ننشر خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد القيامة وشم النسيم    منخفضًا 0.5%.. تراجع أسعار الذهب في مصر للأسبوع الثاني    محافظ أسوان يتابع نسب التنفيذ ب53 مشروعا بقرية وادي الصعايدة بإدفو    تطورات مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة برعاية مصرية.. «تقدم ملحوظ»    وزير الرياضة يُشيد بنتائج اتحاد الهجن بكأس العرب    في أسبوع المرور العربي.. رسالة من الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب    ضبط 22 ألف قرص تامول مخدر تقدر ب2 مليون جنيه في مطروح    عضو ب«النواب»: توعية المواطنين بقانون التصالح خطوة مهمة لسرعة تطبيقه    تسلم 102 ألف طن قمح من المزارعين في المنيا    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بعيد القيامة المجيد    الرئيس السيسي يعزي رئيس مجلس السيادة السوداني في وفاة نجله    رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات بمدينة شرم الشيخ.. اليوم    صراع الهبوط في الدوري المصري .. ثنائي جماهير تحت التهديد    موسم عمرو وردة.. 5 أندية.. 5 دول.. 21 مباراة.. 5 أهداف    «رونالدو» يقود الهجوم.. تشكيل النصر المتوقع أمام الوحدة في الدوري السعودي    ضياء السيد: أزمة محمد صلاح وحسام حسن ستنتهي.. وأؤيد استمراره مع ليفربول (خاص)    "تنسيقية شباب الأحزاب" تهنئ الشعب المصري بعيد القيامة المجيد    محافظ الوادي الجديد يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    تفاصيل إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارة شرطة يالدقهلية    تأجيل محاكمة عاملين بتهمة قتل مواطن في الجيزة    كل عضو بسعر بالملايين.. اعترافات تقشعر لها الأبدان للمتهم بذبح طفل شبرا الخيمة    عيد العمال.. مدارس التكنولوجيا التطبيقية طريق الفنيين للعالمية    اليوم.. إعادة فتح البوابة الإلكترونية لتسجيل استمارة الدبلومات الفنية 2024    علي ربيع الأضعف جماهيريًا الجمعة.. تعرف على إيرادات فيلم عالماشي    تقديرًا لدوره الوطني خلال حرب أكتوبر.. «الوطنية للإعلام» تنعى الإعلامي الراحل أحمد أبوالسعود    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    "السياحة" في أسبوع.. مد تحفيز برنامج الطيران العارض.. والاستعداد لموسم الحج    ما حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم؟ «الإفتاء» تُجيب    مستشار الرئيس للصحة: مصر في طريقها للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    شم النسيم.. تعرف على أضرار الإفراط في تناول الفسيخ    الكشف على 2078 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    تفاصيل مشروعات الطرق والمرافق بتوسعات مدينتي سفنكس والشروق    وزير الري: نعمل على توفير حياة كريمة للمواطنين بالصعيد    الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي تُناقش آفاق التعاون مع وكالة تمويل الصادرات البريطانية    الدفاع الأوكرانية: تمكنا من صد عشرات الهجمات الروسية معظمها بالقرب من باخموت وأفديفكا    كوريا الجنوبية: ارتفاع عدد الهاربين للبلاد من الشمال لأكثر من 34 ألفا    الصحة السعودية تؤكد عدم تسجيل إصابات جديدة بالتسمم الغذائي    إندونيسيا: 106 زلازل ضربت إقليم "جاوة الغربية" الشهر الماضي    مصرع 14 شخصا إثر وقوع فيضان وانهيار أرضي بجزيرة سولاويسي الإندونيسية    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    ما حكم الإحتفال بشم النسيم والتنزه في هذا اليوم؟.. «الإفتاء» تُجيب    إيرادات فيلم السرب على مدار 3 أيام عرض بالسينما 6 ملايين جنيه ( صور)    