تهتم المجتمعات الناهضة بشبابها وتضع من السياسات والإجراءات ما يخلق لديهم روح الحماس والارتباط بمجتمعاتهم، ويفتح أمامهم أبواب المشاركة في كل ما يتصل بالشأن العام ويؤثر علي حاضرهم ومستقبلهم. كما أن هذه المجتمعات تقوم " بتمكين الشباب" من القيام بهذا الدور. لكن الأمر يختلف من حيث التطبيق في الدول الآخذة في التحول نحو الديمقراطية، ومنها مصر هذه الأيام، حيث يدور الصراع بين القوي السياسية والمجتمعية القديمة والناشئة علي الاستحواذ علي عقل الشباب ومحاولة تشكيله بما يخدم مصالحها وبما يضمن وجود قاعدة جماهيرية ترتكز عليها وتستغلها في حالة إذا ما حادت توازنات القوي عن المخطط. تنشط هذه القوي في العمل مستندة علي خلفية كبر حجم شريحة الشباب في مصر وعلي كون أن الكيان الشبابي كيان غير متجانس يضم في طياته شباب العمال والفلاحين، وهم الشريحة الأكبر بالإضافة إلي طلبة الجامعات وخريجيها، وعلي وجود اختلافات كبيرة بينهم قائمة علي معايير اجتماعية ومهنية وثقافية وأخري تتعلق بكيفية مخاطبة الدولة للشباب واستجابتها للاحتياجات المتزايدة لشرائح كبيرة منهم تقطن في مناطق محرومة تقريباً من الخدمات. وعلي ضوء ذلك تختلف أساليب مخاطبة هذه القوي للشباب والتكتيكات التي تتبعها في مغازلة الشباب الذين يمثلون القوة التصويتية العليا في كشوف الانتخابات، والتي تخلق في النهاية حالة من الصراع يجد الشباب نفسه منغمساً فيها ومتحملاً لنتائجه بدون وجود ثقافة سياسية مستقرة وأساليب تنشئة عصرية تحدد المسار الذي يتحرك فيه ويبني بمقتضاه اتجاهاته ومعتقداته. وتتمثل أهم أوجه الصراع الذي يعيشه الشباب هذه الأيام في الصراع بين مفهومي الدولة الدينية والدولة المدنية، وما ينتج عنهما من مفاهيم متضادة تتعلق بمستقبل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم. وبالرغم من أن هذا الجدل موجود منذ فترة، إلا أن حدة الصراع حوله قد اشتدت عقب حصول جماعة الإخوان المسلمين "المحظورة اسماً" علي 88 مقعداً في مجلس الشعب، وبداية تبلور ملامح فكر لها يتعلق بطبيعة نظام الحكم المبتغي، والعلاقة بين فكرة الخلافة التي تتخطي الحدود وقضية المواطنة، والموقف تجاه الأقباط والمرأة. فنكاد لا نجد أي تجمع شبابي ثقافي أو ترفيهي إلا وتوجد فيه تلميحات مباشرة أو ضمنية عن حديث لأنصار تلك الجماعة أو ذاك الفكر أو عن المواجهات الحادة والتراشق بالألفاظ بين المنتسبين لأي مجموعة منهم علي الفضائيات أو علي صفحات الجرائد. وبداخل التيار الديني بصفة عامة، توجد عدة اختلافات بين التيارات التقليدية التي تعتمد علي توفير شبكة من الخدمات الاجتماعية تسمح بجذب مزيد من التأييد بين أوساط الشباب المهمش بوصفه الفئة الأكثر تضرراً من سياسات الإصلاح الاقتصادي المتبعة، وبين التيار الحداثي الذي يعتمد علي مخاطبة الشباب بأسلوب عصري من خلال الدعاة المنتشرين بالفضائيات وببعض مساجد القاهرة والإسكندرية. ويجذب النمط الأخير تأييد العديد من الشباب ذوي الدخل المرتفع من خريجي المدارس والكليات الأجنبية. ويرتب الاختلاف في أسلوب حركة الطرفين تناقضاً شديداً بين أوساط الشباب ففي حين يتجه غالبية الشباب المهمش إلي التمسك بمفهوم الدولة الدينية التي تعتمد علي فكرة التكافل بصفة أساسية، نجد أن الفئة الأخري من الشباب تحاول الموازنة بين صور الدولة المدنية وأفكار الدولة الدينية علي النحو الذي يجعلهم فريسة لصراع فكري شديد غير محسوم عواقبه حالياً. يرتبط بهذا صراع مماثل وأكثر حدة حين يتعلق الأمر بمسألة تخص قضية الوحدة الوطنية، حيث نري استقطاباً واضحاً بين الشباب المسلم والشباب المسيحي، وبحيث يكون كلا الطرفين عرضة للاستغلال من جانب بعض القوي التي تحاول، وبصفة غير مباشرة، الوقيعة بين المسلمين والأقباط مستغلة المشاعر الجياشة وحماس الشباب في الدفاع عن معتقداتهم، وذلك دون وجود حملات موازية من جانب المسجد أو الكنيسة، ودون وجود دور واضح للدولة إلا من خلال أجهزتها الأمنية فقط. ولعلنا نذكر أن غالبية من قاموا بأحداث تضر بالوحدة الوطنية في البلاد معظمهم من هذا الشباب الساخط علي بعض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. يعمق من حدة هذه الاختلافات تصريحات غير واعية تصدر من قيادات بارزة محسوبة علي الطرفين سواء في الداخل أو في الخارج، ولا مجال هنا للحديث عن رؤية المرشد العام للإخوان المسلمين للعلاقة بين الأقباط والمسلمين في الدولة الدينية المبتغاة، ولا عن الأحاديث المتكررة لعدلي أبادير رئيس منظمة "أقباط متحدون" عن الحاجة لتدويل قضية الأقباط وإثارة المشاكل التي يعانوا منها في لجان الأمم المتحدة!! في وسط هذا الجو المشحون بالتوتر يجد الشباب نفسه محاطاً بأكثر من قضية عامة يشارك فيها طوعاً أو إجباراً، وبعدد غير محدد من القضايا الخاصة التي تستحوذ علي حيز كبير من تفكيره كالحصول علي فرصة عمل مناسبة، وكيفية بدء حياة جديدة مستقلة عن أسرته. وفي هذه الظروف، لا يهتم الشباب كثيراً بالجدل النظري حول المفاهيم المتعلقة بعلاقة الدين بالدولة، وعلاقة الدولة بالمجتمع، بقدر اهتمامه بكيفية انعكاس هذا الجدل علي حياته الخاصة وعلي فرص الترقيه في المستقبل. ويصبح علي الدولة ومؤسسات المجتمع المختلفة مهمة كبيرة تتعلق بإدماج الشباب في الحياة العامة وبتعظيم دورهم في الفترة القادمة. إن تقدم المجتمعات والشعوب لا يتم فقط بالتركيز علي الشرائح الناجحة والقادرة والتي تم تأهيلها وتمكينها، وإنما يكون أيضا ببحث أوضاع شرائح أخري مازالت مستضعفة أو مهمشة معظمها من فئة الشباب، ومحاولة جذب هذه الشرائح إلي التيار الرئيسي للمجتمع، بما يسمح بأن تقوم بدورها في تنفيذ برامج التنمية والتقدم وعلي إحداث التغيير اللازم للحياة. وبهذا يحسم الشباب مستقبلهم ولا يتركونه عرضة للحسم بواسطة جهات أخري.