بدأ العد التنازلي لانتخابات مجلس الشعب القادمة الكل مترقب نتائج ذلك الحدث الهام، سنوات مرت علي سياسات الحكومة للاصلاح السياسي والاقتصادي استفادت منها بعض الشرائح داخل المجتمع وأضير منها بعض الشرائح الأخري تضم فئات من الفقراء والمهمشين في المجتمع المصري وهو ما أضفي علي سياسات الإصلاح الاقتصادي والسياسي طابعاً حزيناً لم تتدخل الحكومة في فرضه وإن كان وليد سياستها وساهم في الكشف عنه محاولات تصحيح المسار المتبعة من قبل الحكومة والتي تعرضت إلي مشاكل تتسم بالجمود وتمثل تحديات بالنسبة للمجتمع. وبالفعل كانت الظروف قاسية علي البعض داخل المجتمع فقد حاولت الحكومة أن تعيد تكييف سياساتها حتي تحافظ مصر علي توازناتها الدولية ولا تفقد التواصل مع السياسات الاقتصادية العالمية والمجتمع الدولي بشكل عام وفي الداخل حاولت أن تخلق مناخاً جاذباً للاستثمار وداعماً له حقق العديد من أهدافه علي الصعيد الداخلي. وسيؤثر بلا شك في المستقبل علي تحسين الأوضاع المعيشية لقطاعات كبيرة من المواطنين في الدولة من خلال تغذية القطاعات الخدمية المرتبطة بتلك الاستثمارات وأيضا الصناعات التي تغذي تلك الاستثمارات وهو الأمر الذي يجب أن يلتفت إليه المواطن المصري ويهيئ نفسه لأن يندمج في هذا التنظيم الجديد ساعيا لأن يكون دوره سواء اتفق مع سياسات الحكومة أو اختلف يحقق له ولمجتمعه أقصي استفادة من الفرص المتاحة. ولكن من خلال هذا الأفق يظل المواطن البسيط أملاً في الحصول علي مسكن وعمل وأجر مناسب ويظل طموحه في التخلص من الفقر والجوع هو هدفه الاول وتبقي خطط الحكومة في الإصلاح متعثرة أمام الخصام الدائم الذي تفرضه الأحزاب السياسية علي المشهد العام للمجتمع وإلي فرض نظريات للإصلاح وإن انتزعت اهتمام المواطنين ولكنها لم تحقق أياً من أهدافهم وأصبح العمل السياسي هو أمل منشود إلي كل من يحلم بتحقيق انتشار ووجود علي حساب المصلحة العامة. كما أن التيارات السياسية الأخري والموجودة علي الساحة وبالتحديد جماعة الاخوان المسلمين المحظورة التي تحاول أن يكون لها دور مؤثر افتقدت إلي أهم الأسباب التي تؤهلها لذلك وهي الشرعية والتي يفرضها مبادئ سيادة القانون والفئوية بتمييزها بين مصالح أعضائها ومريديها والمصلحة العامة للمجتمع واحترام التعددية الموجودة فيه. كما أن منظمات المجتمع المدني والتي يفترض أن تقوم بدور داعم للفقراء والمهمشين اكتفي أغلبها بمتابعة الأحداث علي الساحة السياسية والاقتصادية وتحليل تلك الأحداث وتوجيه النقد إلي الحكومة دون تدخل ملموس في واقع المواطنين الذين تعوزهم الحاجة إلي عمل تلك المؤسسات علي الأرض لتلبية احتياجاتهم سواء من خلال خدمات التوعية أو التأهيل لتوفير الرعاية اللازمة وسبل التكيف والاندماج ولكن التحول الاقتصادي والسياسي فرض تلك المساحة من الحرية وأتاحها ولم يحاول قمعها أو توجييها. فبالتأكيد المواطن من خلال محاولاته المتعثرة في التعرف علي حقوقه إلي أن يصل إلي التمكن من ممارستها علي النحو المطلوب سوف يقوم باكتشاف مواطن القوة والضعف في المؤسسات التنظيمية الموجودة علي الساحة ويختار الأصلح منها ليعبر عن رأيه ومصالحه لا أريد أن أضفي مشهدا وردياً حول سياسات الحكومة في التعامل مع قضايا المجتمع علي حساب أي من التنظيمات السياسية أو المدنية الأخري. ولكني أحاول أن أسلط الضوء علي القصور الواضح من قبل تلك التنظيمات في اتخاذ خطوات جدية نحو توحيد الصف في المجتمع المصري والتفرغ التام إلي توجيه النقد إلي سياسات الحكومة التي أصبحت وحيدة في مرمي النقد رغما عن مشاركة تلك المؤسسات في المسئولية المجتمعية بدعوي أن الحكومة تنفرد بصناعة القرار واصداره. ويبدو أحد أهم المشاكل التي ستواجه الناخب عند اختياره للمرشح الذي سيدلي بصوته لصالحه خلال الانتخابات القادمة في استغلال الوضع الراهن لخلق موجة من التأثير علي إرادة الناخبين داخل الشارع المصري بتوجيه التيارات السياسية المختلفة سهامها إلي الحكومة وعلي مقدمتهم الجماعة المحظورة الذين يستطيعون بشكل محكم صبغة نظرياتهم الدينية بقالب سياسي وطرح تأييدهم في الانتخابات علي أنه نوع من اقرار شرع الله المكلفين بانقاذه واقناع مؤيديهم ومريديهم بأن واجب المشاركة هو أمر مصيري وأن إقصاء الحكومة والدولة المدنية عموما هو أمر يتوقف عليه مصير الدين والمسلمين بشكل عام. وأيضا الأمر الذي لا يقل أهمية عن الدور الذي تحاول أن تلعبه جماعة الاخوان علي الساحة السياسية هو برامج باقي الأحزاب التي تفتقد إلي التطبيق الملموس في الواقع وتعد مجرد وعود انتخابية تراهن الاحزاب علي تحقيقها في المستقبل إذا تمكنت من الولوج إلي البرلمان وهو أمر تحسمه أنشطة الاحزاب بشكل عام وليس مجرد قدرتها علي طرح برامج مؤثرة أو اقناع الناخبين بقابليتها للتطبيق. والأمر الثالث أيضا الذي يتعين علي الناخب حسمه دون تردد هو عدم قناعة المواطنين بجدوي المشاركة في العملية الانتخابية رغما عن أن اشتراك المواطن في اختيار المرشح حتي وإن لم يحقق كل النتائج المأمولة منه ولكنه سيفرز أعضاء مجلس نيابي يمثلون ناخبيهم بإرادة هؤلاء الناخبين ولم تفرزهم تكتلات المصالح أو الرشاوي الانتخابية أو الروابط العائلية أو الاهداف الفئوية. كما أن عضو البرلمان أثناء تمثيله لناخبيه سيشعر بأن صوت الناخب هو مصدر سلطته وهو الأمر الذي سيعزز من أدائه لدوره في خدمة الناخبين وفي النهاية فإن حرية الاختيار يكلفه الدستور والقانون والمواثيق الدولية ولكن تلك الحرية يجب أن يكون مبناها العلم والإرادة الحرة والمصالح الجديرة بالرعاية والاعتبار ويعززها الوعي والادراك الكامل بأن الثقة تمنح حين تبدو الحقيقة واضحة بلا رتوش فالناخبون عليهم أن يقودوا المعركة دون تهاون من أجل أن ينبثق عن تلك الانتخابات مجلس نيابي قادر علي التعبير عن مصالح هذا الوطن وتحقيق تلك المصالح.