إسماعيل يوسف: كهربا أفضل من موديست.. وكولر يحاول استفزازه    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    حملات لرفع الإشغالات وتكثيف صيانة المزروعات بالشروق    «أتوبيسات لنقل الركاب».. إيقاف حركة القطارات ببعض محطات مطروح بشكل مؤقت (تفاصيل)    «الإسكان»: دفع العمل بالطرق والمرافق بالأراضي المضافة حديثاً لمدينتي سفنكس والشروق    عاجل| مصر تكثف أعمال الإسقاط الجوي اليومي للمساعدات الإنسانية والإغاثية على غزة    الصحة توجه نصائح هامة لحماية المواطنين من الممارسات الغذائية الضارة    بايدن يتلقى رسالة من 86 نائبا أمريكيا بشأن غزة.. ماذا جاء فيها؟    محمود بسيوني حكما لمباراة الأهلي والجونة في الدوري    «سببت إزعاج لبعض الناس».. توفيق عكاشة يكشف أسباب ابتعاده عن الإعلام    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    حفل ختام الانشطة بحضور قيادات التعليم ونقابة المعلمين في بني سويف    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التكامل بين التفرّق العربى والعجز الدولى
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 06 - 2010

فى عام 1916 وجه ت.أ لورانس برقية سرية إلى جهاز المخابرات البريطانية قال فيها:
«إن ثورة الحسين فى الحجاز ستكون مفيدة لبريطانيا لأنها تتماشى مع أهدافنا الحالية، وهى تحطيم الكتلة الإسلامية والتغلب على الإمبراطورية العثمانية وتمزيقها. أما الدول التى ستقام لتخلف الأتراك فستكون غير ضارة بنا، كما كانت تركيا قبل أن تصبح آلة فى يد الألمان، بل إن العرب هم أقل استقرارا من الأتراك، فإذا أحسنت معالجتهم ظلوا فى حالة تفرق سياسى، ولايات صغيرة متحاسدة عاجزة عن الاتحاد».
وكأن لورانس شعر منذ ذلك الوقت بما يمكن وصفه «بقابلية العرب للتفرّق»، وربما يكون «مؤتمر السقيفة» فى المدينة المنورة الذى عُقد بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بدايتها الأولى.
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف كان لا بد من ضرب القوات التركية فى العالم العربى. ولقد جد رئيس الحكومة البريطانية فى ذلك الوقت ونستون تشرشل، كما جاء فى إحدى الوثائق التى نشرت عن تلك الفترة:
«إن القوات التركية تعتمد على خط سكة الحديد فى العمليات التى تقوم بها ضد القوات البريطانية فى مصر. وإن هذا الخط الحديدى الضيق الذى يمتد مئات الأميال وسط الصحراء، إذا قطع بصورة نهائية، فإن القوات التركية سوف يقضى عليها».
من خلال برقية لورانس وموقف تشرشل يبدو واضحا التكامل بين الهدف والوسيلة. الهدف هو زرع حالة التفرق بين العرب، والوسيلة هى إزالة وسائل الاتصال والتواصل بينهم. فخط سكة الحديد لا يزال معطلا منذ ذلك الوقت حتى اليوم.
عندما صدر ميثاق الأمم المتحدة حرّم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها فى ميدان العلاقات الدولية. وَرَدَ هذا التحريم فى عدة مواد من الميثاق سيما فى الفقرة الأولى من المادة الأولى. إلا أن الميثاق أجاز استخدام القوة أو التهديد بها فى حالتين أساسيتين:
الحالة الأولى: الأمن الجماعى وما يتطلبه من إجراءات عسكرية (كما ورد فى المادتين 41 و42 من الميثاق)، وخصوصا إذا فشل مجلس الأمن الدولى فى التصدى لعملية خرق للأمن الدولى. وتحت هذا العنوان كان اجتياح العراق وأفغانستان على سبيل المثال لا الحصر.
الحالة الثانية: الدفاع الشرعى عن النفس (كما ورد فى المادة 51 من الميثاق). وحق الدفاع عن النفس يمكن أن تقوم به الدولة المعتدى عليها منفردة أو بالتعاون مع مجموعة من الدول تحت مظلة مجلس الأمن الدولى. وتحت هذا العنوان لا أملك أمثلة يمكن اعتمادها.
