أيا كانت مسمياتها: مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة, أو مفاوضات علنية أو غير علنية, فإن لقاء الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي علي مائدة المفاوضات هذه المرة سوف يسفر عن قيام الدولة الفلسطينية, وعبر الرئيس مبارك عن هذا الأمل في الكلمة التي ألقاها قبل انطلاق المفاوضات بقوله:( لم يعد مقبولا أن نفشل في اقامة الدولة الفلسطينية بعد قرن من النزاع). وأوضح الرئيس مبارك هذا في مقال كتبه في صحيفة نيويورك تايمز( أول سبتمبر الحالي) مؤكدا ان الإطار العام لتحقيق التسوية الدائمة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي واضح, وان المبادرة العربية حل نموذجي ويتمثل في اقامة الدولة الفلسطينية علي الأراضي التي احتلتها اسرائيل عام1967, علي ان تكون القدس عاصمة لكلتا الدولتين فلسطين واسرائيل. وكانت جولات المفاوضات السابقة قد حسمت الكثير من التفاصيل الخاصة بالتسوية النهائية لقضايا اللاجئين والحدود والقدس, ولذا فإن الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي مطالبان بالتحرك لإثبات الجدية. *** إقامة الدولة الفلسطينية إذن حق مشروع للشعب الفلسطيني الذي صاغ هويته الوطنية منذ وقت مبكر وحظي هذا الشعب باعتراف دولي حاسم منذ فجر القرن العشرين ويكفي الاشارة الي اعتراف المجتمع الدولي في المادة22 من ميثاق عصبة الأمم لعام1919 وفي معاهدة لوزان لعام1923, حيث اعترفت مثل تلك المواثيق الدولية بأن الشعب الفلسطيني شأنه شأن القوي العربية الأخري التي انسلخت عن الدولة العثمانية هو شعب حر ومستقل. ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير إثر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم181 لعام1947 الذي قسم فلسطين الي دولتين عربية ويهودية, فإن هذا القرار مازال يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني. وجاء الاحتلال الاسرائيلي مع حرب1948 انتهاكا صارخا لمبادئ الشرعية الدولية ولميثاق الأممالمتحدة ولقراراتها التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية بما فيها العودة وحق تقرير المصير والاستقلال والسيادة علي أرض وطنه. ولذا فقد جاء قبول اسرائيل عضوا في الأممالمتحدة(11 مايو1949) مشروطا بقيام تنفيذ اسرائيل قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم, وتمضي السنون ويقع عدوان يونيو1967 ويصدر قرار مجلس الأمن رقم242 22 نوفمبر1967) واعتبر التسوية العادلة لمشكلة اللاجئين أحد مبادئ تسوية أزمة الشرق الأوسط وسرعان ما صدر قرار الجمعية العامة رقم(253 في10 ديسمبر1969) متضمنا اعتراف الأممالمتحدةبالفلسطينيين كشعب له هوية وطنية, وأكد القرار من جديد حقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حق تقرير المصير ثم عادت الأممالمتحدة عام1974 واعتبرت الشعب الفلسطيني هو الطرف الأساسي في قضية فلسطين ودعت منظمة التحرير الفلسطينية الي الاشتراك في مناقشة القضية في أروقة الأممالمتحدة وبهذا القرار أصبحت فلسطين عضوا مراقبا في المنظمة الدولية وتعامل معاملة الدولة العضو فيما عدا حق التصويت, وهذا يعني امتلاك فلسطين حق تقرير المصير وواجب كل الدول الاعتراف به وتيسير تحقيقه. وتعزز هذا المكسب الدبلوماسي الذي نالته القضية الفلسطينية في أروقة الأممالمتحدة, بصدور خريطة الطريق في30 أبريل2003 ونصت ديباجتها علي ما يلي:( سوف تؤدي المفاوضات التي تجري بين الأطراف المعنية الي ظهور دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية تتعايش في سلام وأمن جنبا إلي جنب مع إسرائيل وجاراتها الآخريات وسوف تحل التسوية للصراع الاسرائيلي الفلسطيني وتنهي الاحتلال الذي بدأ عام1967 بناء علي مبدأ الأرض مقابل السلام علي أساس مؤتمر مدريد وقرارات مجلس الأمن أرقام1397,338,242 والمبادرة السعودية التي وافق عليها مؤتمر القمة العربية في بيروت(2002). ويبدو واضحا أن إعلان قيام الدولة الفلسطينية وفقا لحدود1967 هو عامل مشترك أساسي في المبادرتين العربية(2002) والأمريكية عام(2003) لكن ما جري علي أرض الواقع يحول دون تحقيق ما جاء في المبادرتين بسهولة ويسر, ويكفي الإشارة هنا إلي إقامة الجدار العازل وما جري من عمليات بناء المستوطنات الرئيسية حول القدس.. الخ فضلا عما جري علي أرض غزة. وأخيرا لعل الدروس المستفادة من الفرص السابقة تكون ماثلة أمام المفاوض الفلسطيني حاليا لاسيما أن الفرصة الراهنة تأتي مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أيام, وهي الجمعية العامة التي أقرت منذ عام1984 مبدأ حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته الخاصة لانجاز تطوره الاقتصادي والثقافي والاجتماعي علي أرضه الوطنية, ولعل المفاوض الفلسطيني يبادر بإعلان ثوابت أو خطوط حمراء فلسطينية وفي مقدمتها: عروبة القدسالشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلي بلادهم وارتباط اعلان واستقلال دولة فلسطين بقرار من مجلس الأمن علي غرار ما حدث بالنسبة لاستقلال ناميبيا حيث صدر القرار435 بشأن الاستقلال وهو قرار شامل تفتقده القضية الفلسطينية رغم الشرعية الدولية للكيان الفلسطيني اليوم أكثر من أي وقت مضي. ولا يمكن مقارنة قرار مجلس الأمن هذا بالقرار المنقوص والمبتور رقم1397 الصادر في13 مارس2002 عن مجلس الأمن بالنسبة لإقامة دولة فلسطينية( بدون أداة التعريف).