في عام 1945، أقر ميثاق الأممالمتحدة مبدأ احترام سيادة الدول الأعضاء وعدم التدخل في شئونها الداخلية، وعلي الرغم من اعترافنا بأهمية هذا المبدأ كأساس لتنظيم العلاقات بين مكونات النظام الدولي، فإن ما تم رصده مؤخراً علي الساحة الإسرائيلية من تحركات سياسية وردود الفعل الأمريكية عليها تدفعنا إلي تركيز الأضواء علي هذا المبدأ بصفة عامة، وربطه بالوضعية الخاصة للدولة الإسرائيلية علي وجه الخصوص، وعلي الرغم من أن الموضوع أوسع من أن نتعامل معه في سطور معدودة، فإننا نقتصر علي التذكير بما يلي: ذهبت التطورات علي الساحة الدولية في العقود التالية لإنشاء منظمة الأممالمتحدة في اتجاه وضع القيود علي مبدأ السيادة وما تتمتع به الشئون الداخلية من حصانة تضعها بمنأي عن التدخلات الدولية المنطلقة من مبادئ وأسس تتصل بالحقوق الأساسية للإنسان، ونشير في هذا الخصوص إلي التيار الدولي القوي لإلغاء عقوبة الإعدام، والضغوط الدولية المتلاحقة علي العديد من الدول في شتي بقاع العالم، خاصة المنطقة العربية، للالتزام بالديمقراطية والحكم الرشيد، والتقارير الفردية والدولية التي تخول لنفسها حق انتقاد الأوضاع الداخلية في الدول فيما يتصل بالحقوق والحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، ووصل الأمر ذروته مع إقرار مبدأ التدخل الدولي الإنساني في حالة وجود انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وهو ما تم النص عليه صراحة، علي سبيل المثال، من قبل الاتحاد الإفريقي في بيانه التأسيسي عام 2002، والذي أباح التدخل العسكري من قبل مجلس السلم والأمن التابع له في الدول الأعضاء حال وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. في نموذج تطبيقي، وإن شابه بعض مظاهر القصور، أكدت ديباجة القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن في 22 نوفمبر 1967، عدم شرعية ضم الأراضي بالقوة، وفي عام 1980 اعتبر المجلس القرار الصادر عن الكنيست الإسرائيلي باعتبار القدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل باطلاً وطالب أعضاء المنظمة بعدم التعاطي معه استناداً إلي حقيقة أن القدسالشرقية، شأنها شأن الضفة الغربية والجولان، أراض محتلة ينطبق عليها مبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني، وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949. وقد يكون من المفيد التذكير بأن هذه المواقف الدولية تم تبنيها من قبل المجلس في وقت لم تتبلور فيه بعد ملامح ما أصبح متعارفاً عليه فيها بعد ب "عملية السلام" بين إسرائيل وأطراف الصراع معها، خاصة الطرف الفلسطيني. مع تبني السلام كخيار استراتيجي لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تبدو الحدود الفاصلة بين "الشأن الداخلي الإسرائيلي" من جانب، و "الشأن الوطني الفلسطيني" من جانب آخر، واضحة كل الوضوح، فإذا كان من الصعب تصور مطالبة دولية بتغيير أسس نظام الحكم في إسرائيل أو الضغط بالطرق المختلفة لتغيير الائتلاف الحاكم فيها بطرق تتنافي مع الأساليب الديمقراطية، فإنه وبنفس المقدار يصعب تصور أية شرعية لتمكين الشارع الإسرائيلي من حق الاعتراض علي تسوية مستقبلية قد تتضمن المساس بوضعية الاحتلال الحالية للقدس الشرقية وهضبة الجولان، علي النحو الذي تم إقراره مؤخرا في الكنيست الإسرائيلي، وعلي الرغم من هذه النظرة الموضوعية المستندة إلي القوانين والأعراف الدولية، خرجت تصريحات أمريكية لتصدم العالم مشيرة إلي أن مثل هذا الموقف "يعتبر شأناً داخلياً إسرائيلياً". في ضوء ما كشفت عنه تطورات العقود الماضية من تلاشي خيار المفاوضات بأشكاله المختلفة، بل وفقدانه للمصداقية من جانب، وللأرضية المناسبة من جانب آخر، بل وفي إطار انعدام الأسس العلمية والمنطقية التي قد تبرر وجوده، تصبح الغلبة لسياسة الأمر الواقع التي تبنتها إسرائيل علي مدار عقود، والفعالية في فرضها علي مراكز القرار الدولي بهدف تسويقها لدي الطرف العربي، وفي هذا السياق وحده يمكن تفهم التحركات التوجهات الخارجية الإسرائيلية الأخيرة، وأيضاً التحركات علي مستوي الكنيست والتي تتوالي لسن القوانين التي توسع من نطاق الشأن الداخلي، وتذهب إلي حد إعلان القدس عاصمة للشعب اليهودي بما يدعم من مقولة "الدولة اليهودية" كأساس لأية تسوية، يتم تقديمها لاحقاً علي أنها نتاج للمفاوضات!