كان نجاح "خليجي- 20" نجاحا لليمن وليس فقط للرئيس علي عبدالله صالح الذي راهن علي امكان إجراء دورة كأس الخليج لكرة القدم في بلاده من دون حوادث تذكر. أظهرت مباريات الدورة، أوّل ما أظهرت، أن الكلام عن تدهور الوضع الأمني في البلد ينطوي علي كثير من المبالغات وأنه ليس صحيحا أن السلطة المركزية فقدت سيطرتها علي المحافظات الجنوبية والشرقية. علي العكس من ذلك، تبين أن هناك رغبة لدي اليمنيين في الدفاع عن ثقافة الحياة من جهة والتمسك بالوحدة من جهة أخري. وهذا شيء مهم يدل علي وجود وعي لخطورة الكلام عن العودة الي عهد التشطير. هناك استيعاب لدي المواطن العادي لخطورة رفع شعارات تطالب بالعودة عن الوحدة نظرا إلي أن المس بالوحدة لا يعني بالضرورة العودة الي الوضع الذي كان سائدا قبل 22 مايو 1990، أي الي وجود كيانين سياسيين منفصل كل منهما عن الآخر هما الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي استقلت في العام 1967. هناك بكل بساطة استيعاب لمخاطر المس بالوحدة نظرا إلي أنه ليس ما يضمن عدم انتقال اليمن الي مرحلة الصوملة بكل ما تتضمنه من أخطار وكوارث. فما لا بدّ من اخذه في الاعتبار أن اليمن الموحد ضمانة لكل اليمنيين، خصوصا إذا أمكن إيجاد صيغة تلائم تطلعات أبناء كل محافظة. تتمثل هذه الصيغة في التمتع باللامركزية الموسعة في اطار دولة ذات مؤسسات ديمقراطية قابلة للتطوير. إن التجارب التي مرت بها دولة الجنوب بين العامين 1967 و1990 يمكن أن تشكل دروسا يستفيد منها الجميع، في الشمال والجنوب والوسط، وذلك بغية تفادي الوقوع في أخطاء الماضي. قبل كل شيء، لم يتمكن اهل المحافظات الشرقية والجنوبية من العيش بسلام ووئام منذ الاستقلال. كان التاريخ القصير ل"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" سلسلة من الحروب الاهلية بلغت اوجها في كانون الثاني - يناير من العام 1986 عندما استطاع جناح في الحزب الحاكم التخلص من الرئيس علي ناصر محمد الذي كان كان يشغل أيضا موقع الأمين العام للحزب الاشتراكي الحاكم. ما حصل في ما كان يسمي وقتذاك اليمن الجنوبي، كان حربا أهلية بكل معني الكلمة. وفي حال كان مطلوبا تسمية الاشياء باسمائها، أمكن القول إن عمليات الذبح علي الهوية والتصفيات، إنما تمت في 1986 علي اساس الانتماء المناطقي. لا يمكن بالطبع إلاّ الترحيب بالمصالحات التي تمت بين الذين تصارعوا في العام 1986 نظرا إلي أن ذلك يدل علي نوع من النضج السياسي لدي هؤلاء. ولكن ما لا مفر من قوله في الوقت ذاته أنه يفترض بالمصالحات تهيئة الظروف لطرح مطالب معقولة قابلة للتحقيق في ظل الظروف المعقدة التي تمرّ بها البلاد... لا يمكن بالطبع اعتبار نجاح "خليجي-20" نهاية المطاف بالنسبة الي القيادة اليمنية وانه يعني أن كل شيء صار علي ما يرام في اليمن. يفترض في الجميع، اكانوا في السلطة أو المعارضة البناء علي الانجاز الذي تحقق من أجل العمل علي تجاوز المرحلة الراهنة بدل البقاء في أسر الشعارات الكبيرة من نوع الانفصال. كذلك، من الطبيعي أن لا تبني القيادة اليمنية علي النجاح الذي تحقق للاستخفاف بالمعارضة، بما في ذلك أولئك الذين يطالبون بالانفصال. هؤلاء مواطنون يمنيون، لا بدّ من معالجة أوضاعهم عن طريق الحوار بغية تفادي أي انفجار كبير يعود بالمآسي علي الجميع. مرة أخري، تظهر الأحداث أن الوضع اليمني ليس وضعا ميؤوسا منه. يمكن ان يصبح كذلك، في حال اعتقدت السلطة أنها أخمدت نهائيا الاعتراضات في محافظات معينة وأن في الامكان النوم علي امجاد الحدث الرياضي الذي شهدته ملاعب عدن والمدن الجنوبية الأخري. في النهاية، هناك مصلحة لدي جميع اليمنيين في التصدي للخطر الكبير الذي اسمه الإرهاب. إنه الإرهاب الذي تمارسه "القاعدة" ومن لفّ لفها والذي لا يميز بين يمني وآخر. أن الخوف كل الخوف في أن يكون هناك بين اليمنيين من يراهن علي "القاعدة" من أجل اضعاف السلطة المركزية. مثل هذا الرهان بمثابة انتحار لا اكثر ولا اقلّ. من قال ان "القاعدة" تفرق بين موال ومعارض ويمني من عدن وشبوة وابين وحضرموت والمهرة ويمني آخر من صنعاء او عمران أو حجة أو صعدة او الجوف أو تعز أو أب أو البيضاء أو الحديدة. جميع اليمنيين في مركب واحد. يخطئ كل من يظن أن في استطاعته توظيف "القاعدة" لمآرب خاصة به. ضربت "القاعدة" في عدن وحضرموت وشبوة وابين وصعدة. لم يفلت الحوثيون حتي من شرها وشر عملياتها الانتحارية... يستطيع من يريد التفكير في مستقبل اليمن الانطلاق من "خليجي- 20" للبحث جديا في كيفية تطوير الاتفاق الذي تم التوصل إليه أخيرا مع الحوثيين، بدل الاستعداد لحرب سابعة، والانتقال الي البحث في حل لمشاكل المحافظات الجنوبية والشرقية وهي جزء لا يتجزأ من مشاكل اليمن الاخري. علي رأس هذه المشاكل النمو السكاني غير الطبيعي والتطرف الديني والبرامج التعليمية والوضع الاقتصادي المزري وكل ما له علاقة ببناء المؤسسات. اظهر "خليجي-20" ان اليمنيين علي استعداد للتجاوب مع كل ما يخدم البلد ويحسن صورته. المهم أنه وجدت نقطة انطلاق. والاهم اقتناع الجميع بان الحوار وطرح افكار معقولة وواقعية كفيلان بايجاد حلول تشكل بديلا من السقوط في هاوية الصوملة والاحلام المستحيلة التحقيق.