عرضت هذه المسرحية علي خشبة مسرح الحكيم من إخراج نجيب سرور، كان سعد أردش هو مدير الفرقة. وكان هذا العرض هو بداية صدامي مع الرقابة علي المصنفات الفنية، ومن يومها علي ماأظن وضع اسمي في الصحيفة الجنائية للمسجلين خطر مسرح. بطل المسرحية وهو عبد الرحمن المهلب يعمل مسئولا كبيرا في مؤسسة الملح، وهو مزور من النوع النادر، يستطيع تزوير أي شيء ثم يبرز لك وثيقة مختومة ومعتمدة علي صحة هذا التزوير. ينتقل إلي العالم الآخر بعد أن تلقي ضربة قوية علي رأسه بفازة ضربه بها أحد موظفيه، وفي العالم الآخر يأتي ملكان يوقظانه لإجراء الحساب الختامي معه، وهما الضيف أحمد رحمه الله وجورج سيدهم شفاه الله، أحدهما بالطبع ملك الحسنات والآخر ملك السيئات، لا توجد له حسنات إلا حسنة واحدة وذلك عندما قال لأحد الناس السلام عليكم فحسبت له صدقة، أما من ناحية سيئاته فقد كان الملاك ينوء بحملها في دفاتر هائلة الحجم. هذه الدفاتر لا تحتوي علي سيئاته كلها، هي فقط تتضمن الأرقام الإجمالية، أما مفردات وتفاصيل سيئاته نفسها فهي تملأ المخازن. يفزع عبد الرحمن غير أنه يتمالك ويطلب مراجعة الحساب فربما يكونان قد أخطآ أو نسيا كتابة الحسنات، يقولان له بوضوح إنه من المستحيل أن ينسيا شيئا أو يخطئا لأنهما ملكان فيرد عليهما: وإبليس.. مش كان ملاك وأخطأ.. جل من لا يسهو.. وهناك شيء آخر، لقد عملت في وزارة الصحة لمدة ثمانية أعوام، كنت أنام فيها علي مكتبي لساعات طويلة، من الطبيعي أن تحسب لي هذه الساعات في بند الحسنات طبقا لقاعدة أن نوم الظالم عبادة، وأنا ظالم ونمت المدة دي كلها. كان لابد من أن يردا علي هذه الحجة وهو ما يحتم مراجعة الأرقام في مخازن سيئاته، وبعد أن خرجا من المسرح، أخرج علي الفور من جيبه موسا وأستيكة وأخذ يلعب في أوراق حسابات سيئات، عاد الملكان وأبلغاه أن قاعدة نوم الظالم عبادة بحد أقصي ثماني ساعات فقط في اليوم،.. ماشي.. ممكن حضراتكم تلقوا نظرة أخيرة علي الأرقام. يفاجأ ملاك الحسنات بالأرقام بعد أن قام المهلب بكشطها بمهارة، وهنا يقرران أن يضعاه في مكان ليس تابعا للجنة أو النار، مكان يسمي "المكان" ومن حقه في هذا المكان أن يستجاب لكل طلباته، هناك ملاك يسمي "ملاك" مكلف بتحقيق كل رغباته إلي أن يتم حسم أمره وفي المكان يفاجأ بوجود عدد من موظفي الشركة، لقد ماتوا جميعا وانتقلوا إلي العالم الآخر، يقابلهم بحب ومودة زاعما لهم أنه أدرك كل أخطائه في الدنيا، فينخدعوا بكلماته المعسولة، وعندما يبدي رغبته في أن يعمل مديرا لمؤسسة، يستجيب الملاك المعين لخدمته ويعملون جميعا عنده كما كان الحال في الدنيا، الفرق الوحيد أن هذه المؤسسة للفواكه وليس الملح. غير أن عبد الرحمن لم يكن سعيدا، ينقصه شيء مهم للغاية، هو يريد ممارسة إذلال بعض الناس، هو لن يشعر بالارتياح إلا بعد أن يستمتع بإذلال الآخرين. غير أن الملاك يرفض إجابته إلي طلبه في أدب، ليس مسموحا في هذا المكان أن يذل إنسان إنسانا آخر.. ثم يتضح للمتفرج، أن كل هذه الأحداث كان عقله هو مسرحها في اللحظات التي أغمي فيها عليه.. لم يمت أصلا. وبدأت المعركة مع الرقابة.. وحذرني الدكتور علي الراعي رحمه الله وكان رئيسا لهيئة المسرح: حاول أن تتفاهم معهم.. لو أنهم أرسلوا النص إلي الأزهر فلن يخرج من هناك..