لم يحدد ميثاق الأمم المتحدة مفهومه للأعمال التى يعتبر أنها تهدد السلم الدولى، إلا أن الجمعية العامة وافقت، فى عام 1949، على القرار 375 الذى يتضمن إعلانا بحقوق الدول وواجباتها. تنص المادة التاسعة من هذا الإعلان على أن من واجب كل دولة الامتناع عن اللجوء إلى الحرب أو التهديد بالقوة فى سياستها القومية.
كما أن من واجب كل دولة الامتناع عن خرق حرمة أراضى أية دولة أخرى أو تهديد سلامتها أو انتهاك استقلالها أو القيام بأى عمل يتنافى مع القانون والنظام الدوليين، وحظرت المادة العاشرة من الإعلان تقديم المساعدة لأى دولة لا تحترم مضمون هذه المادة التاسعة.
مع الأسف لم تُحترم هذه المواثيق الدولية حتى فى حدّها الأدنى. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت الولايات المتحدة المساعدة لبريطانيا أثناء حربها ضد الأرجنتين 1970 فى الصراع حول السيادة على جزر الفوكلاند. وقدمت بريطانيا المساعدة للولايات المتحدة أثناء قصفها ليبيا 1986. ولقد وجدنا كيف أن الولايات المتحدة حرضت إسرائيل ودعمت حروبها على مصر وسوريا والأردن فى 1967 و1973، وعلى لبنان فى 1982 و2006، وعلى غزة فى 2008، وكيف أنها أى الولايات المتحدة فبركت المبررات لغزو العراق، من الادعاء بامتلاكه أسلحة دمار شامل إلى تلفيق قصة استيراد اليورانيوم من النيجر وحتى نسج علاقات تعاون وهمية له مع تنظيم القاعدة تبريرا لاجتياحه فى عام 2003، من دون أن تراعى للقانون الدولى ولميثاق الأمم المتحدة أى حرمة. بل إن قرار الاجتياح اتخذ بالالتفاف على مجلس الأمن الدولى وحتى رغما عنه.
كذلك فإنه رغم خرق إسرائيل للقانون الدولى بالتهديد بالعدوان وبالاعتداء العسكرى المباشر (على لبنان)، وباحتلال كل فلسطين وجزء من جنوب لبنان وكل مرتفعات الجولان السورية، فإن المساعدات العسكرية والاقتصادية تتدفق عليها من عدة دول، وخصوصا من الولايات المتحدة، وكان آخرها تمويل المظلة الفولاذية لحماية إسرائيل من الصواريخ التى تنتجها حركة حماس فى ورش الحدادين فى قطاع غزة!!.
يحدد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 3314 (عام 1974)، تعريفا للعدوان، وبموجب هذا القرار يعدّ عدوانا:
استخدام القوة المسلحة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسى لدولة أخرى.
اجتياح إقليم تابع لدولة أخرى وضمّه، أو احتلاله.
قصف القوات المسلحة التابعة لدولة ما، إقليم دولة أخرى.
قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو دولة أخرى.
وكما هو واضح، فإن هذه التحديدات الأربعة للعدوان تشكل أسس وقواعد وثوابت السياسة الإسرائيلية. وبالمقابل فإن مجلس الأمن عجز أو عُجِّز عن القيام بأى عمل يحترم ميثاق الأمم المتحدة وحتى القرارات الصادرة عن المجلس بالذات.
لقد أجازت الأمم المتحدة للدولة المعتدى عليها تحت شعار حق الدفاع عن النفس استعمال القوة لرد العمل العدوانى الذى تعتبره المنظمة الدولية جريمة بحق السلام الدولى. واستعمال القوة مجاز كذلك للشعوب المغلوبة على أمرها، والتى تناضل من أجل تقرير مصيرها والحصول على استقلالها وممارسة حريتها، كما ورد فى المادة السابعة من الإعلان. ولكن عندما يحدث ذلك، كما جرى فى لبنان وفلسطين مثلا، فإن أقصى ما يذهب اليه مجلس الأمن هو «دعوة الأطراف المعتدِى والمعتدَى عليه إلى ضبط النفس».
