عبد الرحمن المهلب بطل مسرحية «الراجل اللي ضحك ع الملايكة» التي عرضت باسم «الراجل اللي ضحك ع الأبالسة»، هو ليس البطل الإيجابي التقليدي الذي يدخل في معركة ضد الشر من أجل تحقيق قيمة عليا، بل هو وغد شرير خفيف الدم، لا يعترف بقداسة أي شيء، ومن خلال ارتكابه لكل صنوف الشر يتشرب المتفرج القدرة علي المزيد من الرغبة في اعتناق الخير وصنعه.. الرجل جاهز دائما لمواجهة أي موقف بالكذب والتزوير والخداع، إلي الدرجة التي قام فيها بتزوير أرقام سيئاته عندما انتقل إلي العالم الآخر، ولكن ذلك لم يحدث، من المستحيل الضحك علي الملائكة، لقد كانوا يعرفون منذ البداية كل ما يفكر فيه وكل ما سيفعله، الموقف هنا يذكرك بأفراد الأمن عندما يتابعون شخصا ويسهلون له حركته لكي يتم القبض عليه متلبسا.. غير أن الرجل لم يمت فعلا، لقد أغمي عليه بعد أن تلقي ضربة علي رأسه، في هذه الإغماءة التي ربما دامت للحظات.. رأي كل هذه الأحداث. رأي أنه مات وهنا يتحرك جهازه النفسي الخرب ليمده بكل الوقائع السابقة. طبعا الهدف من المسرحية إذا كان للفن هدف هو أن هناك بعض الأشخاص تمكن منهم الشر إلي الدرجة التي تجعل من ضمهم لصفوف الخير أمرا مستحيلا، ولكن الرقيب كان يشعر علي نحو ما أن هناك قنبلة مخبأة داخل المسرحية، وأنها من الممكن أن تنفجر فجأة عند عرضها.. لماذا لا تجعله يضحك علي الأبالسة وليس الملائكة؟ عندما يضحك الإنسان علي الأبالسة فهو إنسان عظيم، صاحب قدرات كبيرة، وأيضا هو محارب ضد الشر، وعقدة المسرحية هي أن الشخص من هذا النوع علي استعداد للتزوير وخديعة حتي الملائكة لأنه شخص شرير.. وكيف ستحاسبه الأبالسة..؟ كيف يدور ذهنه في هذا الاتجاه..؟ من المستحيل أن يحلم شخص أو يهيأ إليه أن الأبالسة ستحاسبه، من الطبيعي أن يتخيل أن الملائكة هي التي ستحاسبه. صمت الرقيب طويلا، كان المسكين يتعذب، ضميره لا يسمح له برفض المسرحية، وحكاية ظهور الملائكة علي المسرح هذه تشعره بالرعب. وأخيرا قال: حسنا.. هم في حقيقة الأمر ليسوا ملائكة.. هم أبالسة يلعبون علي عبد الرحمن دور الملائكة.. هكذا يمكن حل المشكلة. فكرت فيما يقول: تقصد أن أكتب مشهدا فيه عدد من الأبالسة يتآمرون علي البطل قبل انتقاله إلي هناك، ويقررون أن يمثلوا عليه دور الملائكة؟ قال: نعم.. اكتب هذا المشهد الليلة وغدا صباحا أعطيك ختم الرقابة بالموافقة علي عرض المسرحية. عرض المسرحية بالنسبة لي مسألة حياة أو موت، مرتبي في مسرح القاهرة للعرائس عشرون جنيها فقط في الشهر، وأجري عن المسرحية بعد خصم الضرائب هو أربعمائة جنيه، كنت في أشد الحاجة لهذه المئات الأربعة لظروف عديدة ضاغطة، وكان من المستحيل صرف الأجر بغير الحصول علي موافقة الرقابة. كتبت المشهد، عذاب حقيقي أن تكتب مشهدا أنت علي يقين من أنه سخيف ولا ضرورة له . وفي الصباح ذهبت إلي الرقيب بالمشهد الجديد، إبليس الكبير يقول لعدد من مساعديه ( إبليسوزو ، وإبليسيكي، وإبليساكا) أن هناك شخصا اسمه عبد الرحمن المهلب في طريق الآن إلي هنا.. وهو خبير في الشر وأعمال الشيطنة، نريد أن نثبت له أنه في الشر ليس إلا تلميذا صغيرا.. سنتنكر في هيئة ملائكة. قرأ الرقيب المشهد وقال: جميل.. الحمد لله وصلنا لحل.. بعد دقائق حصل علي التوقيعات المطلوبة ثم ختم النسخة بختم الرقابة ومد لي يده بها: اتفضل. غير أن هذا المشهد أوقعني في مصيبة أكبر.