه مركبًا إضافيًا وباعتبار كونه علمًا. أولاً: تعريفه باعتبار كونه مركبًا إضافيًا 1 كلمة أصول: الأصول جمع أصل والأصل في اللغة ما انبني عليه غيره كالأساس أصل للسقف والجدار وكعروق الشجرة الثابتة في الأرض كما في قوله تعالي: (أصلها ثابت وفرعها في السماء)، وفي الاصطلاح يطلق الأصل علي عدة معانٍ منها. 2 القاعدة العامة: كقولهم الأمر يقتضي الوجوب، يوضح ذلك قوله تعالي: (وما آتاكم الرسول فخذوه) فهذا أمر عام يقتضي وجوب الأخذ بكل ما آتانا الرسول العظيم من غير تعرض في هذه الآية بالذات إلي فرد من أفراد الأوامر التي وجهها إلينا رسول الله صلي الله عليه وسلم. 3 الدليل، كقولك: أصل وجوب الصوم قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) أي دليله. 4 كلمة الفقه: الفقه لغة الفهم ومنه قوله تعالي حكاية عن موسي (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) أي يفهموه. وفي الاصطلاح: العلم بالأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية فأصول الفقه إذًا: هي قواعده التي يبني عليها. شرح تعريف الفقه: المراد بالعلم ما يشمل غلبة الظن كما في قوله تعالي: (فإن علمتموهن مؤمنات) أي: ظننتموهن. أما المراد بالأحكام الشرعية: الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة فيخرج بقيد الشرعية: الأحكام العقلية كالواحد نصف الاثنين، والحسية مثل كون الثلج باردًا، والعادية كنزول المطر بعد الرعد والبرق. والمراد بالتي طريقها الاجتهاد: إخراج ما لا يصح فيه اجتهاد كمعرفة كون الصلاة والصيام واجبين، والزنا والسرقة محرمين لمعرفة ذلك من الدين بالضرورة. ثانيًا: تعريفه باعتباركونه لقبًا لهذا الفن: هو علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية وطرق الاستفادة منها وحال المستفيد. شرح هذا التعريف: المراد بطرق الاستفادة: معرفة الترجيح عند التعارض مثلاً. وبالإجمالية: ما عدا التفصيلية، كالأمر يقتضي الوجوب والنهي يقتضي التحريم، والمطلق يحمل علي المقيد والعام يخص بالمخصص، والقياس والإجماع حجة. وموضوع هذا العلم: الأدلة الموصلة إلي معرفة الفقه، وكيفية الاستدلال بها علي الأحكام مع معرفة حال المستدل. وفائدة هذا العلم هي: العلم بأحكام الله تعالي المتضمنة للفوز بسعادة الدارين. ويستمد هذا العلم من ثلاثة أشياء: علم أصول الدين أي التوحيد لتوقف الأدلة الشرعية علي معرفة الباري جل وعلا، وصدق المبلغ عنه صلي الله عليه وسلم وهما مبينان فيه مقررة أدلتهما في مباحثه. علم اللغة العربية: لأن فهم الكتاب والسنة والاستدلال بهما متوقفان علي معرفتها إذ هما عربيان. الأحكام الشرعية من حيث تصورها؟ لأن المقصود إثباتها أو نفيها وغير المتصور لها لا يتمكن من ذلك لأن الحكم علي الشيء فرع عن تصوره.