إضافة مشهد لمسرحية أو حذف مشهد منها يزرع فيها معاني جديدة ربما تكون مضادة للمسرحية ذاتها. العمل الفني مخلوق حي لا يخضع للمنطق وحده، المشهد الجديد الذي اقترحه الرقيب ونفذته أنا بعد أن استكتبني طلبا بالموافقة علي إجراء التعديل، يعني أنا الذي يطلب التعديل وليس هو، هو منطق بيروقراطي شهير، يعني أنا الذي طلبت منه إفساد المسرحية، غير أن إضافة مشهد للأبالسة الذين يلعبون علي البطل دور الملائكة ذهب بالمسرحية في اتجاه خطر للغاية حيث يعطي الفرصة لأصحاب النوايا السيئة بتفسيرات كفيلة بإرسال العرض المسرحي وأصحابه في ستين داهية، أبطال المسرحية يعيشون في العالم الآخر، في مكان اسمه " المكان" هو ليس تابعا للجنة أو الجحيم، ولكن تتوفر فيه فرص للإنسان ليعمل ويحصل علي كل ما هو في حاجة إليه. أليست هذه هي الاشتراكية؟ أليس من السهل علي أصحاب النوايا السيئة وما أكثرهم، أن يقولوا إن المؤلف يهدف إلي اتهام الحكومة (يعني عبد الناصر وكل رجال الثورة) بأنهم ليسوا أكثر من جماعة من الأبالسة تلعب علي الناس دور الملايكة؟ قلت ذلك لسعد أردش رحمه الله وكان مديرا لفرقة مسرح الحكيم، فاصفروجهه، كان هو نفسه من قيادات الاشتراكية، فكر في الحكاية لثوان وقال لي: لا تذكر ذلك لأي مخلوق.. ودع الأمر لي.. تم اختيار الممثلين للمشهد المضاف بالفعل وتم إعداد الملابس الإبليسية الخاصة بهم وقاموا بإجراء التدريبات اللازمة. وفي ليلة الافتتاح حضر أعضاء الرقابة جميعا، امتلأت القاعة، كان هناك عدد كبير من البشر لا أعرف من أين أتوا.. من الواضح أن حكاية الأبالسة الذين يلعبون أدوار الملائكة قد تسربت إلي جهات عديدة فأرسلوا بأشخاص يتابعون الموقف. قدم العرض وانتهي عند منتصف الليل تقريبا وبعد أن أسدلت الستار قال أردش للرقباء: العرض جاهز بالأبالسة كما شاهدتموه وهو المشهد الذي تمت إضافته.. غير إنني ي أطلب من حضراتكم أن تتحملوا أنتم المسئولية السياسية عن وجود هذا المشهد. فسألوا: مسئولية إيه؟ فقال أردش: مسئولية أن تفهم الناس أن الاشتراكية في مصر المسئول عن تطبيقها جماعة من البشر الأبالسة الذين يلعبون علي الشعب المصري دور الملائكة.. أنا شخصيا كمدير للفرقة عاجز عن تحمل هذه المسئولية. كما لو أن قنبلة انفجرت في قاعة مسرح محمد فريد بعد منتصف الليل ذات يوم من عام 1966، وجد الرقباء أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر، أن يوافقوا علي العرض بما فيه مشهد الأبالسة، وهو ما يجعلهم في مواجهة حتمية مع النظام بوصفهم أعداء للاشتراكية، أو يوافقوا علي حذف المشهد والإبقاء علي مشهد الملائكة وهو ما يضعهم في مواجهة مع محظورات الدين. تطايرت الكلمات غاضبة غير أن القضية كانت في حاجة إلي قرار شجاع منهم. أن تخطئ في حق الملائكة أو الشياطين قد يترتب عليه أن تدخل النار، ولكن ذلك مؤجل ليوم الحساب، غير أنك عندما تخطئ في حق الاشتراكية فلن تجد من يرحمك، ستدخل المعتقل، والأمر في هذه الحالة ليس مؤجلا.. ما هو الحل إذن؟ بطريقتنا العبقرية في حل المشاكل، اتفق علي حذف مشهد الأبالسة مع تغيير اسم المسرحية إلي "الراجل اللي ضحك ع الأبالسة" ولكن المسرحية ما فيهاش أبالسة.. ما لناش دعوه.. هو ده الاسم اللي صرحنا بيه. هكذا ظهرت المسرحية بهذا الاسم، وكانت ملصقاتها وكل إعلاناتها تحمل نفس الاسم، وظهرت في كتاب نشرته هيئة الكتاب بنفس الاسم، الغريب أنه لا أحد من النقاد أو حتي المتفرجين تساءل.. امال فين الأبالسة؟