يُعدّ القرار الدولي الصادر عن الأمم المتّحدة تحت رقم (1680) انتهاكاً فاضحاً لميثاق الأمم المتّحدة نفسه, كما يُعدّ سابقة خطيرة في العلاقات الدوليّة و القانون الدولي. و على الرغم من أنّ الصيغة الأولى التي طُرح فيها هذا القرار كانت الأكثر وضوحاً في انتهاك ميثاق الأمم المتّحدة و القانون الدولي, لكنّ الثانية تُعدّ وجهاً مخفّفاً لذلك أيضاً، و لا تخرج عن إطار الانتهاك المذكور. القرار الذي يدعو في الفقرة الرابعة منه إلى ضرورة ترسيم سوريا لحدودها مع لبنان من جهة، و إقامة علاقات دبلوماسية معها من جهة أخرى, و الذي نال أغلبية (13) صوتاً مقابل امتناع كل من الصين و روسيا عن التصويت, لقي دعماً أمريكياً كبيراً. فقد كان لمندوب الولايات المتّحدة لدى الأمم المتّحدة (جون بولتن) الذي قال يوماً في الأمم المتّحدة: ( لا يوجد شيء اسمه الأممالمتحدة, هناك أسرة دولية تجتمع أحياناً، و يمكن أن تقودها القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم، وهي الولاياتالمتحدة عندما يناسب ذلك مصالحنا، و عندما نستطيع أن نقنع الآخرين بالسير معنا ) ! ، جون بولتن هذا كان له دور كبير في استصدار القرار، و ذلك لأنه -كما لاحظنا في تصريحه السابق- يوافق مصالحه. على أيّ حال, دوافع استصدار هذا القرار المعلنة تقف عند النقاط التالية: أولاً: الحفاظ على سيادة و استقلال لبنان. ثانياً: الحفاظ على سلامته الإقليمية و استقلاله السياسي. ثالثاً: تحسين العلاقات الثنائية اللبنانية-السورية. إلاّ أنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: "هل يحرص هذا القرار و الدول التي تقف خلفه على سيادة و استقلال لبنان حقا ؟ و هل سيادة و استقلال لبنان تعني ضرورة انتهاك سيادة و استقلال دول أخرى شقيقة ؟ بغض النظر عن الإشكال السوري- اللبناني, نعالج في مقالنا هذا المسألة من وجهة النظر القانونيّة البحتة و ليست السياسيّة. فكما سبق و ذكرنا, يُعدّ هذا القرار انتهاكاً لميثاق الأمم المتّحدة, فقد نصّت المادة الثانية من الفصل الأوّل من ميثاق الأمم المتّحدة على أن تقوم الأخيرة باحترام "مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها"., كما و نصّت المادة السابعة من نفس الفصل بشكل صريح و واضح على ما يلي: "ليس في هذا الميثاق ما يسوّغ -للأمم المتحدة- أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تُحلّ بحكم هذا الميثاق". و استناداً إلى هذا النص, نرى أنّ القرار خرق الميثاق مرّتين: الأولى: بمطالبته سوريا ترسيم الحدود مع لبنان؛ ذلك أنّ مسألة ترسيم الحدود ليست من اختصاص الأمم المتّحدة، و لا يحقّ لها أصلاً أن تصدر قراراً أو تطالب أي دولة بخصوصه فضلاً عن طرحه للمناقشة أصلاً. أمّا الخرق الثاني: فهو خرقها لسيادة دولة بحجّة حماية سيادة دولة أخرى, و في ذلك تغاضٍ عن مبدأ المساواة في السيادة بين الدول. أمّا السابقة في هذا القرار, فتكمن في أنّه قد يُستخدم لاحقاً لفرض حدود معينة على دول لا تقبل ترسيم الحدود، إمّا لمشاكل عدم اعتراف أو لمشاكل و نزاعات سيادية. أمّا مطلب التمثيل الدبلوماسي, فهو أيضاً من الناحية القانونية يُعدّ خرقاً للقوانين الدولية و لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، و التي نصّت مادّتها الثانية على ما يلي: " تُقام العلاقات الدبلوماسية، و تنشأ البعثات الدبلوماسية الدائمة بالرضا المتبادل". و من هذا المنطلق فإنّ استعمال الإكراه و العصا الغليظة لإقامة و فرض علاقات دبلوماسية بين بلدين هو سابقة خطيرة أيضاً قد يتم استعمالها فيما بعد لإلزام أي دولة مثلاً بالاعتراف بإسرائيل عبر إقامة تمثيل دبلوماسي معها. لا شيء في القانون الدولي يفرض على أي دولة أن تقوم بتمثيل دبلوماسي مع أي دولة أخرى. كما أنّ امتناع أي دولة عن إنشاء تمثيل دبلوماسي مع أي دولة أخرى لا يعني أنّ الدولة الأولى لا تعترف بالثانية, و هناك الكثير من الحالات التي يتم فيها اعتراف متبادل و لكن لا يكون هناك تمثيل دبلوماسي. و بناءً على ذلك , فإنّ هذا القرار لا يخدم الأهداف التي نصّ عليها من حماية سيادة و استقرار لبنان و سلامة العلاقات الثنائية اللبنانية- السورية, بل يعمل على زيادة توتير العلاقات، و يكرّس التناقض في احترام القانون الدولي، و اختراقه و الكيل بألف مكيال. كما أنّ هذا القرار -كما غيره من القرارات الاعتباطيّة و المصلحيّة- ينزع مصداقيّة الأمم المتّحدة و مجلس الأمن، و يكرّس القول بأنّ هذه المنظمات الدولية ما هي إلاّ فرع من فروع الإدارة الأمريكية كدائرة الخارجية أو الدفاع أو العلاقات العامة. و في النهاية نعيد قولنا الذي نردده دائماً بخصوص المنظمات الدوليّة الحاليّة، و لا سيما الأمم المتّحدة و مجلس الأمن: مخطئ جداً من يعتقد أنّ أمريكا تريد إلغاء الأمم المتّحدة و المنظمات الدولية، و هو الأمر الذي ذهب إليه عدد كبير من المحللين و الكتاب. فبقاء الأمم المتّحدة و المنظمات الدولية هو مصلحة أمريكية بالدرجة الأولى ، طالما أنّ قوّة أمريكا الكبيرة تخوّلها تجاوز هذه المنظمات متى تشاء، و العودة إليها عندما تحتاجها. فالأممالمتحدة (واقعياً و ليس نظرياً) هي بمثابة أداة لمنع الفوضى تتيح للولايات المتّحدة تحقيق أهدافها بأقل خسائر ممكنة، و تمنع الدول الأقل قوّة من أمريكا من تجاوز القانون طالما أنّها تحت سقفها و ميثاقها, فبدون هذه المنظمات الدولية تتحرّر الدول التي ترى نفسها أنّها الوحيدة التي تلتزم بالقانون الدولي، بينما يتصرف الكبار دون حسيب و رقيب, و بالتالي يصبح بإمكان المقهورين و المظلومين التكتّل ضدّ أمريكا أو غيرها، بينما هم غير قادرين على فعل ذلك في ظل وجود (فيتو) و مشاريع قوانين تُسلّط على رقابهم كالسيف دون أن يكون لديهم القدرة على فعل أي شيء. المصدر : الاسلام اليوم