تصلني بشكل شبه يومي إصدارات متعددة لكتب جديدة تطرح في الأسواق، أحيانا تكون مقدمة الكتاب كافية لطيه وعدم الاقتراب منه بعد ذلك، وفي أحيان أخري أغلق الكتاب من فصله الأول ولا أقترب منه لأنه لا يستحق عناء القراءة، لكن كتاب المحامي ثروت الخرباوي، ليس من هذه النوعية، أو تلك فحين استلمت نسخته أمس قرأت فصله الأول في مكتبي، وكتبت عنه، وعدت إلي المنزل لألتهم ما جاء فيه، وظللت أسيراً له حتي ساعات الصبح الأولي. "قلب الإخوان محاكم تفتيش الجماعة" من أهم الكتب التي صدرت هذا العام، فهو يحوي تجربة شخصية لقيادي داخل الإخوان، لكنها مكتوبة بأسلوب أدبي بسيط يشجع علي القراءة، إضافة إلي احتوائه علي كنز من المعلومات والحكايات، أتمني الكتابة عنها كلها، لكن هذا حق المؤلف والناشر فقط لذا أكتفي ببعض الوقائع التي سردها المحامي ثروت الخرباوي في كتابه. انتهيت أمس عند المناظرة بين الراحل فرج فودة، والمرشد الأسبق للجماعة الأستاذ مأمون الهضيبي، التي زلزلت مؤلف الكتاب وجعلته يتساءل أي عبادة تلك التي قتلت مسلمين آمنين علي أنفسهم، ورغم أن الخرباوي لم يترك الجماعة بعد هذا الموقف، لكنه بدأ يفكر ويدون ملاحظاته، وكان التفكير تهمة قادته بعد ذلك إلي محاكمة داخل الجماعة انتهت بقرار فصله. في الفصل السابع من الكتاب المهم يحكي ثروت الخرباوي عن زائر الفجر حسن عبد الحليم نقيب أسرته الإخوانية ليبلغه بأنه تمت إحالته إلي محكمة الإخوان التي تنعقد في مكتب المهندس ممدوح الحسيني في الثامنة صباحاً.. يقول الخرباوي: "أليس من المفترض أن يكون هناك تمهيد.. أليس من العدل أن يتم إخباري قبل التحقيق بوقت كاٍف، ثم ما هو موضوع التحقيق؟ هكذا أحيل الخرباوي إلي محاكمة داخلية بتهم لا يعرفها، ومطلوب منه الحضور بعد ثلاث أو اربع ساعات ليمثُل أمام محكمة الإخوان التي ترأسها جودة شعبان، وهوعامل صباغة توقف عن التعليم قبل الابتدائية، وأما عضو اليسار فهو مجدي عبدالله الحاصل علي شهادة فنية متوسطة، وعضو اليمين المهندس ممدوح الحسيني مسئول منطقة الإخوان في مصر الجديدة.. وبغض النظر عن أن هيئة المحكمة تشكلت من عاملين لمحاكمة محام فإن قائمة الاتهامات تبعث علي الدهشة. ضمت قائمة التهم: الاتصال بمجموعة الوسط، والوقوف ضد رجائي عطية ومساندة سامح عاشور في انتخابات نقابة المحامين، وله صلة بالدكتور سليم العوا، ومؤامرة ضد المرشد ولقاء سامح عاشور، ومخالفة قرار المرشد بمنع خروجه من بيته لمدة أسبوع. بدأت المحكمة ولديها شهادة الشهود علي هذه التهم مسجلة ومكتوبة، ولم يسمح للخرباوي بمناقشة الشهود، وبعدما دافع عن نفسه، رفعت الجلسة وتقرر فصله من الجماعة في أغرب محاكمة في التاريخ لكن محاكم تفتيش الجماعة لم تقتصر علي ثروت الخرباوي، وإنما امتدت لكل من حاول التفكير.. فحين تدخل الجماعة يجب أن تسلمها عقلك، وتتحول إلي تابع! تصويب: ذكرت في مقال الأمس أن ثروت الخرباوي ترك الجماعة مع المجموعة التي أسست حزب الوسط، وهذا ليس صحيحا، فقد خلطت بين الخرباوي والمحامي عصام سلطان الذي ترك الإخوان مع مجموعة الوسط في منتصف التسعينيات، أما الخرباوي فاستمر بها حتي خرج بهذه المحكمة الفضيحة.