وفى ذكرى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية (معاهدة روما مايو 1998) قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون: لقد ولى العهد الماضى، عهد الإفلات من العقاب وبدأنا نشهد بزوغ فجر جديد يحط رحاله شيئا فشيئا وبخطى ثابتة، وهو عهد المساءلة. وبدأت إرهاصات هذا العهد بالمحكمتين الخاصتين اللتين أنشئتا فى رواندا ويوغسلافيا السابقة.
واليوم أصبحت المحكمة الجنائية الدولية تشكل حجر الأساس فى نظامٍ للعدالة العالمية تنمو دعائمه، ويشمل المحاكم الدولية، والمحاكم الدولية الوطنية المختلطة واجراءات المقاضاة المحلية.. إن التحدى الذى يواجهنا هو أن نسعى إلى تحقيق السلم والعدالة معا، سواء بسواء، والمحكمة الجنائية الدولية تقوم بدور رئيسى فى هذا المسعى».
لا شك فى أن هذا مؤشر إيجابى وبناء. ولكن رغم أن عدد الدول التى وقّعت على معاهدة روما وأبرمتها بلغ حتى الآن 111 دولة، (هناك 37 دولة وقّعت ولم تبرم بعد) فإن الولايات المتحدة وإسرائيل لم توقعا ولم تبرما. فكيف يمكن إخضاعهما للمساءلة والمحاسبة، وهما فى أساس الظلم الذى نعانى منه.
لقد صدر عن مجلس الأمن الدولى حتى الآن 223 قرارا ضد إسرائيل. ولكن كل هذه القرارات لم تغيّر من السياسة العدوانية الإسرائيلية شيئا، نظرا للآلية المتحكمة فى عمل المجلس والتى تجعل تنفيذ قراراته خاضعا لمصالح الدول صاحبة حق النقض، وليس للالتزام بمبدأ العدالة والسلام.
اليوم تنتشر قوات تابعة للأمم المتحدة فى أكثر من 17 دولة. ويزيد عدد هذه القوات على المائة ألف بميزانية تتجاوز المليارات الثلاثة ونصف المليار دولار سنويا. وقد فرض الحاجة إلى هذه القوات نشوب سلسلة من الحروب الأهلية والاقليمية زاد عددها على 85 حربا كان العالم الثالث مسرحا لمعظمها. غير أن مهمة هذه القوات ليست تحقيق السلام إنما المحافظة عليه. وهذا يعنى أن هذه القوات تتولى السهر على مراقبة تنفيذ اتفاقيات السلام.. أو بعبارة أصحّ، اتفاقيات التسوية.
ونظرا لتفشيل إسرائيل المتعمد والمتكرر كل محاولات التسوية مع الفلسطينيين، فإن الأمم المتحدة لا تستطيع أن ترسل قوات دولية للمحافظة على ما هو غير موجود أساسا، الأمر الذى يشجع إسرائيل على الإمعان فى انتهاكاتها الموصوفة لميثاق الأمم المتحدة ولقرارات مجلس الأمن الدولى بالذات.
لا شك فى أن النصوص الدولية المثبتة فى المواثيق وفى القوانين والقرارات الدولية شىء، والسلوك الدولى شىء آخر، كما أثبتت المواقف العديدة لمجلس الأمن الدولى. فالنصوص تعبر بالفعل عن النزعة الأخلاقية لدى الانسان المتحضّر، وعن تطلعه إلى أن يكون خليفة الله فى عمارة الكون والمحافظة على الكرامة الانسانية وعلى الحياة البشرية. غير أن بعض السلوك لا يزال يعكس من وقت لآخر، الغريزة الحيوانية التى ربما يكون قد اكتسبها الإنسان فى رحلته الطويلة منذ خروجه من الكهوف وصراعه مع الآخر، من أجل البقاء.
ولعل عالِم الاجتماع فريدريك هاكر يلخّص ذلك بقوله: «أفضل لنا أن نرهب الآخرين من أن يرهبنا الآخرون».
أليس هذا هو المبدأ الذى يشكل اليوم العمود الفقرى للسلوك الإسرائيلى مع العالم العربى؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.